نواب يَفرُّون نحو عشيقاتهم قديما كان الملوك والقياصرة والفراعنة يلجأون بشكل مستمر إلى خدمات السحرة والمشعوذين والمنجمين وغيرهم.. بل يمكن القول إن هذه الفئة من الناس، كانت دائما من المقربين من السلطة العليا.. ومنهم من كان من المستشارين المميزين ولا حاجة لي بتذكيركم بقصة فرعون أو بقصص المنجمين التي تملأ الدنيا يمينا ويسارا.. بل لا حاجة لي بالقول إن هذه الغواية تعيش بيننا بأوصافها الحقيقية كما كانت أيام زمان.. حيث تخصص لها أماكن خاصة ولا زالت تعيش بيننا بأشكال "مهذبة" و"مغلفة" على صفحات الجرائد، من قبيل إقرأ حظك اليوم أو حظك مع الأبراج! ونحن بكل اليقين الذي يسكننا نقترح تلك الصفحة ولو من باب التسلية.. فتجد مثلا أن أصحاب برج الحوت.. يومهم أو أسبوعهم عاطفي.. علاقة جدية مع حبيب قديم.. آفاق مالية واعدة وفي الصحة يقولون لك عليك بممارسة الرياضة فتبتسم وتقول مع نفسك.. لقد أصابوا في كذا وكذا.. وإذا لم يعجبك تنجيمهم.. كأن تقرأ بأن مصاعب مالية ستواجهك يجب التغلب عليها.. الصحة جَيدة.. فراغ عاطفي ستتجاوزه بعد حين.. تقول كذب المنجمون ولو صدقوا.. وصدق المنجمون ولو كذبوا..! وتَعِد نفسك بألا تطَّلع على أي تنجيم ولو من باب التسلية! لكن الجهل فينا أشكال وحدود أو رغبة تطويع الواقع لدينا لا تقف عند تلاوة الأبراج بل تتعداه إلى زيارة السحرة والشوافات والفُقْهَاء وأصحاب "الطلاميس".. أو ما يعرف ب "السَّمَاوي". وقد اصطدمت مع قصة غريبة نهاية الأسبوع الماضي على ضوء حديث حول افتتاح البرلمان ورمي رسائل إلى الملك و"هروب" البرلمانيين مباشرة بعد الافتتاح. قصة الحْجَابات والبرلمان كثيرا ما كنا نسمع أن بعض السياسيين يلجأون فيما يلجأون إلى خدمات العرّافين والشوافات و"الفقهاء"، لم نكن نملك حججا أو دلائل حول الموضوع.. كنا نسمع فقط أن بعض السادة البرلمانيين يستقدمون معهم "طلاميس" و"حجابات" يرشون بمحتواها مداخل البرلمان ومخارجه ويدسون تلك الحْجابات تحت المقاعد وتحت الزرابي.. حتى تبارك لهم الأرواح في مشوارهم السياسي، إلى درجة أن وفداً برلمانيا ضمَّ أحدهم افتضح أمره عندما كانت مصالح الشرطة بالبلد المضيف تُجبر كل من دخل إلى مؤسستهم التشريعية المرور عبر جهاز كشف المعادن للتخلص منها.. فمر الجميع بسلام إلا واحداً.. ظل الجهاز يرنُ كلما مرَّ عبره مع أنه تخلص من كل شيء بما في ذلك الحزام.. فاضطر البوليس إلى تفتيشه عاريا إلى أن اكتشفوا أن "الزغبي" يحمل تحت إبطه الأيسر "حجاباً" من نحاس! ولما سُئِل عن سر ذلك المعدن أجاب أنه يحمله منذ زمان.. منذ أن كان صغيراً حتى لا يصاب ب "العين" و"الحسد" وأنه حصنٌ أهدته له أمه. هذه الأيام تعاودنا مثل هذه التخاريف.. خصوصاً مع الدستور الجديد والرغبة الملحة لدى بعض النفوس المريضة بالرجوع إلى البرلمان مهما كان وكيفما كان! دليلي في هذا الكلام رجل