وجه الهجوم على العرض العسكري في إيران ضربة لصورة الحرس الثوري، غير أن قوة النخبة تلك بوسعها الاستفادة من الهجوم، مستغلة التعاطف الشعبي لتعزيز وضعها على حساب الرئيس حسن روحاني. كان 12 من أفراد الحرس ضمن 25 شخصا قتلوا في هجوم 22 من شتنبر الذي فتح خلاله مسلحون النار على منصة بينما كان المسؤولون العسكريون يتابعون المراسم في مدينة الأهواز، في ذكرى بدء الحرب الإيرانيةالعراقية التي دارت رحاها في الفترة من 1980-1988. وكشف الهجوم مواطن ضعف في الحرس الثوري القائم على حماية حكم رجال الدين منذ الثورة الإسلامية عام 1979، والذي كان يسعى إلى تصوير نفسه على أنه لا يقهر. غير أن ردود الفعل الأولية من عموم الإيرانيين كانت متعاطفة إلى حد بعيد، إذ عبر الكثيرون على مواقع التواصل الاجتماعي عن دعمهم لقوات الأمن. وقال علي واعظ، مدير مشروع إيران في مجموعة الأزمات الدولية: "حقيقة وقوع الهجوم في ذكرى غزو العراقلإيران ستثير على الأرجح رد فعل قوميا قويا بين الإيرانيين". وفقدت إيران مئات الآلاف من الجنود في الحرب. وانتشرت على نطاق واسع صور جنود يحمون النساء والأطفال بأجسادهم أو يحملونهم بعيدا عن الموقع، بينما نشرت أكثر من 20 صحيفة صورة على صفحاتها الرئيسية لأحد أفراد القوات الخاصة وهو يحمل رضيعا ويمسك في الوقت نفسه بندقية كلاشنيكوف. وكتب في "تغريدة" على "تويتر"، تحاكي آلاف التغريدات المشابهة: "انظروا كيف يساعد عضو في الحرس الثوري طفلا دون خوف. تحية لشجاعتك!". لكن عددا قليلا من الإيرانيين نشروا صورا لقمع الاحتجاجات عام 2009، عندما فتح الحرس الثوري النار على المدنيين وطاردهم في الشوارع. وكان رد الفعل الشعبي مشابها لما حدث العام الماضي، بعدما هاجم تنظيم الدولة الإسلامية البرلمان وضريح آية الله روح الله الخميني، مؤسس الثورة الإسلامية، في هجمات أودت بحياة 18 شخصا. روحاني قد يكون الخاسر ربما يكون هجوم الأهواز انتكاسة أكبر لروحاني، الزعيم البراغماتي الذي ضعف موقفه بشدة في إيران بانسحاب الولاياتالمتحدة من الاتفاق النووي مع القوى العالمية، والذي أبرمه في وقت عارضه الحرس الثوري ومتشددون آخرون. وقال علي أنصاري، مدير معهد الدراسات الإيرانية في جامعة سانت أندروز: "سيلقي الحرس باللوم على روحاني لموقفه المتراخي ويعزز أجندته داخل البلاد"، وأضاف: "روحاني بطة عرجاء..لقد فقد من فترة طويلة القدرة على تحدي الحرس..فقد ذلك (بالاتفاق النووي) وقد هاجموه بشدة. هذه هي الهدية التي قدمها (الرئيس الأمريكي دونالد) ترامب للحرس، المزيد من الذخيرة". غير أن الهجوم يمثل انتهاكا أمنيا مثيرا للقلق بالنسبة للحرس الذي يتحكم في نهج إيران تجاه جيرانها، ويسيطر على أعمال تجارية بمليارات الدولارات. وأعلنت حركة انفصالية عربية في إيران، تدعى منظمة المقاومة الوطنية الأحوازية، وكذلك تنظيم الدولة الإسلامية، المسؤولية عن الهجوم رغم عدم تقديم أدلة على تلك المزاعم. وقال الزعيم الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي