يمتلئ طريق الرئيس بشار الأسد نحو تحقيق انتصار نهائي في الحرب في سوريا بالألغام الدبلوماسية التي ستعقد محاولته لاستعادة "كل شبر" من البلاد، وقد ينتهي الأمر ببقاء مناطق كبيرة خارج سيطرته لأجل غير مسمى. وتسارعت مكاسب الأسد هذا العام في الصراع الذي بدأ في عام 2011. وساعدته القوة العسكرية الروسية والإيرانية في إلحاق الهزيمة بالمعارضة المسلحة في آخر معقل لها قرب العاصمة دمشق وفي مدينة حمص، وسمحت له باستعادة جنوب غرب البلاد في غضون أسابيع. وقلصت المعارضة المسلحة في وقت ما سيطرة الأسد لتقتصر على جزء صغير من سوريا، لكنها الآن لم تعد تشكل تهديدا عسكريا لحكمه. وبمساعدة حلفائه، يسيطر الأسد حاليا على معظم البلاد ويدعو المستثمرين من الدول "الصديقة" إلى المساعدة في إعادة الإعمار. وأعلن حلفاؤه الروس عودة "الحياة الطبيعية" ويدعون اللاجئين إلى العودة لبلادهم، قائلين إنه لا يوجد ما يخشونه من حكومة الأسد برغم استمرار فرار الكثيرين من المناطق التي تعود تحت سيطرته. لكن بدأ البعض في العودة بأعداد صغيرة وتسعى موسكو إلى مساعدة دولية لهم، إذ تأمل على ما يبدو من الدول الغربية التي كانت تؤيد المعارضة أن توجه الآن المساعدات إلى المناطق التي تسيطر عليها الحكومة فيما يؤدي إلى توزيع الأعباء. لكن في ظل هيمنة روسيا، لا توجد أي مؤشرات إلى انتقال سياسي من خلال المفاوضات وهو ما وصفه الغرب بأنه ضروري لتقديم الدعم وتشجيع الغالبية من اللاجئين في أوروبا والشرق الأوسط على العودة. واستعاد الأسد السيطرة على الحدود مع الأردن وفي هضبة الجولان التي تحتلها إسرائيل ويقول إنه سيمضي قدما. ولا يزال شمال سوريا كله تقريبا ومعظم شرق البلاد خارج قبضته. لكن تنتظره في تلك المناطق اختبارات جديدة، تتمثل في القوات التركية والأمريكية التي اقتطعت كل منها مناطق منفصلة للسيطرة في سوريا. وإلى حد بعيد ربما تقرر الأولويات الروسية، ولا سيما فيما يتعلق بالعلاقات مع تركيا، كيف ستسير الحرب هنا. وينطبق الأمر نفسه على الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي أعطى مؤشرات متضاربة بخصوص إلى متى ستحتفظ القوات الأمريكية بسيطرتها على مناطق واسعة من شرق وشمال شرق سوريا. وبدأ الأكراد المدعومون من الولاياتالمتحدة، والذين يشعرون بالقلق من حليفهم الذي يصعب التكهن بتصرفاته، يسلكون طريقا إلى المحادثات مع الأسد، سعيا منهم لتأمين حكمهم الذاتي. وقال نوح بونسي كبير محللي مجموعة الأزمات الدولة بشأن سوريا "الصراع يدخل مرحلة جديدة. لكن من الصعب قول إن الحرب تنتهي في الوقت الذي لا يزال فيه كل هذا الجزء الكبير من البلاد خارج سيطرة الحكومة". وأضاف "ولا يزال من غير الواضح أيضا إلى أي مدى يمكن ظهور تمرد في مناطق في سوريا تخضع للحكومة". وقتل متشددو تنظيم الدولة الإسلامية أكثر من 200 شخص في منطقة السويداء التي تسيطر عليها الحكومة الأسبوع الماضي. وتشير التقديرات إلى مقتل مئات الآلاف في الحرب. إنذار تركي وحدد الأسد هدفه التالي وهو