من سوس.. أخبرني أن "فقهاء" سوس مشغولون هذه الفترة باستقبال وخدمة رجال السياسة، كيف ذلك؟! يقوم بعض "النبهاء" بالذهاب إلى "سوس العالمة" واستقدام "الفقها" إلى دوائرهم التشريعية ليس من أجل الوعظ والإرشاد، ولكن من أجل "سحر أهل الدائرة بأكملهم".. ولو كانت الدائرة كبيرة بحجم إقليم؟! نعم ولو كانت بحجم بلد بأكملها.. ولذلك فإن الفقيه يحلُّ ضيفاً على المرشح مدة طويلة.. لا تقل عن شهر بأكمله، يأكل ويشرب في أحسن الأماكن ويُقيم ليس داخل فندق.. بل يوفر له بيتاً بكل مقوماته يستقبل فيه من يشاء أو من يجب استقباله لأجل إتقان العمل الذي حلَّ من أجله.. "فيضرب" الفقيه سكان الدائرة حومة بحومة، شارعا بشارع، إقامة بإقامة، ولا تنتهي مهمته إلا يوم الاقتراع.. يشتغل "الساحر" قبل موعد الاستحقاق مدة طويلة في استحضار الطلاميس ويوزع "وصفته" على كل قبيلة ومدشر ودوار.. فيخلص إلى الأماكن التي "تُعادي" المرشح، حيث يركز عليها يوم الانتخابات، بعد أن يكون قد قام باللازم الليلة التي قبلها أمام مكاتب الاقتراع وفي الطرقات المؤدية إلى المكاتب.. فيستفيق الناخب لا يتذكر من إسم إلا فلان ولا من رمز إلا "رمز الحمار"، فتطلع النتائج ضد وعكس ما كان يتوقعه الناس ليكافئ الفقيه بكل الأشكال غداة الفوز.. أتدرون كم قيمة هذا الهراء؟! القيمة المادية طبعا.. صديقي يقول إن هذا "التشيطين" لا يقدر عليه إلا "من لا قَلْبَ له على المال"، إنه باهظ جداً، ومع ظروف التشديد والشفافية التي أصبحت تعرفها عملية الانتخاب.. أصبح الأمر صعبا ولا يستطيع تحمله إلا ذوو "الحبة والبارود" ربما تكون هذه القصة من نسج الخيال! وربما تكون من وحي الحقيقة أيضا.. الحقيقة أو الواقع الذي جعل البرلمانيين مساء الجمعة، يفرون إلى "واجباتهم" الأخرى عوض الالتزام بالتصويت على مشروع قانون يحتاج إلى الأغلبية. فرار نحو العشيقات وتزلُّف لا معنى له كان مبرمجا لجلسة الافتتاح التي ترأسها الملك الجمعة الماضي أن يصوت البرلمان - النواب على الخصوص – على مشروع قانون حول الجماعات الترابية، يستلزم توفر نصاب أغلبية أعضاء المجلس أي حوالي 163 عضواً لكي تتم المصادقة حسب منطق القانون نفسه الذي يشترط الأغلبية.. لكن النواب رغم تنبيهات رؤساء فرقهم ورغم علمهم المسبق بضرورة الالتزام بالحضور إلى جلسة تلي جلسة الملك، ورغم رسائل SMS التي توصلوا بها، فإن الإصرار على الغياب أصبح طبعاً تطبَّع عليه هؤلاء الناس، وهنا قد يقول قائل.. إن هذا تحصيل حاصل – نعم – وقد يضيف أن هذا استهتار بالمسؤولية، وقد يعتبر آخرون أن هذا الغياب يمكن أن يكون تعبيراً عن موقف.. مع الأسف ليست هذه هي الحقيقة، الغياب إذا كان استثناء يمكن أن نعتبره موقفاً ولكنه قاعدة في البرلمان.. والحقيقة الأخرى أن جزءاً كبيراً من البرلمانيين يُضمرون غير ما يظهرون.. منهم من يعتبر أن عرقلة المصادقة على