إن السعودية والإمارات مولتا المسلحين الخمسة الذين نفذوا الهجوم، وتوعد بأن إيران "ستعاقب بشدة" من يقفون وراءه. ورفضت السعودية والإمارات اتهامات خامنئي. وتشير السوابق إلى أن الحرس سيرد بقمع المعارضة، وهو نهج يحذر نشطاء سياسيون من أنه قد يؤجج العنف في جنوب غرب البلاد، حيث وقع الهجوم، وحيث اندلعت اشتباكات بسبب مظالم قائمة منذ فترة طويلة. ولصرف الانتباه بعيدا عن إيران ربما يوجه الحرس ضربة في الخارج، وهو أسلوب استخدمه من قبل؛ ففي الثامن من شتنبر أطلق سبعة صواريخ على جماعة كردية معارضة في شمال العراق، ما أسفر عن مقتل 15 شخصا. وأعدمت السلطات القضائية ثلاثة معارضين أكراد بعد ذلك بساعات. كان المقصود توجيه رسالة إلى أكراد إيران بعد اشتباكات دارت في الآونة الأخيرة بين مسلحين وقوات الأمن؛ ويمكن اعتبار ذلك نموذجا لرد الجمهورية الإسلامية المحتمل على هجوم العرض العسكري.خصومات إقليمية وعلاقات إيران متوترة مع الأقليات لديها، بمن فيهم الأكراد والعرب والأذريون والبلوخ، حيث تتهمهم بالانحياز إلى دول مجاورة وليس إلى طهران. ويقول محللون ونشطاء وجماعات معارضة إن الهجوم الصاروخي الذي استهدف الجماعة الكردية المعارضة كان أيضا تحذيرا للسعودية وإسرائيل والولاياتالمتحدة، خصوم إيران. وتخوض السعودية وإيران صراعا من أجل النفوذ عبر الشرق الأوسط، وتؤيدان أطرافا متناحرة في الصراعات الدائرة في سوريا واليمن وجماعات سياسية متنافسة في العراق ولبنان. وقال ضابط في المخابرات العسكرية العراقية طلب عدم كشف اسمه بسبب حساسية القضية إن من المحتمل أيضا أن تكون خلية تابعة لتنظيم الدولة الإسلامية هي التي نفذت هجوم العرض العسكري. وأضاف الضابط الذي شارك في استجواب معتقلين من الدولة الإسلامية أنه بعد هزائم عسكرية في الآونة الأخيرة في العراق، عبر بعض قادة التنظيم الحدود الجبلية إلى إيران، متجهين إلى أفغانستان وباكستان. وربما ساعد هؤلاء في تشكيل وتدريب مجموعات صغيرة لشن هجمات. وقال الضابط إن الدولة الإسلامية "تمكنت من تنفيذ هجمات إرهابية في الغرب من خلال عناصرها الذين يتصرفون من تلقاء أنفسهم، وشن مثل تلك الهجمات داخل إيران سيكون أسهل بكثير بالاستفادة من المشاعر (المناهضة للحكومة)". وفي الوقت الحالي، يشدد الحرس الثوري قبضته في الداخل. ويقول نشطاء في الدفاع عن حقوق الإنسان إن الحرس اعتقل مئات من النشطاء السنّة، وأعضاء جماعات انفصالية عربية أعلنت المسؤولية عن هجمات سابقة على خطوط أنابيب النفط. وينفي يعقوب التستري، المتحدث باسم إحدى جماعتين تطلقان على نفسيهما اسم "حركة النضال العربي لتحرير الأحواز"، أي صلة بدول الخليج العربية. وقال التستري لرويترز عبر تطبيق واتساب: "يمكنني أن أقول لكم إن حمل واستخدام البندقية أمر شائع بين شعب عرب الأهواز"، وأضاف: "بعد القمع الوحشي للحركات المدنية، إذا قررت أمتنا اللجوء إلى السلاح فبوسعها توجيه ضربات أشد بكثير من هذا". *رويترز