استيقظ المزارع الإثيوبي شيبورو كوتويو (45 عاما) ذات إحدى ليالي شهر يونيو على صوت أعيرة نارية وطلب من زوجته وأبنائه السبعة الفرار. وعندما عادت الأسرة فيما بعد وجدت أن منزلها المصنوع من الطين قد أٌحرق ولم تجد أثر لشيبورو مزارع الذرة والبن. وبعد 11 يوما، عثر مزارعون على جثة شيبورو معلقة في شجرة وأطرافه المقطوعة متناثرة على الأرض. وقال مولوجيتا صامويل صهر شيبورو لرويترز من أحد عشرات المخيمات التي تقع في جنوب إثيوبيا وتؤوي أناسا فروا من العنف بين جماعتي أورومو وجيديو العرقيتين "قتله شبان من الأورومو بأبشع طريقة ممكنة". وشرد تصاعد أعمال العنف العرقية، التي أحيانا ما تكون في شكل هجمات الغوغاء، نحو مليون شخص خلال الشهور الأربعة المنصرمة في جنوب إثيوبيا كما تؤجج المشاعر السيئة بين جماعات عرقية في مناطق أخرى. ويهدد العنف بتقويض دعوات رئيس الوزراء أبي أحمد للوحدة في إحدى أكثر دول أفريقيا تنوعا من الناحية العرقية. كما يلقي بظلاله أيضا على إجراءات متحررة تحظى بالشعبية أعلنها رئيس الوزراء منذ وصوله إلى السلطة في أبريل نيسان. وقال مراقبون إن شبانا من جماعة أورومو العرقية التي ينتمي لها أبي أحمد تشجعوا بوصوله للسلطة ويهاجمون جماعات أخرى للثأر بعد سنوات من التهميش. وقال أسناكي كيفالي الأستاذ المساعد في الشؤون السياسية بجامعة أديس أبابا إن أجهزة الأمن الإثيوبية في حالة تحول منذ أعلن أبي خططا إصلاحية مضيفا "استغل بعض الأفراد هذا الوضع". وقال سوري دينكا المتحدث باسم مفوضية الشرطة في منطقة أوروميا يوم الخميس إن السلطات تتخذ إجراءات ضد أفراد يشتبه في ارتكابهم جرائم بدافع عرقي. وأشار إلى ما يطلق عليه اسم "كيرو" وهو تعبير يستخدم في وصف شبان من الأورومو شاركوا في حركة احتجاجية خلال السنوات الثلاث المنصرمة انتهت باستقالة رئيس الوزراء السابق هايلي مريم ديسالين. وما زال بعض الفارين من منازلهم يشعرون أن الحكومة الاتحادية والسلطات المحلية فشلت في وقف العنف ضدهم. ونجت تيهون نيجاتو من هجوم على قريتها في يونيو حزيران. وفرت هي وطفلاها ويعيشون في مدرسة تحولت إلى مأوى ويرتدون الملابس نفسها التي فروا بها. وقالت "الحكومة غير راغبة في مثولهم أمام العدالة" في إشارة إلى شبان الأورومو الذين أخرجوا سكان منطقتها من مزارعهم وأحرقوا منزلها وحانة كانت تديرها. وتنفي الحكومة أنها تغض الطرف. وقال ميتيكو كاسا مدير الإدارة الاتحادية لمكافحة الكوارث إنه تم تشكيل لجنة من الوزراء والمسؤولين الإقليميين للإشراف على جهود إعادة الإعمار والمصالحة. وقال لرويترز إنه تم القبض على نحو 400 شخص في أوروميا للاشتباه في تحريضهم على العنف بين جماعتي أورومو وجيديو. وقال "مثل هذه الحوادث في غاية الخطورة على البلاد إذ يمكن أن تنتشر". وحثت الحكومة مشايخ الجماعتين على السعي للتصالح وتُعقد اجتماعات بشكل منتظم غير أنها لم توقف العنف. وقال مسؤولون في المخيمات التي زارتها رويترز الأسبوع الماضي إن نحو خمسة أطفال يموتون يوميا بسبب المرض والجوع. وأثارت مساعي إعادة النازحين إلى مناطقهم السكنية احتجاجات هذا الشهر من أناس قالوا إن سلامتهم غير مضمونة. * تغييرات ومن بين أجرأ الخطوات التي اتخذها أبي أحمد تخفيف قبضة الدولة التي كانت تحكم من قبل بيد من حديد. وقال إنه ينبغي كبح قوات الأمن كما تم رفع حكم الطوارئ والإفراج عن آلاف السجناء السياسيين. واستفاد أبي (42 عاما) من موجة الاضطرابات المناهضة للحكومة التي بدأت في منطقة أوروميا مسقط