وفقاً لدراسة علمية ميدانية أجراها الباحث المصري الدكتور محمد عبدالعظيم، فإن مئات الآلاف من العرب يدعون علاج الأمراض بتحضير الأرواح وبالقرآن والكتاب المقدس. وبرأيه فإن الناس لا يلجؤون إلى الخرافة، ويتعلقون بأوهامها إلا حين تضيق في وجوههم أبواب الأمل، وتحاصرهم الشدائد، كاشفاً أن هناك أعداداً متزايدة من الدجالين ليصل الأمر بحسبة بسيطة إلى معدل دجال لكل ألف عربي. وإذا كان المشعوذون النيجيريون يسيطرون على السوق في الإمارات العربية المتحدة، فإن الاستطلاع الذي أجراه الأستاذ خالد شوكات في تونس، حول الظاهرة، كشف أن المشعوذين المغاربة يحتلون الصفوف الأولى، وأن رجال السياسة والمال على رأس الزبناء. وفي جميع الحالات فإن المسؤولية ملقاة بالدرجة الأولى على الذين يفسحون المجال القانوني لثقافة اللاعقل واللامنطق، في حين يضيقون الحصار على ثقافة العقل والمنطق والتحرر من كافة أشكال الاستعباد. في دبي: عصابات إفريقية للشعوذة أما في دبي فقد أشارت إحصائية رسمية حديثة إلى أن حجم الجرائم الاقتصادية في الإمارة قد بلغ 4,1 مليار درهم في عام ,2001 مما يعتبر مؤشراً خطيراً ينذر بآثار سلبية على الاقتصاد الوطني جراء زيادة معدلات ضحايا عصابات مضاعفة الأموال باستخدام أساليب السحر والشعوذة، وذلك طمعاً في الحصول على المال السهل. ومن أشهر قضايا عمليات النصب بمضاعفة الأموال، والتي اشتهر بها في المنطقة الأفارقة خصوصاً، فكانت تلك التي تعرض لها أحد البنوك، إذ تمكنت عصابة من المشعوذين من الاستيلاء على حوالي 900 مليون درهم، عندما أوهمت هذه العصابة مدير البنك بقدرتها على مضاعفة أموال البنك من خلال عمليات السحر والشعوذة. ولا ترتكب جرائم السحر والشعوذة في حق الأميين والسذج وقليلي الخبرة فقط، والعانسات والمطلقات، بل إن العديد من الضحايا هم على قدر عال من التعليم والخبرة، فضلاً عن أن كثيراً من المتزوجات يلجأن لأساليب الدجل والخرافات بسبب الغيرة ورغبة في الاستحواذ على قلوب أزواجهن. ولعل أغرب قصص الشعوذة، تلك التي حدثت لست مواطنات إماراتيات عندما تعرضن للنصب على يد مشعوذ ذهبن إليه لحل مشكلتهن من الوقوع في فخ العنوسة، فطلب منهن مليون و200 ألف درهم مقابل عمل سحر يخلصهن من العنوسة، ولكن مشكلتهن لم تحل، فبادرت اثنتان منهن بتقديم بلاغ للشرطة بالواقعة. وطالب عدد من علماء الدين ورجال الأمن وخبراء الطب النفسي، في تقرير لصحيفة الاتحاد الإماراتية الجمعة الماضية، بضرورة وضع حد لطوفان السحر والشعوذة، الذي بدأ يغزو مختلف شرائح المجتمع من النساء والرجال والأغنياء والفقراء والمثقفين والأميين من دون تفرقة، فقد سلم الجميع زمام المبادرة لعصابات بيع الوهم، وانخرطوا في رحلة مريرة يجمعون الطلاسم من شتى بقاع الأرض بحثاً عن أوراق الدولار الخضراء!. ونقلت الصحيفة عن (م ح) أحد التجار الخليجيين قوله: تلقيت اتصالات من أحد الأشخاص النيجيريين وأخبرني بمقدرته على مضاعفة الأموال، وتم