شيئا فشيئاً، بدتِ الغيُوم التي تلبِّدُ سماء علاقات الرباط ونواكشُوط مقبلةً على التبدّد، بعد الزيارة الرسمية التي قامت بها خارجية نواكشوط إلى الرباط، حيث أكدت الحكومة الموريتانية أن العلاقات المغربية الموريتانية "علاقات أخوية وحميمة، ويُنتظر دائما أن تتطور إلى الأفضل". وكان إسماعيل ولد الشيخ أحمد، وزير الخارجية الموريتاني، عقد سلسلة من المباحثات مع المسؤولين المغاربة في العاصمة الرباط، خلال زيارة تعد الأولى له من نوعها، جاءت بعد عودة الدفء إلى العلاقات المغربية الموريتانية إثر تبادل السفراء بين البلدين. ويراهنُ المغرب على القيادة الحاكمة في نواكشوط للعب دور في ملف الصحراء؛ خاصة مع اقتراب المسلسل التفاوضي الذي تراعاه الأممالمتحدة بين المغرب والجبهة، من أجل إيجاد حل سياسي ينهي النزاع الإقليمي حول الصحراء. ويرى مراقبُون أنَّ انعطاف توجه موريتانيَا خارجيًّا إلى الجزائر، في السنوات الأخيرة، مع الرئيس محمد ولد عبد العزيز، كان له تداعيات سلبية على ملف الصحراء. كما أسهمَ في وضع مزيد من الحصى في حذاء الدبلوماسية المغربية، التي تراهنُ، اليوم، على الجارة الجنوبية، كطرف أساسي في مبادرات المبعوث الأممي الألماني هورست كولر. لا بديل عن الحياد ديدي ولد السالك، كاتب ومحلل سياسي موريتاني، يرى أن الموقف الموريتاني ولو أنه يتغيّر بحسبِ أهواءِ السياقات الإقليمية والتوازنات الجهوية فإنه يبقى مهماً لحلحلة الوضع الصعب في الصحراء؛ وبالتالي، فإنَّه يظلُّ رهينَ مبدأ "الحياد الإيجابي"، لأن اصطفافهُ إلى جانب محور دون آخر من شأنه أن يعمّق أكثر حجم الخلافات". وشدد مدير المركز المغاربي للدراسات الإستراتيجية، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، على أن "موريتانيا تعي جيداً متطلبات التوازن الجهوي، وتحرص أيما حرص على أن تبقى بمعزل عن أي تموقع ضيق، لا سيما في الوقت الراهن حيث إن العلاقات المغربية الموريتانية تتحسن وهناك نقاط عمل مشتركة بعد زيارة وزير الخارجية إلى الرباط". وحول الدور الذي يُمكن أن تلعبه الجارة الجنوبية في تقريب وجهات النظر بين المغرب والجزائر في قضية الصحراء، لفت أستاذ العلوم السياسية في جامعة نواكشوط إلى أن "نواكشوط تُتابع عن كثب قضية الصحراء وتدعم جهود الأممالمتحدة لإيجاد تسوية ترضي الأطراف المعنية وتسهم في ترسيخ الاندماج والتكامل الاقتصادي لدول اتحاد المغرب العربي". ويلفت الخبير الموريتاني إلى أن "موقف موريتانيا كان دائماً مهماً لصيانة التوازن في المنطقة، وتفادي مساندة طرف دون آخر"، مستبعداً وصول طرفي النزاع إلى حل توافقي دون أن تكون هناك إرادة دولية تقودها فرنسا وأمريكا أو إسبانيا، لحلحلة الوضع في الصحراء. ويبرز الأستاذ الجامعي أن "موريتانيا تتمتع بثقة غالبية الفرقاء المتنازعين، وحضورها في مفاوضات الصحراء يمكن أن يجعل منها عنصرا يلجأ إليه للتشاور وعنصرا قد يسعى إلى تقريب وجهات نظر بين الرباطوالجزائر". الحل في قصر "مرداية" وفي سياق متصل، أورد محمد الأمين ولد الكتاب، دبلوماسي سابق مثقف موريتاني، أن "العلاقات المغربية الموريتانية كان دائما محط سجال بين الدولتين، وهو ما كان يجعلها بعيدة عن ملف الصحراء وتشعباته"، متوقفاً عند دعوة هورست كولر، المبعوث الأممي في الصحراء، الأطراف المعنية بالنزاع"، وقال إن "الأمر يتعلق بصراع بين دولتين كبيرتين، إذ لم يتدخل طرف دولي غير الأممالمتحدة فإن النزاع سيمتد آجاله لسنوات أخرى". عضو نادي نواكشوط الدبلوماسي يزيد، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن "الأممالمتحدة فشلت في إيجاد حل لهذا الملف الذي هو امتداد لأخطاء ارتكبت على مسار أربعين سنة ماضية، إذ لا يمكن لحوارات شكلية أن تحل المشكل في عمقه"، معتبراً أن "الحل يكمن في قصر مرداية والتغييرات المحتملة في المشهد الجزائري".