- ولن نكون قطيعا، رغم أنف "النخبة السياسية"! طريقنا يختلف عن طريقها.. نحن في طريق التحرر والانفتاح والعمل الجاد.. ونخبتنا السياسية لا تريدنا بشخصية ناضجة.. فاعلة.. حرة.. باحثة.. ذات حلول.. وبدائل.. لا تريدنا أن نقول (لا) عندما يجب أن نقول: لا.. و(نعم) عندما يجب أن نقول: نعم! لا ترى فينا إلا خنوعين.. تابعين.. كالقطيع! هي تتصورنا هكذا.. ونحن لسنا هكذا.. نحن نتطلع أكثر فأكثر لأن نتخلص من عقلية القطيع التي كرستها - هذه النخبة - في حياتنا المشتركة.. وكل سياساتها إصرار على تحويلنا إلى قطعان، لا مواطنين.. أشخاص تابعين، مستلبي الحرية، وبدون استقلالية القرار.. وتغرس في أذهاننا عبر التلفزيون، والخاطابات، والبرامج، والمهرجانات، إيحاءات غير سليمة.. تخاطب في لاشعورنا أننا قطعان جيدون، نتبع بعضنا، والواحد يمشي خلف الآخر، صاغرا، مطأطئ الرأس.. وفي التلفزيون نماذج تقدمها لنا قدوة لكي نقتدي بها.. وهؤلاء يعلموننا كيف نطأطئ الرأس.. ونصبر على ما يفعلون، وأن جزاءنا ليس في الدنيا، بل في الآخرة.. مع حسن العاقبة.. ويعلموننا نمطا محدودا من الأخلاق، وهو الخنوع للسلطة.. وأن نبقى على نهج نوع من "السالفين".. نمط قد واظبت عليه منذ قرون ماضيات.. ويعلموننا أن الدين مجرد تقاليد.. وتعاويذ.. وأضرحة.. ومظاهر.. وسلوك شكلي.. وتأثيث لمشهدنا العمومي.. وأن نتقبل تأويلات السابقين، كما يقدمونها في التلفزيون والإذاعة، وفي خطابات "وزير الأوقاف"، والزوايا والأضرحة، حتى وهي بمضامين مكررة.. - والعالم يتطور.. والأطفال يلاحظون أن ما تقدمه الهواتف العنكبوتية، مختلف عما تقدمه المدرسة.. والتعليم والمنابر بأشكالها وأنواعها توجه الناس إلى مسالك التبعية.. القطعانية.. - وأن يكون أحدنا من القطيع، هذا تشجعه حتى الأحزاب والنقابات وأغلب الجمعيات، وأكثرية الناس.. أصبح التدين "النموذجي" مرتبطا بزخرفة مظهرية، ونفاق اجتماعي.. وما أكثر مظاهر النفاق في حياتنا الاجتماعية.. كل فضاءاتنا العمومية مشحونة بأشكال وأنواع من الانفصام.. نحن بين السندان والمطرقة.. بين المشاكل الاجتماعية والإنسانية والحضارية والسلوكية، وبين انفصام ونفاق بين إرضاء الذات، وإرضاء الجيران والأغلبية المجتمعية.. وأكثرنا جاهل بمكمن المشكلة، فيجنح إلى موقعه بين القطيع، يمشي بهدوء، ويتظاهر بالسعادة والحماس، بين الآخرين.. وفي أعماقه تناقض: قناعة ذاتية تعارض ما تجمع عليه عقلية القطيع.. وفي العمق، كلهم يتأرجح "المتحمسون" بين إرضاء الآخر، وتجنب الاختلاف عن القطيع.. نفاقنا الاجتماعي نستمده من عقلية القطيع التي تكرسها فينا سياسة رسمية تحدد لنا تكريس سلوك عمومي قطعاني.. وقادة القطيع هم يحددون لنا مفهوم الخير والشر، والسعادة والشقاء، ومعنى النجاح والفشل.. ويقدمون لنا نماذج للناجحين، منهم من حصلوا على الثروة، بأية طريقة.. هؤلاء لهم