إن الدعوة التي أطلقها هورست كوهلر، المبعوث الشخصي للأمين العام أنطونيو جوتيريس، إلى كل الأطراف (المغرب والبوليساريو والجزائروموريتانيا) من مشاورات حول شكليات المفاوضات وتراتبية جوهرها، لا يمكن اعتبارها ووصفها بعثا للمفاوضات المباشرة، بل مجرد محاولة وتحضير، واستعداد، وتمرين لذلك، بدليل وبحث لكيفية الارتقاء لجعلها ناجعة، وذات أثر سياسي، للإعلان المسبق عن طبيعة هذه المباحثات المنصبة على مستوى الشكل. والدليل في ذلك هو إعطاء الأطراف مهلة وميسرة لإعلان ردها على الدعوة، وانتظار آرائهم وطلباتهم ومقترحاتهم وتظلماتهم كمرحلة تمهيدية، وهو إقرار واعتراف من المبعوث الشخصي للأمين العام بعدم حصول، ولا اقتناع ولا استجماع شروط انطلاقها، وبأن الشك ما زال يساوره، فاعتمد عنوة تشهير الخطوة والإجراء لنقل الضغط على المغرب بالخصوص. اعتبارا لكون المغرب طالب تمكينه من توضيحات بشروط استئناف المفاوضات على مستوى البدايات والنهايات، ولإعادة تعريف دور الجزائر كطرف أساسي، ولكون البوليساريو عبرت مرارا عن طلبها وقبولها لاستئناف المفاوضات المباشرة، وهو ما أكده مكتب أمانتها الوطنية في 3 أكتوبر، من أجل غاية القول بشرعية البوليساريو في صفتها التمثيلية، التي حام حولها الشك والاستفهام وتنافسها أطراف أخرى من داخل الاقليم في المغرب. فانطلاق الأخيرة بحاجة إلى عمل شاق لتوفير شروطها، فواقع الحال، والمعادلات التي بموجبها تم تعليقها وتوقفها سنة 2012، سواء في طبيعة الموضوع الذي توقفت عنده "الموارد الطبيعية"؟ وسبب توقفها، ومعاينة أو إحاطة مجلس الأمن حول مآل قيام البوليساريو بإجراء تغيير في الوضع القائم في أكركار والمنطقة العازلة، والجزاء الذي سيرتبه على ذلك، إن لم تكن جلسة 11 أكتوبر ذات موضوع المشاورات حول المينورسو ستنصب على ذلك، وضرورة قيام مجلس الأمن إعادة التأكيد على وصفه لواجبات الأطراف والتزاماتهم التعاقدية مع الأممالمتحدة ببقاء المنطقة العازلة على حالها الأول إلى حين تمام وإنهاء العملية السياسية. وإن توضيح هذه المشاكل العارضة والصعوبات القانونية والاستشكالات الواقعية والمعلقة فعلا للمفاوضات هو في حد ذاته نموذج مصغر للأزمة الكبيرة للنزاع برمته، وإن نجاح كوهلر في تذليلها والسيطرة عليها بحل يرضي كل الأطراف يحتاج إلى وقت طويل لمعاينة إرجاع الحالة إلى ما كانت عليه أولا، وإقناع الأطراف بجدوى المفاوضات ثانيا، وتحديد مداها ومواضيعها ثالثا، ومسؤوليات باقي الأطراف رابعا. وكل ذلك يحتاج إلى بناء الثقة، وترميمها ووضعها، وهي متصدعة ومفقودة؛ فالثقة مطلوب بناؤها وإرساؤها بين كل الأطراف. كما أن حسن النية مطلوب أيضا في الجميع وتشمل الموصوفين حاليا بالملاحظين الجزائر بالأساس وموريتانيا في المرتبة الثانية، وإعادة تعريف لواجب الانخراط الأكبر الذي أطلقه مجلس الأمن وأوصى به الأمين العام، ووصفة بدقة لحدود مسؤولياتهم، ناهيكم عن دور ومسؤولية الدول أصدقاء الصحراء، وخاصة إسبانيا؛ فهؤلاء مسؤولون مباشرة أو بطريقة غير مباشرة عن مآل الوضع وتعقيدات الحل، مثلما هم معنيون بالنزاع وبتبعاته على أمن واستقرار المنطقة. كما أن الخيار الجديد، في نهج وشخص إدارة وتدبير المفاوضات، مطلوب منه أن يكون منتج سياسيا في القضية، والشخص المدير لها مجيد ماهر في إدارة الفعل لتحقيق هذا الأثر. وأعتقد أن إطلاق هورست كوهلر للدعوة إلى التشاور في شكل المفاوضات هو فعل متسرع، وتحكمه خلفية تصدير الضغط عن نفسه، ونقله إلى الأطراف أولا، وجعل موعدي 29 و31 أكتوبر المتعلق بتقرير الأمين العام حول الحالة في الصحراء، والتمديد لولاية المينورسو مرتبطان بهذا الموضوع، فالمناخ والجو العام للمفاوضات منعدم بالنظر إلى الأولويات الداخلية لكل الأطراف، والاستحقاقات الانتخابية لدول الجوار في الجزائر كما في موريتانيا، وكذا في أمريكا وفرنسا باعتبارهما قوتين معنيتين أكثر من غيرهما في مجلس الأمن. فالعبرة ليست في تسجيل الإجراء بل في الأثر والبصمة التي سيتركها في الأطراف وفي المسار والنتيجة السياسية؛ فالمطلوب من هورست كوهلر، كمبعوث شخصي للأمين العام الجديد، أن يشرح للأطراف معنى المفاوضات الموصوفة بطابع الديناميكية والمكثفة، وبالواقعية في السلوك، وفي الحل والهدف والنتيجة! وذلك بإطلاعهم على المراد من الديناميكية، ومغزى الكثافة، وتوضيح معنى الواقعية في السلوك والحل، وإقناعهم بجدوى استئناف عملية سياسية تؤدي إلى حل سياسي مقبول من طرفهم، وهو التزام وضعه له مجلس الأمن في الفرع الأول من الفقرة 11 من القرار 2351 بعبارة: "... يقدم مسارا واضحا للمضي قدما...". وقبله وبالأولوية، تذليل أسباب توقف المفاوضات بتحديد مداها بدقة، والرد على الوضع المتغير في الكركارات بتقديم إحاطة لمجلس الأمن بذلك، وتوقيع الأخير للجزاء، وتحديده المسؤولية الجماعية للجوار المغربي في النزاع وفي بعض أسباب الحل، ويظهر من ربط الدعوة بالرد قبل 20 أكتوبر أن المبعوث الشخصي لم يتسن له حصول كل ذلك، وهو مدفوع وتحت الضغط من أجل توجيه الدعوة. *محام بمكناس وخبير في القانون الدولي- الهجرة ونزاع الصحراء.