الاتفاق على مضاعفة مبلغ 96 ألف دولار لتصبح 28 مليون دولار، واتفقنا أن تتم العملية بغرفتي في أحد الفنادق بدبي، وطلبت منه أن يقوم بالتجربة أمامي حتى أقتنع ثم أسلمه المبلغ المتفق عليه، فوافق الشخص، وفور وصوله إلى الغرفة أخرج ثلاث ورقات سوداء اللون من جيب سترته كان يحفظهما داخل مظروف وقام برشها بمادة معينة كانت معبأة في حقنة وبعد غسلها بالماء تحولت الى ورقة نقدية من فئة 100 دولار، وسلمها لي لأتأكد من حقيقتها، بعدها وافقت على إتمام العملية وأعطيته المبلغ كاملاً وأخبرني أن العملية تحتاج إلى بعض الوقت فاستأجرت له غرفة في نفس الفندق، ولكن في اليوم الثاني لم أجده في غرفته، وعلمت من موظف الاستقبال أنه طلب سيارة أجرة لتقله إلى المطار. وأضاف: لم أبادر إلى إبلاغ الشرطة ففي ذلك إحراج لي ولمركزي المالي، فآثرت السكوت وعدم إخبار أسرتي، ولكني تعلمت من هذه الحادثة درساً لن أنساه طوال حياتي. شعوذة الأنترنيت وحذّر اللواء شرف الدين محمد حسين، مساعد قائد عام شرطة دبي لشؤون البحث الجنائي، من خطورة المشعوذين والمحتالين الذين تجاوزت أساليبهم النمط التقليدي في مضاعفة الأموال، من خلال السحر إلى الاستعانة بشبكة الأنترنت في الإيقاع بالضحايا وإيهامهم بأن لديهم ملايين من الدولارات في الخارج، وهم بحاجة إلى بعض الأموال لإنهاء إجراءات دخولها إلى الدولة. وقال إن مكمن الخطورة يتمثل أولاً في أن هذه الجرائم ترتكب من قبل عصابات عالمية متخصصة غيرت من طبيعة نشاطها بالدولة لتتمكن من اختراق المجتمع بهذا الأسلوب، ثانياً في ضخامة المبالغ المالية المتحصلة من هذه العمليات، والتي غالبا ما تكون بالعملات الصعبة، وثالثاً أن شرها يشمل معظم فئات المجتمع من المثقفين والأميين والرجال والنساء وأصحاب الثروات وحتى تلك الفئة التي تعيش على الكفاف، فهذه الفئات يمكن أن يكونوا ضحايا المشعوذين الذين يدعون بقدرتهم على علاج الأمراض المستعصية ومضاعفة الأموال، مشيراً إلى أن أكثر الفئات عرضة للوقوع في فخ المشعوذين هم النساء والتجار لإحجامهم في الأغلب عن إبلاغ الشرطة خشية تعرضهم للإحراج. مشعوذون مغاربة مطلوبون في تونس.. يبدي التونسيون في السنوات الأخيرة اهتماما كبيرا بأعمال السحر والشعوذة والتنجيم، وتخصص الصحف التونسية حيزا كبيرا من صفحاتها لنشر إعلانات أولئك العرافين الذين يدّعون القدرة على معرفة الحظ ومعالجة الأمراض المستعصية. ويلاحظ المسافرون على الطرق الرئيسية المؤدية للعاصمة التونسية وجود عشرات الباعة على ناصيتي الطريق، يعرضون على المارة بضاعة من نوع خاص، لم تكن معروفة لدى المستهلكين حتى بداية عقد التسعينيات، فقد اعتاد كثير من التونسيين في السنوات الأخيرة على شراء حرباء حية، لقتلها وتجفيفها ثم تعليقها على مداخل البيوت أو داخل الغرف، اعتقادا منهم أنها تذهب عنهم شرور العين وتقيهم من الحسد! ويشار إلى أن السلطات التونسية انفردت على الصعيد العربي بالترخيص للعرافين