تمكنت الطفلة المغربية مريم أمجون، التي تدرس في الابتدائي، والبالغة من العمر 9 سنوات، الثلاثاء الماضي، من الفوز بلقب بطلة "تحدي القراءة العربي"، في النسخة الثالثة من المسابقة التي شهدت مشاركة أزيد من 10 ملايين طالبة وطالب من 44 دولة؛ وهو مشروع يأخذ شكل منافسة للقراءة، ويهدف إلى تنمية حب القراءة لدى الأطفال والشباب في العالم العربي، وغرسها كعادة متأصلة تعزز الفضول وشغف المعرفة لديهم، وتوسع مداركهم، بما يساعدهم على تنمية مهاراتهم في التفكير التحليلي والنقد والتعبير. واستطاعت الطفلة المغربية البلوغ إلى مراحل المسابقة النهائية بعد أن تفوقت على أكثر من 300 ألف تلميذ وتلميذة على الصعيد الوطني، مثلوا 3842 مؤسسة تعليمية، وعلى خمسة متسابقين في النهائي، و16 متسابقا في الدور نصف النهائي، كأصغر مشاركة في المسابقة، كسبت قلوب الملايين بفضل موهبتها الفذة وطلاقة لسانها الفصيح، وقدراتها المعرفية، في جائزة تعد الأكبر في العالم العربي في مجال التحفيز على القراءة. وقال لحسن أمجون، والد الطفلة مريم أمجون، في تصريحات صحافية: "إن مريم متفوقة جدا في دراستها، ومهووسة بقراءة الكتب والقصص والمجلات الفكرية"، لافتا إلى أن "هذا الهوس أوصلها إلى قراءة 200 كتاب في مختلف المعارف والعلوم في وقت وجيز". وزاد المتحدث موضحا أن "حب القراءة نعمة منحها الله إلى مريم في سن مبكرة، وساعدها في صقل موهبتها وسطها العائلي المثقف، الذي وفر لها مناخا صحيا للتعلم والقراءة، إذ إن والدتها تدرس مادة العلوم بإحدى الثانويات بمنطقة تيسة، ضواحي مدينة تاونات، في حين يدرس والدها مادة الفلسفة بالمنطقة ذاتها". وعن حياتها خارج البيت، أكد والد الطفلة أن "مريم تحب خشبة المسرح وتؤدي عروضا متنوعة في هذا المجال"، مشيرا إلى أن "المسرح منح مريم قوة الشخصية وحب التواصل مع الآخر"؛ وأشار في الأخير إلى أن "هذا التتويج احتفاء بكل المغاربة الشغوفين بالقراءة". لقد كدنا نفقد الأمل في استعادة روح القراءة بالمغرب، لولا هذه الهبة الربانية التي جاءت من الصغيرة مريم لتبث الروح والأمل في فعل القراءة ببلادنا، في وقت يحصل بعض الطلبة المغاربة على شهادات عليا، دون أن يكونوا قد قرؤوا ولو كتابا في السنة الدراسية، إلى درجة أن تلاميذ في التعليم الثانوي وطلابا في الجامعات يَعْجَزون عن رسم بعض الكلمات باللغة العربية أو نُطْقها دون لَحْن، وصاروا يجهلون أغلب معاني كلماتها الفصيحة، وينطقون حروفها بالكاد، أو يَتَهَجّوْنها مثل الغُرَباء المُبْتَدئين، وصار أكثرهم يُحس عند تعلمها كأنه شخص غريب عنها أو غريبة عنه. والأخطر من هذا كله أن شبابنا صاروا من أصحاب "الشات والمسنجر والفايسبوك"، ولم تعد لديهم صلة كبيرة بالقراءة والكتاب ومواقع الفكر والثقافة، في ظل تصدر المشهد الإعلامي من رموز الكرة والفن الهابط. وصارت سياسة البلاد ضخ مزيد من الأموال الطائلة في صناعة نجوم الرياضة، علما أن الرياضة هي أكبر مجال لخساراتنا. لكن هذه النابغة المغربية جاءت لتذكرنا بالنبوغ المغربي الذي أفرد له العلامة الراحل عبد الله كنون مؤلفا في القرن الماضي، وبأمجاد أمتنا حينما كانت تحمل مشعل الحضارة. وكان السلف الصالح يقبلون على اقتناء الكتب وقراءتها على نور الشموع، حتى عُرف من السلف عُشّاق للقراءة، صاروا مضرب المثل في ذلك، ولهم أخبار عجيبة أكثر من أن تُحْصى في حب القراءة وملازمة الكتاب، ومنهم الجاحظ الذي كان يكتري دكاكين الوراقين ويبيت فيها للقراءة، وما رُئِي وإلا في يده كتاب، ويقال إنه "مات" تحت كتبه. ورغم أن القراءة بالمغرب كما في معظم الدول العربية ليست عادة أصيلة وتعيش وضعا بئيسا لا يبعث على الارتياح، وأن المغاربة لا يرون في الكتاب والقراءة ضرورة للروح كما يرون الرغيف ضرورة للبدن، استطاعت الطفلة مريم تحقيق إنجاز غير مسبوق، لتقول لنا جميعا: عليكم تشجيع فعل القراءة، وتغيير وضع الكتاب الذي رَكَنّاهُ جانبا، لنُعيد فتحه من جديد، ليدخل نور المعرفة إلى البيوت فيجلو العقول، كما يدخل نور الشمس إليها فيجلو الأبصار. صحيح أن مجتمعات العالم الثالث أرهقها الفقر، فتنازلت عن الكتاب مقابل الخبز، لكن، ومن خلال تجربة الطفلة أمجون وتصريحات أسرتها يتضح أن القراءة عادة لا تولد مع الإنسان، ولا يمكن أن نكتسبها إذا لم نجد مثالا بشخص قارئ في الأسرة أو في المدرسة؛ فالكثير من القراء ارتبطوا بعالم القراءة بسبب وجودهم في أسر تحتضن الكتاب، والطفل إذا عُوّد وعُلّم أمرا حسنا منذ الصغر نشأ على حبه. فلو رأى الطفل أباه أو أمه أو أحد إخوته محتضنا لكتاب يقرأه بين الفينة والأخرى فسيعمل عاجلا أم آجلا على محاكاته. وحبذا لو كانت هدايا الآباء إلى أولادهم في بعض الأحيان كتبا وقصصا مختارة، حتى نحسن نسبة القراءة في المغرب، التي لا تتجاوز اثنين في المائة للكتب، بمعدل قراءة لا يتجاوز دقيقتين في اليوم. فتحية لكل الأسر المغربية التي تشجع أبناءها على القراءة. *كاتب وباحث.