وسط دار الضمانة، بين جبال مقدمة الريف وغابات الزيتون، يتوافد العشرات من الزوار الخاصين، من مختلف الحالات الاجتماعية والأعمار، قادمين من مدن وجهات ومناطق متعدّدة، حسب روايات شفهية لسكان مدينة الأولياء؛ لكل واحد منهم حكاياته التي لا خواتم لها، إلاّ أن توحّدهم يكمن في المعاناة من اضطرابات نفسيّة..بعضهم تنكّر لهم الأقارب، وآخرون أضحوا محنا حقيقيَة لأسرهم، فاضطروا إلى التخلي عنهم في الشارع العام في انتظار شفاء قد يأتي وقد لا يبرز بالمرّة. ما إن يدلف المرء إلى "مدينة الأولياء" حتى تستقبله أفواج من المرضى النفسانيين، عراة وحفاة بشعر أشعث ووجوه شاحبة، وقسمات جامدة وتجاعيد رسمت "أخاديد" على محياهم، غير آبهين بما حولهم.. هؤلاء يعانون اضطرابات نفسية حادة ولا يقوون على الحديث بشكل سوي. مشكل عسير ينتظر التغيير الوضعية الكارثية التي يعيشها المرضى النفسيون والمختلون عقليا بمدينة وزان، على غرار باقي مدن المغرب، جعلت العديد منهم يتجولون وسط الشارع العام بكل حرية، حتى أضحوا مشهدا مألوفا يزيد من عبء الحياة؛ وما بروز حوادث اعتداء وعنف سوى إشارة إلى خطورة الوضع بالإقليم، لاسيما في ظل غياب مراكز ومؤسسات لعلاجهم وإيوائهم، ما يجعلهم عرضة للتشرد ولسعات البرد ولفحات الشمس. تواجدوا طوعا أو قسرا، بدون مأوى، وسط شوارع مدينة وزان..حمقى، مختلون عقليا أو مرضى نفسانيون، تعددت الأوصاف وضروب المعاناة وسط الشارع..نور الدين، وحميد، والديبة، وأسامة، وحسن، و"المهندس" و"الديليكي" وآخرون...أسماء لشخصيات لا تعكس حقيقة وضعيتهم الحالية، لكل واحدة منهم قصة أوصلته خارج بيت أسرته، بمعدل عمر متفاوت ونفسية محطمة. مظاهر الكلّ هنا توحي بالفقر المدقع، ولامبالاة المسؤولين توحي بأنهم موضوعون وسط مشفى مختص. وسط ساحة 3 مارس المقابلة لبوابة عمالة إقليموزان، ينزوي رجل خمسيني وقد همّ بإعداد "سرير" من "الكرطون" فوق الأرضية الترابية، مع لحاف أخذت الرقع حيزا كبيرا منه، غير مكترث بما يدور حوله، ودون أن يعيره المارة أدنى اهتمام؛ فالمسؤولون في عطلة..بوجه اختفت ملامحه بعدما فقد الأمل في تغيير ينفض عنه غبار الإهمال ويعيد له صوابه، مع ابتسامة كئيبة تختزل أمورا أبى البوح بها..لا أحد يعرف اسمه ولا أصله..غموض يلف ظروف حالته، وكذا المشاكل التي دفعت به إلى المدينة الجبلية، بعدما أثقلت جسده النحيف وأفقدته توازنه. الحملات الموسمية لا تكفي معاناة هذه الفئة من المجتمع لا تكسر رتابتها إلا بعض الحملات الموسمية التي تفعلها السلطات المحلية بين الفينة والأخرى، خاصة خلال موسم البرد. وفي هذا الصدد قال فرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بوزان إن المدينة تشهد في فصل الصيف، وبالتزامن مع الأعياد والمناسبات الرسمية التي تقام بالمدن السياحية بجهة الشمال، توافد عدد من المختلين عقليا من مختلف الأعمار والأجناس، وهو ما يدفع العديد من السكان إلى القول إن هذا التوافد يتم بطريقة منظمة، الغرض منها إخلاء المدن السياحية الكبرى على حساب المدن الصغرى. ونبه التنظيم الحقوقي إلى تنامي هذه الظاهرة وانعكاساتها السلبية على سلامة وأمن المواطنين وممتلكاتهم بسبب نزوع بعض المختلين عقليا إلى استعمال العنف، كالرشق بالحجارة أو التعرض للسيارات، مستحضرا قيام بعضهم بحركات وأفعال مخلة بالحياء العام، كالتعري. واستنكر "رفاق الهايج" صمت السلطات الأمنية والصحية بالمدينة، مطالبين بصون وحماية الكرامة الإنسانية لهاته الفئة الاجتماعية، وفق ما هو منصوص عليه في المواثيق الدولية والإعلان العالمي للتقدم والنماء في الميدان الاجتماعي، الداعي إلى ضرورة حماية حقوق ذوي العاهات البدنية والعقلية وتأمين رفاهيتهم وإعادة تأهيلهم وتيسير اندماجهم في الحياة العامة. وحمل المكتب المحلي ل AMDH مسؤولية هذه الظاهرة إلى الدولة المغربية، بسبب الأوضاع الاجتماعية والصحية المأساوية، داعيا إلى إحداث مركز لإيواء وإعادة تأهيل هذه الفئة، ومناشدا كافة الهيئات الحقوقية والمدنية والسياسية الترافع من أجل قضية المتشردين والمختلين عقليا.