والمنجمين ومدعي القدرات الخاصة، للعمل بصفة شرعية، وتسجيل أنشطتهم في سجلات الغرف التجارية، والسماح لهم بالتالي باستعمال وسائل الدعاية والإعلان للترويج لبضاعتهم ودعوة المستهلكين للوقوف على خوارقهم، وذلك خلافا لما كان سائدا حتى أواخر الثمانينيات، حيث كان القانون يحظر هذا النوع من الأعمال ويعاقب عليها. وتذكر مصادر مهتمة بالقضية أن تونس تحولت بسبب قوانينها الجديدة إلى قبلة لعدد كبير من العرافين والسحرة والمشعوذين، الذين يعلنون عن أنفسهم غالبا كمعالجين روحانيين، ويتلقب كثير منهم بلقب أستاذ، ويسعون إلى الإقامة في البلاد على وجه دائم أو بشكل مؤقت، وتقديم خدماتهم بشكل منفرد أو بالتعاون مع زملاء محليين. وترى تلك المصادر أن العرافين والروحانيين المغاربة يتقدمون نظراءهم الأجانب، سواء من حيث العدد أو الشهرة. ويشير إعلان متكرر في الصحف التونسية إلى أن مولاي الشريف (فلان) المغربي، يكتشف الحظ على الطريقة المغربية في الزواج والحب والصحة والمال، باعتباره أشهر عراف مغربي. وخلافا لما ينص عليه المنشور (القانون) 108 التونسي ذائع الصيت، الذي يحظر ارتداء الحجاب باعتباره زيا طائفيا، فإن عددا كبيرا من الصحف التونسية لا تجد حرجا في نشر صورة من الحجم الكبير للفلكية (فلانة) المحجبة مع إعلان مصاحب يقول إنها قادرة من خلال البحث في ملامح الوجه على كشف أدق أسرار المستقبل. كما يمكن أن تجد إعلاناً تونسياً يشير إلى أنه بمقدور الراغبين في الاستفادة من القدرات الفلكية الخاصة لأحد العرافين أن يتصل به على رقم هاتفي ذي صبغة تجارية. زبناء سياسيون ورجال مال وأعمال ! وبحسب العرافة التونسية الحاجة حبيبة التي تمتلك مكتبا في كل من تونس وباريس فإن الإقبال على العرافين والمنجمين لا يقتصر على أبناء الطبقات المتوسطة والفقيرة، بل إن عددا كبيرا من الأغنياء والمشاهير ورجال السياسة والفن، لا يجدون حرجا في طلب العلاج لمشاكلهم لدى مدعي القدرات الخاصة. وتقول الحاجة حبيبة لشبكة إسلام أون لاين.نت الجمعة 22 /8/ 2003 : إن الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا ميتران، وعددا كبيرا من السياسيين والفنانين المشهورين، كانوا من زبنائنها، وإن وزراء وأمراء ونجوما ورجال أعمال يترددون عليها بانتظام، وهم مقتنعون تماما بقدرتها على مساعدتهم وشفائهم، كما أن فنانا مصريا مشهورا قد شفي من إدمانه المخدرات بفضل رعايتها. وتؤكد العرافة التونسية المشهورة التي ذكرها ميتران في مذكراته أنها تستقبل يوميا قرابة 50 شخصا، يأتون طلبا لعلاجها، وأنها تأخذ مقابل خدمتها 30 يورو (ما يقارب 35 دولارا) للزيارة الواحدة، بالإضافة إلى ثمن الدواء غير الخاضع للتخفيض أو المساومة، والذي غالبا ما يكون أعشابا ومواد مستخرجة من الطبيعة. العقم والعنوسة وتقول أم علي، ربة بيت إنها كانت قد تأخرت في الحمل، وإن زوجها عرضها على طبيب مختص، وصف لها العديد من الأدوية، غير أن العلاج لم يجد معها، ورافقتها