يرى محللون أن الهدف من المحادثات المكثفة التي تجري بين روسياوتركيا هو الحؤول دون ان يتسبب الوضع الدقيق في محافظة إدلب السورية من إنهيار تعاونهما القائم بشأن سوريا، إلا أن مصير هذه المنطقة على المدى البعيد لا يزال يهدد مستقبل العلاقة بين هاتين الدولتين. وأطلق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره التركي رجب طيب اردوغان منذ اواخر العالم 2016، شراكة كانت مستبعدة لكنها تواصلت حتى الان، لتحقيق السلام في سوريا، رغم كونهما يدعمان أطرافا في سوريا على طرفي نقيض. ويواجه تعاونهما الآن أكبر اختبار فيما يتعلق بمحافظة ادلب المحاذية لتركيا والتي يريد الرئيس بشار الأسد استعادة السيطرة عليها لاستكمال سلسلة من النجاحات العسكرية. وشكلت إدلب خلال السنوات الأخيرة وجهة لعشرات الآف المقاتلين الذين رفضوا اتفاقات تسوية مع النظام. وتكدست فيها مشكلات التوصل لحل للحرب الاهلية المستمرة منذ سبع سنوات. والذي يزيد الوضع تفجرا في منطقة إدلب، توقع هجوم حكومي قد يكون قريبا، ومخاوف إزاء المزيج المتفجر المتواجد في المحافظة، من نازحين من مناطق سورية مختلفة، الى فصائل مقاتلة معتدلة وأخرى جهادية. ويدعم اردوغان فصائل معارضة للأسد، وكان انتقد بشدة بوتين خلال الأزمة التي أعقبت إسقاط طائرة حربية روسية من جانب تركيا في تشرين الثاني/نوفمبر 2015، قبل أن تتجه العلاقة مجددا نحو الانفتاح. لكن التنسيق المتزايد مع موسكو، والذي يشمل ايضا التعاون في مجالات الطاقة والتجارة والدفاع، يكتسي أهمية بالغة بالنسبة لأنقرة في وقت تسببت العلاقات مع الولاياتالمتحدة بانهيار قيمة الليرة التركية. وقال كريم هاس المحلل المختص بالعلاقات التركية-الروسية ومقره موسكو لوكالة فرانس برس إنه "لا يزال هناك أمل لموسكو في التوصل الى اتفاق مع انقرة يسمح للنظام السوري بالسيطرة على إدلب دون التسبب بأزمة جديدة مع تركيا". وقال إن موسكو تراقب عن كثب تطور العلاقات التركية-الأميركية، ويمكن أن تشن عملية واسعة "في اللحظة التي تكون فيها القيادة التركية بأمس الحاجة لدعم الكرملين في حال تفاقمت العلاقة بين تركياوالولاياتالمتحدة". وترأس وزير الخارجية التركي مولود تشاوش أوغلو الجمعة وفدا ضم وزير الدفاع خلوصي اكار ورئيس الاستخبارات هاكان فيدان إلى موسكو لمناقشة الوضع في إدلب ومسألة تسليم موسكو منظومة الصواريخ إس-400 لتركيا. وحذر تشاوش أوغلو من أن "حلا عسكريا" في إدلب التي يسكنها الآن 3,5 مليون شخص كما قال، سيؤدي إلى "كارثة" ويتسبب بموجة نزوح جديدة إلى تركيا التي لجأ إليها 3 ملايين سوري. لكنه قال أيضا إن "الجماعات المتطرفة والإرهابيين" في إدلب يجب أن "يتم القضاء عليهم" وذلك في تعليقات اعتبرت إشارة إلى أن انقرة يمكن أن تدعم تدخلا محدودا. وقال وزير الخارجية الروسي إنه يجب التفريق بين الفصائل المعتدلة والمتطرفين، مثل هيئة تحرير الشام التي تسيطر على معظم إدلب. وفي مؤشر على أهمية الزيارة استقبل الرئيس بوتين تشاوش اوغلو وأثنى على "التعاون الوثيق" بين البلدين في سوريا. وقال تشاوش اوغلو لبوتين "صديقك العزيز السيد اردوغان ينتظرك" في اسطنبول قريبا على مأدبة عشاء في مطعم سمك. وقال