سبق للمغرب أن منع عيد الأضحى.. الملك الراحل الحسن الثاني منع العيد الكبير لأسباب اقتصادية.. المرة الأولى سنة 1963، والثانية سنة 1981 وكان المغرب يمر بأزمة جفاف.. والثالثة عام 1996، لنفس السبب... وهذا يعني في مجمله أن المغرب قد تعامل مع العيد الكبير، من زاوية المعالجة للصعوبات الاقتصادية.. - وأضحية العيد هي من الشعائر الإسلامية.. وهذا لا نقاش فيه.. النقاش اقتصادي محض.. وأمامنا صعوبات، وربما مخاطر، اقتصادية محتملة.. وهذا تقرير دولي يفيد أن تنافسية اقتصاد المغرب "جامدة"، وأن تعليمنا في أسفل الترتيب.. ونحن في وضعية اجتماعية ربما قد تكبر أكثر، من جراء احتمال أزمة اللحوم في بلادنا.. وعيد الأضحى، لهذه السنة، كان يمكن توظيفه للمساهمة في حل مشاكل الفقر بالمغرب.. وهذا أصلا من الأهداف الإنسانية الأساسية لعيد الأضحى.. فلا يعقل أن يكون الأضحى زرودا وولائم وتجارة مربحة للبعض، وتعميقا للبؤس بالنسبة لأغلبية ساحقة.. - ونحن اليوم، أمام هزة اقتصادية قد تكبر وتتسع.. ولا تفكر الحكومة في توظيف تجارة الأكباش من أجل نهضة اقتصادية وطنية، وإنتاج ثروات، من أجل فقراء البلد.. وجبت الاستشارة بخبراء في الاقتصاد، وغيرهم، خاصة وأن فرحة العيد الكبير مناسبة مالية للتآزر الفعلي بين الأغنياء والفقراء.. ويمكن استشارة خبراء الاقتصاد، كما فعل المغرب سابقا، لإعداد جدول بما يفيد، وما لا يفيد.. استشارة اقتصادية واجتماعية... ولن تجد الحكومة إلا استجابة واسعة، على الصعيد الوطني، لكي يساهم الجميع في إنقاذ قدرتنا الشرائية الوطنية.. ومن هذه الحملة الإنقاذية يتعلم الأغنياء أنه بإمكانهم، هم أيضا، فعل الخير، وتحقيق فرحة العيد.. - والفرحة الإنسانية الأوسع! وهذا يستوجب تغيير عقلية كثير من أغنياء البلد.. فالمعروف أن الأغنياء يتاجرون أيضا في الأغنام، ويستقدمونها من ضيعاتهم الكبرى، في الداخل، ومن الخارج، ويبيعونها للجميع، بمن فيهم جزء من الطبقة المتوسطة.. ولا تنعكس الحركة الكبشية إلا بشكل محدود على حياة الفلاحين الصغار.. ويمكن البحث في هذا الملف، للتوصل إلى استراتيجية كبشية، لحماية الاقتصاد الوطني.. وهذا يتطلب دراسة تشريحية للواقع، على أن تكون المسألة تطوعية.. فمن شاء فليساهم بثمن الأضحية من أجل الاقتصاد الوطني، ومن شاء ألا يتطوع، فهذا اختياره.. ولا إكراه في التطوع من أجل المصلحة الاقتصادية الوطنية، علما بأن الأغلبية الساحقة تعيش تحت سقف الفقر.. والقضاء على الفقر ليس فقط من واجبات الدولة، هذا واجب كل فئات المجتمع، وخاصة أثرياء البلد، باعتبارهم أكبر المستفيدين من تجارة الأكباش.. وحتى هنا، المسألة مسألة اقتصاد وطني، لا فقط حركة تجارية كبرى.. ويمكن توظيف الحركة التجارية بشكل يقضي على الفقر.. - والقضاء على الفقر لا يعني القضاء على الفقراء.. وحكومتنا ما زالت غير واعية.. ما زالت تلعب على الوتر الحساس، لإحكام الخناق على الفقراء، بدل تطويق الفقر.. وحتى لا يفوت الأوان، لا بد أن تكون محاربة الفقر محورا لهذه الحركة التجارية وغيرها، لتعميق الإحساس بفرحة المساهمة في إنعاش الاقتصاد، وتقليص الفوارق الاجتماعية.. وهذه الحالة مؤهلة لتحريك الاقتصاد الوطني.. ويستطيع خبراؤنا اقتراح حلول تكميلية أخرى.. وتنفيذها يتطلب لجنة وطنية تحظى بالثقة المجتمعية، وتكون تحت مراقبة مؤسسة هي الأخرى تحظى بالثقة.. أفكار كثيرة يمكن إدراجها، مع العبقرية المغربية من مختلف التخصصات.. جهات متنوعة تشكل هذه الرؤية بمشاركة أعمدة الدولة: التشريعية والتنفيذية والقضائية، دون تغييب فعاليات المجتمع المدني.. ويبقى القانون فوق الجميع.. ومن أجل المصلحة، نستطيع في ظرف وجيز، توظيف مؤهلاتها وهي كثيرة، وتشمل مجالات أخرى، لتنشيط القدرة الشرائية، والمرور بالبلد إلى أفق جديد، إيجابي، يخلق نهضة اقتصادية في كل ربوع البلد.. والعبقرية المغربية لا تنقصها الأفكار، نحتاج إلى حسن تدبير، وحسن تسيير، ومراقبة شاملة، ومنها: من يراقبون المراقبين.. فهل الحكومة جاهزة للتطلع إلى هذا الأفق الاقتصادي البناء؟ يجب التفكير في فرصة لاحقة، حتى والحكومة قد فوتت الفرصة الحالية، وهي ثمينة، لإحداث طفرة علاجية، لتقليص التفاوت الاجتماعي الرهيب.. وهذه مناسبة للتبرع بكل ما هو متاح، بما فيه جلود كبش العيد.. ملايين من الجلود لا يتم توظيفها بالشكل اللائق، رغم أنه يمكن تحويلها إلى موارد مالية.. كما يمكن للميسورين مساعدة المحتاجين.. ويمكن أيضا التبرع بثمن العيد، مع الاحتفاظ باللحوم الوطنية متداولة على مدار السنة، بدل استهلاكها في بضعة أيام.. والاستهلاك السريع هو أيضا سريع في إنتاج "أزمة اللحوم"، خلال السنة القادمة، بحيث تبقى أسعارها في غير متناول الفقراء.. وسيكون توفير اللحوم إجراءا مهما لأمننا الغذائي الوطني.. إننا مقبلون، بسبب سوء تدبير الحكومة، على أزمة اللحوم، وستتضرر منها الطبقة الفقيرة.. الحكومة لا تستفيد من العبر التاريخية، ومنها: التبرير الذي تم تقديمه، آنذاك، لمنع عيد الأضحى.. وكان التبرير توضيحا للمصلحة الوطنية التي تقتضي الامتناع عن أضحية العيد، من أجل تجنيب البلاد كارثة اقتصادية.. وهذا احتمال ممكن جدا، في ظرفنا الراهن، خاصة وأن الهدف من الأضحية هو التآزر الاجتماعي، وليس أن يزداد الأغنياء غنى، والفقراء فقرا.. وللأسف، ما زالت الحكومة تستهتر بالمصلحة الاقتصادية الوطنية.. والنقاش لا يدور إلا حول علاج ممكن لأزمة تغذية وطنية محتملة.. وكان في الإمكان استخدام أكباش هذه السنة لتوفير لحوم كافية لأسواق العام القادم.. ويبقى العيد عيدا.. ومكانته محفوظة.. إن المستفيد من تجارة الأكباش ليسوا صغار الفلاحين، بل أباطرة المال، في الداخل والخارج.. المسألة تجارية محضة.. وأغلى الأكباش ليست كلها مغربية.. وأزمة اللحوم المتوقعة، قد تتسبب في هزة اجتماعية جديدة.. فالعيد الكبير ليس في متناول الجميع، كما يتبادر لبعض الأذهان.. أغلب الناس لا يأكلون اللحم إلا مرات قليلة جدا، في السنة.. وهذا لا يكفي لتموين الأسواق، وبأسعار في متناول الجميع.. حكومتنا لا تتصرف بمسؤولية.. لا تتعامل ببعد نظر.. تضرب على الوتر الحساس لفئات من المجتمع، وتعمل من خلال الكبش على تصفية ما تبقى من التعليم.. إن الدخول المدرسي سيعقب العيد، مباشرة بعد الأضحية.. ولو كانت عندنا حكومة عاقلة، لخرج رئيسها إلى التلفزيون، لكي يفسر للناس أهمية توظيف الأضحية لمواجهة المشاكل الاجتماعية: وهل فقراء اليوم أحسن حالا من فقراء الأمس؟ هل تعليم اليوم، وصحة اليوم، وتشغيل اليوم، أفضل حالا من الأمس؟ حكومتنا غائبة.. والبرلمان غائب.. والأحزاب ميتة.. والنقابات غارقة في الريع.. ولا مؤسسة واحدة تنبه من تبعات تجارة الأكباش، وهي مشكوك حتى في سلامتها الصحية.. هي لا تسبق الأحداث.. ليست لها استراتيجية استقرائية.. هي لا تخرج إلى العلن، إلا بعد حدوث المشكل، ومن أجل التبرير.. ومن المفروض أن تكون للحكومة شجاعة في مخاطبة الرأي العام بالواقع، وأن تتجنب إخفاء رأسها في الرمال.. واليوم، ونحن في الظاهر نصفق للكبش، وغدا لن تجد الحكومة نفسها إلا في حالة أخرى.. ستخفي رأسها تحت رمال الأكباش، كما فعلت حكومات سابقة.. هي أيضا كانت مثل النعامة، عندما يتأزم الوضع، تخفي رأسها في الرمال.. ليست لها سلطة القرار.. ولا شجاعة القرار! [email protected]