يصرخ أحمد حسن، الذي لم يتخط عمره بضعة أشهر، من الألم عندما يحمله الطبيب برفق ويضعه فوق ميزان حديدي لقياس وزن جسده النحيل جراء سوء التغذية الذي يعاني منه الطفل اليمني الرضيع. وفي الغرفة المجاورة، يعمل ممرضون وممرضات على مزج البودرة البيضاء والماء الساخن لتحضير الحليب في وعاء بلاستيكي، وعلى تجهيز الحقن التي يتوجب إعطاؤها للأطفال الراقدين في مستشفى السبيعن في العاصمة اليمنية الخاضعة لسيطرة المتمردين الحوثيين. ويعجز بعض الأطفال عن ابتلاع الحليب، فيقوم الممرضون والممرضات بتمريره في أنبوب ألصق بالأنف بشريط أبيض. ويشعر الأطفال ببعض النشاط ما إن يتم إطعامهم، فيتقرّبون من الأطفال الآخرين في الغرفة ذاتها للعب معهم والأنابيب ملصقة فوق أنف وجبين كل منهم في العيادة داخل المستشفى. وتقول أم طارق، وإلى جانبها طفلها البالغ من العمر تسعة أشهر في "جناح أمراض سوء التغذية والاسهالات"، إن "الحياة أصبحت صعبة جدا، لكننا نقوم بكل ما بوسعنا لمواجهة الحالة التي نمر بها". وتضيف: "لسنا من هنا (صنعاء) ونعيش في منزل قديم جدا يبلغ إيجاره 10 آلاف ريال (نحو 40 دولار). لكن ابني بدأ يمرض لأننا كنا نعطيه الحليب، والآن لا نستطيع أن نتحمّل تكاليف الإيجار والحليب معا". ووضع النزاع اليمني المستمر منذ نحو أربع سنوات ملايين السكان والأطفال أمام خطر المجاعة. والأسبوع الماضي حذر مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، مارك لوكوك، من أن 14 مليون شخص قد يصبحون "على شفا المجاعة" خلال الأشهر القادمة في حال استمرت الأوضاع على حالها في البلد الفقير. وقال لوكوك إن "الوضع الإنساني في اليمن هو الأسوأ في العالم. 75% من السكان، ما يعادل 22 مليون شخص، بحاجة إلى مساعدة وحماية، بينهم 8,4 ملايين في حال انعدام الأمن الغذائي الخطير وبحاجة إلى توفير الغذاء لهم بصورة عاجلة". تحسن.. انتكاسة أو موت في مستشفى السبيعن، يقول طبيب الأطفال شرف نشوان إن العائلات لم تعد قادرة حتى على دفع تكاليف التنقل للوصول إلى المنشأة الطبية. ويوضح: "يصل أطفالهم إلى هنا وهم في أشد المراحل صعوبة؛ لذا نقوم بإسعافهم فورا". ويضيف: "ينتظرون أن يأتي فاعل خير ويعطيهم المال الكافي للتنقّل والذهاب إلى المستشفى وتلقي العلاج". ويشهد اليمن منذ 2014 حربًا بين المتمردين الحوثيين والقوات الموالية للحكومة، تصاعدت مع تدخل السعودية على رأس تحالف عسكري في مارس 2015 دعما للحكومة المعترف بها دولياً بعد سيطرة المتمردين على مناطق واسعة، بينها صنعاء. وأوقع النزاع في اليمن منذ مارس 2015 أكثر من عشرة آلاف قتيل، وتسبّب في أسوأ أزمة إنسانية في العالم، بحسب الأممالمتحدة. وأعلنت منظّمة "أوكسفام"، الجمعة، أنّ المعارك الدائرة في اليمن تحصد مدنياً واحداً كلّ ثلاث ساعات، وطالبت كلاً من الولاياتالمتحدة وبريطانيا وسائر الدول الأوروبية بوقف مبيعاتها من الأسلحة إلى السعودية. ودعت الأممالمتحدة إلى وقف لإطلاق النار بالقرب من المنشآت التي يتم توزيع الغذاء منها، وبينها تلك المتواجدة في محافظة الحديدة حيث يقوم التحالف العسكري بقيادة السعودية بحملة للسيطرة على ميناء استراتيجي تصل عبره غالبية المساعدات. لكن رغم الأزمة الإنسانية، تستمر المعارك بين القوات الحكومية المدعومة من التحالف، والمتمردين الحوثيين المدعومين من إيران، الذين يسيطرون على صنعاء ومدينة الحديدة ومناطق أخرى في أفقر دول شبه الجزيرة العربية. وفي ظل الأوضاع الإنسانية والصحية الصعبة، يعمل الأطباء والممرضون في مستشفى السبيعن بلا توقف على إنقاذ حياة الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية، وتوفير الغذاء لهم. ويقول نشوان إنه بعد وصول الأطفال الى المستشفى "بعض الحالات تتحسن، وبعض الحالات تصاب بانتكاسة، أو تموت حتى".