تيمور احمدتوف، الباحث في المجلس الروسي للعلاقات الدولية لوكالة فرانس برس ومقره انقرة إن "روسياوتركيا تحاولان التوصل الى اتفاق بشروط مناسبة للجانبين". وتوقع أن تشن روسيا والنظام السوري "هجوما محدودا" على مجموعات مرتبطة بهيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقا) — خصوصا فصائل أثارت غضب موسكو بشنها هجمات بطائرات بدون طيار على قاعدة حميميم، قلب العمليات العسكرية الروسية في سوريا. وأضاف أحمدتوف أن "روسيا تحاول أن تشجع تركيا على جعل الفصائل تساهم في الهجوم على أن يتم بالمقابل تحييدها من الضربات الجوية". ولكن كما هو الحال دائما بالنسبة لإدلب فإن هجوما محدودا سيؤدي فقط إلى تجنب الموضوع الرئيسي موقتا، وهو من سيسيطر على المحافظة على المدى البعيد وفي مرحلة ما بعد الحرب بنهاية الأمر. وقالت اليزابيث تيومان، المحللة لشؤون تركيا في معهد دراسات الحرب لوكالة فرانس برس إن "الروس والأتراك قد يعملان للتوصل الى اتفاق طويل الأمد مقبول من النظام في شمال غرب تركيا". وأقامت تركيا 12 نقطة مراقبة نشرت فيها الجيش، بهدف مراقبة منطقة خفض التوتر في منطقة ادلب وأيضا لحماية مصالح أنقرة. وقالت تيومان إن اردوغان يمكن أن يفكر في هجوم محدود محتمل — مع تلاقي المصالح التركية والروسية الان حول منع تدفق للاجئين والدعوة لإعادة الإعمار في إدلب. وقالت إن المحادثات الراهنة لا تشي حتى الان ب"تدهور وشيك" بين موسكووانقرة، لكنها حذرت قائلة إن "تطلعات تركيا تقف على نقيض أهداف الأسد وهي سحق ما تبقى من المتمردين". توسيع الدائرة الدولية تعقد تركيا وإيران وروسيا قمتها الثلاثية المقبلة حول سوريا في 7 سبتمبر في إيران، على ما أعلن التلفزيون الرسمي التركي "تي آر تي" الاثنين. وأوضح التلفزيون أن "الرئيس التركي رجب طيب إردوغان سيتوجه الى ايران في 7 سبتمبر لاجراء محادثات حول سوريا وسيحضر القمة مع روسياوايران". ويأتي ذلك فيما تتجه الأنظار حاليا الى إدلب الواقعة في شمال غرب سوريا على الحدود مع تركيا، في ظل استعدادات عسكرية تقوم بها قوات النظام لشن هجوم ضد آخر أبرز معاقل الفصائل وهيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقا). في موسكو أعلن المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف ان "القمة الثلاثية قيد التحضير" وذلك ردا على أسئلة الصحافيين الاثنين مضيفا "يمكن ان تعقد في طهران". ومحافظة ادلب جزء أيضا من "مناطق خفض التوتر" التي أقيمت في سوريا في ختام مفاوضات السلام في استانا التي جرت برعاية روسياوتركياوايران. خلال زيارة الى موسكو الاسبوع الماضي، حذر وزير الخارجية التركي مولود تشاوش اوغلو من "كارثة" محتملة في حال اللجوء الى "حل عسكري" في ادلب. من جهتها أفادت شبكة "إن تي في" الخاصة أن القمة ستعقد في تبريز (شمال) وليس في طهران. وكان الناطق باسم الرئاسة التركية ابراهيم كالين اعلنت في منتصف اغسطس ان هذه القمة ستعقد "في الاسبوع الاول من سبتمبر". وأعلن اردوغان في نهاية يوليو انه يرغب في أن ينظم قمة حول سوريا في تركيا مع موسكو وباريس وبرلين في 7 سبتمبر. لكن بحسب معلومات صحافية نشرت في الاسابيع الماضية، يبدو من غير