انتقد مجموعة من الخبراء الاقتصاديين والأساتذة الجامعيين مشروع قانون مالية سنة 2019، نتيجة هيمنة التوازنات الماكرو اقتصادية على حساب الأوضاع الاجتماعية، مؤكدين خلال اليوم الدراسي الذي نظمه فريقا حزب الأصالة والمعاصرة بالبرلمان أن الميزانية العمومية لا تواكب التنمية الاجتماعية، جرّاء وجود أعطاب عدة تحول دون بلورة تصور شامل لنموذج تنموي اندماجي. وقال المهدي الفقير، خبير محاسباتي، إن "الدولة تعتمد أساسا على مداخيل الضرائب التي تقدر بثمانين في المائة؛ لكن يلاحظ غياب الرقابة على وسائل استخلاصها بسبب ضعف الإمكانات. كما أن المنظومة الاقتصادية متهالكة لأنها لم تأت بإجراءات تخلق الديناميكية الاقتصادية والاجتماعية، التي تسهم تعزيز الاستقرار والحفاظ على القدرة الشرائية". وأبرز الفقير، خلال اليوم الدراسي الذي عُقد تحت عنوان "مشروع قانون المالية لسنة 2019.. سؤال الانتظارات الاجتماعية"، أن الثقة مفقودة بين إدارة الضرائب والملزمين بأدائها، إذ تنتظر الخطأ لمعاقبة المواطن، داعيا إلى إعادة هيكلة النظام الإداري بصيغة فلسفية، أي الانتقال من الإدارة البيروقراطية إلى التعامل بطريقة بيداغوجية. وطالب المحلل الاقتصادي بإعادة النظر في الخريطة الضريبية، عبر حذف الضريبة المهنية التي ألغيت في بلدان عديدة؛ لأنها تقتل المبادرة لدى المستثمرين، إلى جانب تفعيل لجنة الاستشارة الضريبية، لافتا الانتباه إلى بعض النصوص التي تخرج عن سلطة البرلمان، وبالتالي يجب إعادتها إلى أحضان السلطة التشريعية التي من المفروض أن تضطلع بنظرة شمولية حول النظام الضريبي. من جهته، أوضح محمد بدير، خبير في الاقتصاد والمالية، أن القطاع الفلاحي لا يمكن أن يكون قاطرة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، معتبرا إياه مجرد رافعة فقط، مشددا على أن التشغيل يحتل الرتبة الأولى في الصناعة بخلاف القطاع الفلاحي، قائلا: "البعد الاجتماعي أكبر من قانون المالية؛ فالميزانية العمومية لا تواكب التنمية الاجتماعية، ذلك أن التعليم مرهون بمسألة الحكامة ولا يتعلق بالموارد المالية، فقد صنفت اليونسكو المغرب ضمن 21 أسوأ نظام تربوي بالعالم". وأكد الخبير المالي، الذي ألقى مداخلة حول تخطيط الميزانية العامة وإكراهات الحفاظ على التوازنات الماكرو اقتصادية، أن الصحة من المفترض أن تشكل عشرة في المائة من الميزانية العامة للدولة؛ بينما تشكل خمسة في المائة فقط بالمغرب، إلى جانب الخصاص في الأطباء الذي يقدر ب7000 طبيب. في المقابل، أشار مصطفى الجاي، خبير اقتصادي، إلى أن "قانون المالية مشروع محاسباتي وليس تنموي كما نص عليه الملك، إذ لا يحس المواطن بمردودية الاستثمارات بسبب غياب النجاعة في التسيير، والدليل على ذلك هو التدهور في جميع المؤشرات العالمية حول التنمية البشرية". بدوره، أوضح عبد الحفيظ أدمينو، أستاذ القانون العام بجامعة محمد الخامس، أن "الجانب التقني يهيمن على مشروع قانون المالية؛ الأمر الذي يقتل السياسة، بحيث اتخذت أشد الإصلاحات الهيكلية ليبرالية في عهد الحكومتين اللتين ترأسهما حزب العدالة والتنمية". وأردف الباحث الجامعي: "النظرة الشمولية غائبة في إعداد البرامج العمومية إثر انعدام التنسيق بين المتدخلين. كما أن مشروع قانون المالية يكرس واقع التفاوتات بين الجهات عبر توزيع الاستثمار، لأنه لا يمكن تحقيق التنمية دون استحضار البعد الترابي؛ لكن قرار صناعة الاستثمار بالجهات والجماعات الترابية مرتبط بممثلي الإدارة المركزية". أما محمد أشرورو، رئيس الفريق النيابي لحزب الأصالة والمعاصرة بمجلس النواب، فقد قال إن "العدالة الاجتماعية من المفروض أن تكون العنوان الكبير لمشروع قانون المالية، والتي لا تعني التوزيع العادل للثروات فقط، بل حماية كرامة المواطن أيضا". وأوضح أشرورو أن "الحزب أطلق نحو عشرين مبادرة عملية مستعجلة، تأتي تفاعلا مع الخطاب الملكي ل30 يوليوز؛ من بينها مقترح قانون لإعادة هيكلة القطب الاجتماعي والتنسيق مع بعض الأحزاب فيما يخص الدعم والحماية الاجتماعي، ثم اقتراح مشروع خارطة الطريق على المدى القصير 2018-2020". من جهته، تحدث عزيز بنعزوز، رئيس فريق "الجرار" بمجلس المستشارين، عن خصوصية مشروع قانون المالية بقوله: "أكيد أن الأسئلة المطروحة هذه السنة كبيرة وقد أَجلت لسنة كاملة، بحيث دخلنا في مرحلة إرساء النموذج التنموي الجديد، بعدما أقرّ الجميع بإلزامية مراجعة النموذج الحالي، لا سيما بعد الخطاب الملكي السامي". ودعا بنعزوز، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، الحكومة "إلى تشجيع الإنتاج عوض الاستهلاك، من خلال خلق شروط التنافسية بالنسبة إلى المقاولة، فضلا عن تحسين مناخ الاستثمار الداخلي والخارجي، وكذلك الاستثمار في القطاعات المنتجة ذات القيمة المضافة المرتفعة"، مؤكدا أن قوانين المالية السابقة يطبعها الارتباك وتشجع على الطلب (الاستهلاك)، متوقعا ألا يراعي المشروع الذي أعدته الحكومة العدالة الاجتماعية والمجالية.