محافظة إدلب التي تسيطر عليها قوات المعارضة. وقال الأسد لوسائل إعلام روسية الأسبوع الماضي "هدفنا الآن هو إدلب وإن لم تكن إدلب وحدها". ويسيطر على إدلب، التي تعد ملاذا للسوريين الذين فروا من قوات الحكومة في مناطق أخرى من البلاد، جماعات متعددة من المعارضة كثيرا ما حاربت بعضها البعض، بينما يقول المرصد السوري لحقوق الإنسان إن الجماعات المتشددة تملك السيطرة الأكبر، وإن التقديرات تشير إلى وجود آلاف المقاتلين الأجانب. وتقع إدلب ضمن قوس من الأراضي يمتد شرقا حتى نهر الفرات حيث تتمركز قوات تركية، التي تهدف لإبعاد جماعات كردية تراها تهديدا لأمنها القومي، ولمنع مزيد من السوريين من التسلل إلى أراضيها. وتستضيف تركيا حاليا نحو 3.5 مليون لاجئ. وبناء على اتفاق مع إيرانوروسيا، أقامت تركيا 12 نقطة عسكرية في إدلب ومناطق مجاورة لها. ويدق احتمال وقوع هجوم على إدلب جرس الإنذار في تركيا. وحذر مسؤول كبير في الأممالمتحدة من احتمال فرار 2.5 مليون شخص باتجاه الحدود في حال اندلاع هجوم. ويضغط الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لضمان عدم حدوث مثل هذا الهجوم. ونقلت صحيفة حريت التركية اليومية عن أردوغان قوله "بالطبع ليس من الممكن أن نقبل بهجمات من النظام على إدلب. لقد بحثت ذلك مع بوتين. وقد اتفقنا بالفعل على هذه المسألة"، مضيفا "أتمنى أن يقوم بما هو ضروري في هذا الشأن". ونشرت صحيفة الشرق الأوسط تفاصيل مقترح تركي لروسيا بشأن إدلب يتضمن فكرة أن يسلم مقاتلو المعارضة هناك أسلحتهم الثقيلة للجيش التركي. ومن المحتمل ألا يوافق الأسد على المقترحات التي تشمل أيضا إعادة تنظيم مقاتلي المعارضة ضمن 'جيش وطني'. وقال جوشوا لانديس الخبير في الشأن السوري ورئيس مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة أوكلاهوما "..عندما يقول الأسد إنه سيسترد كل شبر من التراب السوري فينبغي أن نصدق بأنه يعني ما يقول". المعارضة المسلحة تستعد وبرغم هذا يعتقد مصدر في تحالف يقاتل دعما للأسد أن من المستبعد أن يكون الهجوم على إدلب وشيكا، إذ قال إن "(الجانب) التركي راح يتابع إمساكها أكثر لأن الورقة بيده". وأضاف المصدر ذاته "العمل العسكري هو بعد خلط الأوراق والخروج من الاتفاق التركي الروسي الإيراني لتلك المنطقة". وقال العقيد مصطفى بكور القائد في جيش العزة، وهو من فصائل الجيش السوري الحر لرويترز في رسالة من شمال محافظة حماة "نحن في جيش العزة نتحسب لأي تصعيد، ونقوم بعمليات تحصين وإعادة انتشار وتوزيع القوات استعدادا لمعركة محتملة في المستقبل القريب"، مضيفا "نتوقع حصول تصعيد عسكري روسي". وقد يكون الهجوم على إدلب أصعب من الحملات الحكومية السابقة. فالإسلاميون الذين لهم الهيمنة في المحافظة أثبتوا أنهم من أشد المقاتلين في الحرب. وقال بونسي "أي هجوم ربما يدفع الجماعات التي تركز حاليا على الاحتفاظ بالأراضي في إدلب للشروع في حرب عصابات كان البعض في الحركة الجهادية يشجعونها على تبنيه منذ سنوات". *رويترز