سيارات، وفيلات، وأرصدة بنكية بلا حدود.. وتوحي إلينا قيادات القطيع، من خلال منابر الإعلام والمهرجانات، أن هؤلاء الأثرياء هم من "شرفاء"، وحجاج، ويواظبون على العمرة، وأنهم فوق القانون، ولا أحد يحاسبهم، لأنهم ناجحون، ومن علية القوم، وأبواب الإدارات أمامهم مفتوحة.. - وقادرون على كل شيء.. وحتى الشهادات الجامعية يستطيعون شراءها لبناتهم وأبنائهم.. ومكانهم مضمون في الأحزاب والمجالس والبرلمان وحتى الحكومة.. وتوحي إلينا أيضا قيادات القطيع أن الفقراء هم وحدهم الأشقياء، ويستأهلون الملاحقة والحبس، وأداء الضرائب.. وأن الأثرياء تحترمهم النخب السياسية والاقتصادية.. وتنحني لهم تقديرا.. - هذه هي عملية تصنيع القطيع، داخل بنايات النخب السياسية.. والمجتمع نفسه، حتى وهو غارق في الظلم والقهر والتضليل، وفي التأرجح بين الغيبيات وواقع الحياة اليومية، منقسم على تناقضات.. كل فئة عيونها على أخرى، تتجسس إن كان فيها من يتمرد على عقلية القطيع، وعلى سياسة عامة يستهويها أن تحتجزنا في سياجات قطيعية.. - وقيادات القطيع هي وحدها تفكر.. وتقرر.. ومن يأتي بفكرة من خارج الأعراف والتقاليد، أي من خارج المنطق القطيعي، فهذا محسوب أنه متمرد على السياسة القطعانية العامة، وأن على المجتمع أن يتكفل به، فيحارب فيه ما هو خروج عن "الجماعة"! و"قيادات القطيع" تشرف بنفسها، وببرامجها وسياساتها، وحتى بفيالقها، على أن يحشر الناس أنفسهم بأنفسهم في خانات القطيع، لا يفكرون، ولا يعقلون، فقط يتبعون "الماشية"، ويعبرون عن سعادتهم بتقليد قادة القطيع! - أما حان وقت التخلص من منطق القطيع؟ أليس من واجب أي منا أن تستقل شخصيته، وتمارس حريتها في الاختلاف؟! أما حان وقت قبول اختلافات فكرية وعلمية واجتماعية ودينية وغيرها؟ والتمكين من نقاش عمومي للبحث عما يجمع هذه الأفكار ويوحدها ويطورها، في أفق إنعاش ثقافة الاختلاف، مع التخلص من تجريم من يختلفون... لماذا ما زالت "قياداة القطيع" ترفض من يخرج عن "عقلية الماشية"؟ ما مصلحة النخبة السياسية والاقتصادية في حشو العقول والقلوب والشعور واللاشعور بثقافة القطيع؟ أما آن أوان التحرر الاجتماعي من الحبس العمومي بين حواجز القطيع؟ لقد حولت بلادنا مجتمعها إلى تصنيع لعقلية القطيع.. وهذا يمنعها من الرؤية للأمام، والاقتصار على استمداد "مشروعيتها" من تقاليد قد أكل الدهر عليها وشرب.. وهذا الركود إلى الماضي السحيق، ينتج الجمود المجتمعي، ويجعلنا نكرر نفس أخطاء الماضي، ومبرمجين على ما قد مات وانتهى.. - ونخبتنا السياسية في حالة شلل تام.. عقلية القطيع تحول بينها وبين أية رؤية مستقبلية متعددة الزوايا.. هي لا تبصر إلا في اتجاه واحد.. ما زالت رهينة عقلية القطيع.. قطيع يسمع وينفذ ما يقوله صوت واحد.. القطيع تابع.. وليس متبوعا.. - انقياد أعمى، لما تقرره قيادة القطيع! [email protected]