رأسه. وعينته الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية الإثيوبية الحاكمة في إطار سعيها لتهدئة التوترات العرقية وخطب ود الشبان الساخطين. ولكن التغيرات الكاسحة رفعت الغطاء عن صراعات تاريخية على الأراضي والموارد والسلطة المحلية وأيضا عن الانقسامات العرقية الكامنة. وتقول جماعة جيديو التي تعيش منذ وقت طويل كأقلية في أوروميا الحديثة إنها تعرضت في السابق لأعمال عنف من قبل الأورومو لكن الهجمات الأسوأ بدأت بعد يوم من تولي أبي السلطة. ومنذ ذلك الوقت يقوم أبي بجولات مكثفة في إثيوبيا لكنه لم يزر المناطق التي تتقاتل فيها جماعتا أورومو وجيديو. ويقول إن قوى غير محددة "هدفها تقويض السلام والوحدة" هي المسؤولة عن العنف. إلا أن منتقدين يقولون إنه تفادى التعامل مع القضية بشكل مباشر خشية تنفير قاعدته من الأورومو. وكتبت جماعة من الجيديو في الشتات خطابا مفتوحا لأبي في الآونة الأخيرة جاء فيه "من الصعب على الناس الوثوق بخطابك ما لم تسع جاهدا وعمليا لإحلال سلام دائم لكل الإثيوبيين بغض النظر عن خلفياتهم العرقية أو الدينية". وأقر أبي في بيان الأسبوع الماضي بوجود طبيعة غوغائية لبعض أعمال العنف قائلا "جلبت التغييرات... عدالة الغوغاء التي أججها تقويض قطاعات من الشبان في بعض المناطق لسيادة القانون". ويحظى رئيس الوزراء الذي حصل على درجة الدكتوراه في حل الصراعات بشعبية واسعة النطاق منذ توليه المنصب. وتنتشر ملصقات لوجهه على العديد من السيارات في العاصمة أديس أبابا وغيرها من مدن إثيوبيا. وقال دبلوماسي غربي في أديس أبابا "لن يلقي حجرا في مثل هذه المياه" في إشارة إلى رد الفعل الإيجابي الذي قوبل به أبي منذ وصوله إلى السلطة بعد ثلاث سنوات من احتجاجات الشوارع التي شهدت مقتل المئات على يد قوات الأمن. وأضاف "لكنه يجازف بمزيد من زعزعة الاستقرار ما لم يطبق القانون". * مخاطر والعنف في الجنوب أحد النزاعات العرقية في البلاد. فلا يزال عشرات الآلاف مشردين على الحدود بين أوروميا والمنطقة الصومالية. ويتهم الأورومو قوة أمنية محلية في المنطقة الصومالية بارتكاب فظائع. ونهب الغوغاء هذا الشهر ممتلكات لأقليات في مدينة جيجيقا عاصمة المنطقة الصومالية. وقالت الحكومة الاتحادية إن مسؤولين إقليميين على خلاف مع السلطات في أديس أبابا يؤججون الاضطرابات. وتشير حوادث أخرى، وإن كانت فردية، إلى مخاطر انتقام الغوغاء. وأعدم الغوغاء هذا الشهر رجلا دون محاكمة وتركوا جثته تتدلى مقلوبة في ميدان عام ببلدة شاشميني في أوروميا بعد الظن أنه يحمل قنبلة. وقال شهود عيان إن الشرطة لم تحرك ساكنا. وقتل أفراد من جماعة سيداما العرقية رجالا من جماعة ولايتا العرقية المنافسة حرقا في مدينة هواسا الجنوبية في يونيو حزيران. وذكر شهود أجرت رويترز مقابلات معهم أن الهجوم وقع في إطار مسعى للسيداما لإقامة منطقة خاصة بهم. ويثير العنف تساؤلات حول هيكل الدولة وهي جمهورية اتحادية أعيد رسم الحدود الإقليمية فيها على أسس عرقية في عام 1994. وتولت الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية الإثيوبية السلطة بعد حرب ميليشيات دامت طويلا وقالت إن هذا الهيكل سيمكن الجماعات العرقية المهمشة بعد قرون من هيمنة الأمهريين. لكن منتقدين يرون أنه قوض الوحدة الوطنية. وقال ليدتو أيالو وهو سياسي إثيوبي معارض "تؤكد الطبيعة العرقية لسياستنا على الاختلافات بيننا منذ 27 عاما. علينا إيجاد سبيل للابتعاد عن هذا إذا أردنا أن يبقى هذا البلد سليما". *رويترز