أمها إلى إحدى العرافات الشهيرات في منطقتها، فوصفت لها علاجا تسبب في حملها بعد فترة بسيطة، على حد زعمها. وتدعي أم علي أن ما جرى لها مع العرافة جرى مع كثيرات أتينها يعانين من عقم استمر عشرين عاما لدى بعضهن، ونجحت في شفائهن لأنها على بركة عظيمة، في حين فشل الأطباء في معالجتهن، كما ترى أم علي. وتقول مبروكة، فتاة عازبة ترددت على أكثر من عراف ومنجم: لقد خطبت ثلاث مرات، وفي كل مرة تفشل الزيجة ويهرب الخاطب متعللا بأسباب لا علاقة لي بها، وقد أكد لي الأقارب قبل الأباعد أنني منحوسة وأن علي أن أطرد النحس عني. وتضيف مبروكة: لقد نصحتني صديقة لي بالتوجه لأحد العرافين ذاع صيته في المدينة، وكانت هذه تجربتي الأولى، التي تكررت عدة مرات فيما بعد، وكلما تقدم بي السن زادت الضغوط النفسية علي ودفعتني أكثر إلى البحث عن حل لمشكلتي لا يمكن أن ألتمسه عند الأطباء. المسؤولية السياسية والدينية وكان الدكتور علي محيي الدين القره داغي، أستاذ الفقه بجامعة قطر، قد قال في فتوى منشورة بشبكة إسلام أون لاين.نت: لُعن العرافون والمنجمون، وحرم الإسلام كل أنواع الشعوذة والطلاسم ونحوها. ومحاربة الخرافة والشعوذة واجب إسلامي يدخل في صميم عقيدتنا. ويقول الأستاذ الدكتور محمد البهي، من علماء الأزهر في فتوى أخرى: لا قول المُنجِّمين، ولا خبر العرَّافين يكشف عن غَدِ الناس ومستقبلهم، إذْ علم ذلك لله وحده. ويرجع الدكتور ثابت بن منصور، الباحث في مركز تابع لوزارة الصحة العمومية التونسية استفحال ظاهرة العرافين والروحانيين إلى سببين رئيسيين: الأول العولمة وانعكاساتها الضارة بالنسيج الاجتماعي ومنظومة القيم الأخلاقية داخل المجتمع التونسي، والثاني ضعف الوازع الديني، حيث تراجعت مكانة الدين في الحياة الاجتماعية التونسية خلال العقد الأخير، جراء عوامل عديدة. ويعتقد الباحث التونسي أن غالبية المترددين على العرافين والمشعوذين، إما من أبناء فئات اجتماعية فقدت توازنها الاقتصادي جراء ضغط المتغيرات الكبرى التي جرت في السنوات الأخيرة، أو من فئات وشرائح اجتماعية افتقدت الدين كموجه أخلاقي ومصدر رئيسي لاتخاذ المواقف في مثل هذه القضايا. ويذكر الدكتور بن منصور أن غالبية زبائن العرافين والروحانيين على سبيل المثال هم من النساء الراغبات في الزواج، والباحثات عن شريك حياة في مجتمع ارتفعت فيه نسبة العنوسة إلى حد كبير غير مألوف من قبل، وذلك بسبب غلاء المعيشة وتراجع المقدرة الشرائية للفئات الشابة التي تعاني من البطالة من جهة، وتفتقد الوازع الديني من جهة أخرى. ويعتقد الباحث التونسي أن الترخيص القانوني الذي تمنحه السلطات لمدعي المعرفة بالروحانيات والتنجيم من جانب، واستمرار ضعف أداء المؤسسات الدينية من جانب آخر، قد قادا إلى استفحال الظاهرة اجتماعيا، وأن المعالجة تكمن بالأساس في التماس حل للسببين المذكورين. عن مواقع ميدل إيست أون لاين وإسلام أون لاين وصحيفة الاتحاد الإماراتية إعداد حسن صابر