إذا كان البترول المغربي، واقعا ميدانيا، وحقيقة ملموسة، ويتم إنتاجه، فأين هو؟ أين هذا البترول؟ لقد كذبت علينا حكوماتنا كثيرا.. ومن يكذبون علينا اليوم، لن نصدقهم غدا.. الكذب طالما كان عملة يومية لنخبنا السياسية والاقتصادية.. وهذه حقيقة مرة.. يقال: المغرب يستورد %90 من حاجياته الطاقية.. وسوف يتمكن من تغطية كل احتياجاته.. فأين هي الحقيقة في ما يقال؟ وعلى العموم، هي أقاويل في أقاويل.. ووحدها الشركات الغربية تعلن أنها اكتشفت النفط في المغرب.. وحدها هي المصدر.. - ولا تؤكدها أخبار رسمية.. لا تؤكدها ولا تنفيها.. فهل نحن بلد نفطي؟ ولنفرض أننا جاثمون - حسب ما يتردد - على بحيرات من الغاز والنفط والبترول وغير هذه من التصنيفات الطاقية، هل هذه معلومة صحيحة؟ مؤكدة، لا جدال فيها؟ - هذا لا يقنع ولا يغري.. لماذا؟ لأن النفط لا يعني في حد ذاته ثروة.. كثير من الدول، بما فيها المغاربية والعربية، تحول ثراؤها النفطي إلى وبال: صراعات دينية، مذهبية، حروب إيديولوجية، فساد في فساد... - في فساد! وما دام في البلد فساد، فلا ننتظر أن تنعكس أية ثروة على حياة المواطن.. وهذا حالنا.. هذا حاصل عندنا من زمان: الفوسفاط أين يذهب؟ الذهب أين؟ والمعادن الأخرى؟ وثروات كثيرة في البر والبحر، أين هي؟ وبصراحة: النفط قد ينزلق بنا إلى ما وقع لغيرنا، ما دام فسادنا هو نفس فساد غيرنا، وربما أفظع وأشنع.. وما دام الفساد معششا بين ظهرانينا، على مختلف المستويات، ومنها الإدارات بلا استثناء، فلا خير في أية ثروة.. الثروة الفاسدة هي ثروة مسمومة.. إن السماء قد وهبتنا أنواعا من الثروات، منها ثروات الطقس المعتدل، والأمطار، والثلوج، والجبال، والسفوح، والوديان، والبحران، وخيرات الأرض، وما تحت وفوق الأرض.. ومع ذلك، ورغم هذه الخيرات، ما زلنا من أفقر دول العالم.. وعندنا بضعة آلاف من مغاربة أثرياء العالم، يستنزفون البلد، عن طريق سياسة الريع، والاحتكار، والرشوة، والتبعية للخارج، والتواطؤ مع عصابات الداخل، والمعاداة المكشوفة لفقراء البلد.. واغتيال الطبقة المتوسطة! - ولا عدالة.. ولا تعليم.. ولا حسن تدبير... والفساد هو سيد الموقف.. ولا اعتماد على النفط وغير النفط، ما دام الفساد هو الحاسم.. - وليست المرة الأولى يقال لنا فيها إن المغرب يسبح على بحيرات بترول! والبترول ليس وحده ثروة.. الثروة الحقيقية لا ينتجها إلا السلوك النزيه، والمراقبة القضائية الجادة، ودولة المؤسسات، والعدالة الاجتماعية، وفوق كل هذه تعليم حقيقي، لا شبه تعليم، ولا شعارات البترول، والغاز، وغيرها! بيد أن السلوك عندنا سيئ إلى أبعد حدود.. حتى الضرائب لا يؤديها، لصندوق الدولة، كبار المسؤولين، والشركات الكبرى.. الضرائب يؤديها المستخدمون الفقراء.. والفساد محسوب في البلاد بالطول والعرض، وبالطريقة العمودية والأفقية.. وهذا وبال على الوطن والمواطن! والثروة موجودة بوفرة.. وبلدنا غني وليس فقيرا.. ولكن هل كل ما يقال لنا صحيح؟ أين هو النفط في "تالسينت"؟! هل "تالسينت" حقيقة أم خيال؟ وهل كانت أخبار "الصخور النفطية"، لمنطقة تيمحضيت، غير هادفة؟ هل كانت أخبارا تهدف لإيهام الناس بثروة خيالية؟ أين هذه الثروة "التالسينتية"؟ نحن لم نرها منعكسة في حياتنا اليومية.. وإذا كانت موجودة، بطريقة أو أخرى، فهي ذاهبة إلى طبقة ثرية، لا إلى كل المجتمع.. هي ثروة تسببت وتتسبب في تفقير الفقراء.. وما زال مسؤولونا، إلى الآن، يكررون نفس ما قيل من أن "المغرب يتوفر على أكبر احتياطي من الصخور النفطية في العالم".. ومرة أخرى، ويا ترى هل هذا صحيح؟ وما الدليل؟ وكل دليل يجب أن يكون فعلا، لا قولا.. وأين وصلت عينات الصخور النفطية؟ وأين خاطة الحقول النفطية في المغرب؟ إن ما هو موجود إلى الآن من المعلومات المتداولة، هو فقط كلام في كلام.. قيل إن في بلدنا من الصخور النفطية ما يمكننا من "إنتاج 50 مليار برميل من النفط".. هل هذا صحيح؟ هل عندنا نفط فعلي بهذه الكثافة؟ أم تراه مجرد كلام تنويمي؟ وأين هو بترول "تالسينت"؟ ألم تقدم له منابر الإعلام إشهارات، وتغطيات، وحوارات، وتحليلات، وتطبيلات، وتزميرات، من "النخبة السياسية"؟ وأين هي باقي أخبار الاكتشافات البترولية، الغازية، النفطية، في طول البلاد وعرضها؟ - لا نريد إشهارات! نريد واقعا ملموسا! لا نتحمس لأخبار البترول، ننتظر منكم - يا مسؤولينا - تحويل مداخيل البلاد إلى الحياة اليومية للمواطنين.. أما سياستكم التضليلية، فنحن قد ألفناها، ومللناها.. منذ الاستقلال، ونحن تحت غطاء إعلامي كاذب.. يمارس الأخبار التسويفية.. أخبار بعيدة عن الواقع.. وأخبار موارد مالية تذهب إلى غيرنا.. أما التبشير بقرب تصدير "الغاز الطبيعي" إلى أوربا، فهذا مردود إليكم.. لا نقبل أخبارا غير مؤكدة عن البترول.. نريد البترول نفسه.. بل مداخيل البترول.. المداخيل هي الأهم.. الواقع، لا الإيهام، ولا الخيال.. - كفى من الكذب! لا نثق فيكم، يا طبالي الحكومة! منذ عقود وأنتم تكذبون.. ونحن نبلع أكاذيبكم.. والأكاذيب لم تعد تجدي.. إنكم قد فقدتم ثقتنا.. ولا ثقة في تسويفات الحكومة، ووعود الحكومة، وتدجيلات الأحزاب، وتطبيلات البرلمان، والجماعات، وعصابات "المال والأعمال".. - أفسدتم بلادنا، يا نخب السياسة والاقتصاد! واكتسبنا منكم مناعة.. حولتم بلدنا إلى تخلف، على كل المستويات.. والحكومة لا تجنح إلا للتقشف، لإرضاء الأبناك الدولية.. وهذه لا يهمها إلا التحكم في مستويات مديونيتنا.. وقد قيل سابقا: "المغرب كان أغنى خمس مرات من الصين عام 1980".. - فأين نحن اليوم من السقف العالمي؟ إننا في مؤخرة العالم! وشركة بريطانية أدخلوها على الخط لكي تقول لنا إنها "تتوقع 34 تريليون قدم مكعب من الغاز في المغرب".. وكلام غازي كثير.. ومنهم من يحسب النفط المغربي بالقدم المكعب، ومن يحسبه بالأمتار المكعبة.. وتتعدد التصريحات، في الداخل والخارج.. ومعها تتعدد لغات الإيهام.. ولم نعد نبتلع صنارات الشركات، وخبراء الحكومة.. اليوم يجزمون أن بلدنا قد دخل نادي البترول العالمي، وغدا يأتي الواقع ليفند الأقاويل، تماما كما فعلوا مع "تالسينت وتيمحضيت وغيرهما".. لماذا تكذب الحكومات في المغرب؟ وإذا لم تكن تكذب، فأين هي ثروات البلد؟ وكيف نصدق الشركات الأجنبية التي تردد أن المغرب مؤهل لأن يكون من البلدان المصدرة للغاز؟ وكيف نصدق أن الحديث عن مخزون النفط، والغاز، والصيد البحري، يسيل له لعاب الدول الكبرى المستثمرة؟ وبإيجاز: هل البترول حقيقة؟ أم خرافة؟ - هل البترول لعبة سياسية؟! [email protected]