أي قانون الآن فيه تمديد لعمر البرلمان، وبالتالي تمديد لولايتهم ومنهم من لا يؤمن بأوامر رئاسة فريقه ومنهم من لا يهتم برسائل SMS البرلمانية، ومنهم ببساطة من كان على موعد مع عشيقته بالرباط واعتقد أن غيابه لن يؤثر في حضور الآخرين..! فلم تحضر الأغلبية إلا بنسبة تسعين صوتا.. كانت غير كافية، فتم تأجيل الموضوع إلى الثلاثاء ما بعد الجمعة! وإذا استرسلت في نقاش أسباب هذا "الفرار" الجماعي سأصل إلى أن جزءاً كبيراً منهم يعلم علم اليقين أنه لن يعود إلى البرلمان مع موجة التغيير التي تَعُمّ الآن، فلماذا سيساهم فيما لا مصلحة له فيه.. وهذه أنانية لا مثيل لها.. وقد أصل ببساطة إلى أن الأغلبية لم تعد أغلبية، وأن الالتزام لم يعد التزاما.. على كل حال.. التصويت على القانون المذكور سيتم بكل لغة شاء هؤلاء.. عندما تكون الدولة مهتمة بالموضوع.. "وَلَوْ طارت مَعزة..!" وياريت لو كان هذا "العصيان" موقفاً من مواقف الرجال! لكن كما أسلفتُ ليس موقفا بل استهتاراً وبؤساً سياسياً. رسالة "قوبة" بالقبة القصة الأخرى التي أثارت الانتباه تلك المتعلقة ب "برلماني محترم" يُدعى محمد قوبة ينتمي إلى الفريق الدستوري عن دائرة بن أحمد، قوبة هذا.. أراد أن يسلم إلى الملك رسالة فلم يجد من طريقة إلا رميها أمامه كما يفعل عامة الناس! عامة الناس عندما يضيق بهم الأفق.. يطمعون في أن يصل رجاؤهم إلى الملك.. خصوصاً أن الملك كما هو معلوم لا يردُّ رجاء طالبٍ، ولا استغاثة مستغيث – فيعمدون إلى رمي أظرفة أمام الملك – بطبيعة الحال يتكلف الحراس بجمعها ودراستها ومخاطبة أصحابها.. بمعنى أن الوسيلة فعالة.. وإلا ما كانت لتستمر وَعلاش لاَّ؟ إذا كان الملك يقضي حاجات الناس فإنه أمرٌ محمود.. صاحبنا البرلماني اهتدى في آخر المطاف إلى نفس المنهاج والسلوك.. مع أنه برلماني يعني ممثلا للأمة لآلاف الأصوات التي تريد لصوتها أن يصل إلى الملك.. وكم كانت ستكون العملية نبيلة لو أن مضمون الرسالة كان كالآتي: جلالة الملك.. "أنا خديمك وخديم أبناء شعبك بالدائرة الفلانية.. ما ادخرت جهداً من أجل خدمة الناس والبحث عن الصالح العام منذ أن انْتُدبت للبرلمان لا فيما يخص مهمتي كمشرع ومراقب للعمل الحكومي ولا فيما يخص التزامي بالإنصات إلى قضايا وأوجاع الناس.. لكني اليوم أجد نفسي مضطرا إلى القول لكم إنني عاجز تمام العجز عن فك مشكلة تتعلق بأحد رعاياكم.. في منطقة كذا في مسألة كذا.. بعد أن طرقت جميع الأبواب المشروعة.. فيأس صاحب الملف.. وأخبرته أن هناك باباُ واحداُ بعد الله سبحانه، لا زال مُشْرَعاً هو باب الملك"..! آه كم كنت ستكون باسلا يا قَوْبة.. لكنك أخطأت الأسلوب والموضوع.. أخطأت الأسلوب عندما تجاوزت اللياقة.. وأخطأت الموضوع عندما فضلت نقل قصة إبنتك، مهما كنت مظلوماً أو كانت هي مظلومة فما هكذا تُورد الإبل يا سعد! [email protected]