المرجح ان تعقد مثل هذه القمة وستحل مكانها القمة الثلاثية في ايران. وتسيطر هيئة تحرير الشام على الجزء الأكبر من محافظة إدلب، بينما تتواجد فصائل إسلامية ينضوي معظمها في إطار "الجبهة الوطنية للتحرير" وبينها حركة أحرار الشام، في بقية المناطق. وتنتشر قوات النظام في الريف الجنوبي الشرقي. حياة تحت القصف كان خالد الإدلبي منهمكا بالعمل في منزله حين وصلته رسالة عبر الهاتف جعلته يقفز من مكانه مسرعا للإبتعاد عن المنطقة، وما هي إلا دقائق حتى استهدفت غارة جوية بيت جيرانه في محافظة إدلب في شمال غرب سوريا. قبل عامين أطلق شابان أميركيان وآخر سوري نظاما أطلقوا عليه "مرصد سوريا" هدفه تنبيه السوريين من أي طائرة حربية تتجه نحوهم، ما يتيح لهم الفرار من أي مكان قد يكون وجهة لها. وستساعد هذه الدقائق الإضافية الحاسمة التي يمنحها نظام الإنذار في إنقاذ أرواح المدنيين عند شن النظام هجومه المتوقع على محافظة إدلب، اخر معاقل الفصائل المقاتلة. ويعتمد النظام على مراقبين على الأرض وأجهزة إستشعار لرصد انطلاق الطائرات الحربية السورية والروسية التي تقصف مناطق سيطرة الفصائل المعارضة في سوريا. وما أن يتم رصد طائرة ما، حتى يطلق النظام صفارات إنذار في المنطقة المعنية كما يرسل رسائل تحذيرية عبر تطبيقات مختلفة على الهواتف الخلوية. سمع خالد الإدلبي (23 عاما ) بخدمة "مرصد سوريا" من أحد أصدقائه، وقد نجحت فعلا في إنقاذه من القصف في بلدة معر شورين في ريف إدلب الجنوبي. ويقول الناشط الاعلامي لوكالة فرانس برس "كان للخدمة فضل كبير علي (…) أثناء تواجدي في المنزل وصلني تنبيه على تطبيق تلغرام يفيد بأن الطيران الحربي أقلع من جديد تجاه المنطقة ذاتها". ويضيف "غادرت فورا ، وبعدما قطعت مسافة كيلومتر واحد تقريبا استهدفت غارة منزل جيراننا". وأصيب جراء الغارة ثلاثة أطفال، وفق إدلبي الذي توقع أن 15 شخصا قد يكونوا لاذوا بالفرار بعد تلقيهم التحذير من خدمة "مرصد سوريا". أطلقت خدمة "مرصد سوريا" في غشت العام 2016 بالشراكة مع منظمة "الخوذ البيضاء"، الدفاع المدني في مناطق المعارضة، لتتحول لاحقا إلى خدمة لا بد منها عند الكثير من السوريين في مناطق سيطرة الفصائل. ويعتز مهندسو الخدمة بها خصوصا بعد نجاحها خلال حملة القصف العنيف التي تعرضت لها الغوطة الشرقية قرب دمشق العام الحالي قبل أن تتمكن قوات النظام بدعم روسي من استعادة السيطرة عليها في أبريل الماضي. ويقول جون ياغر، أحد مؤسسي شركة أنظمة "هالا" التي طورت النظام المستخدم في "مرصد سوريا"، لفرانس برس "شهدنا ارتفاعا كبيرا في استخدامها مع تزايد حملة القصف" في الغوطة الشرقية. وأسفر القصف الجوي في الغوطة الشرقية عن مقتل 1700 مدني، وفق حصيلة للمرصد السوري لحقوق الإنسان. وياغر دبلوماسي أميركي سابق ومبرمج الكتروني يصب جام اهتمامه في البحث عن وسائل تحمي المدنيين في سوريا، ومن هنا وضع نظام "مرصد سوريا" بالتعاون مع رجل الأعمال دايف ليفين ومبرمج سوري لم ي كشف عن هويته. ويتطلب النظام الممول حاليا ، وفق ياغر، من بريطانيا وكندا وهولندا والدنمارك تدخلا من أشخاص على الأرض لمراقبة حركة الطيران من جهة ووضع أجهزة الاستشعار من جهة ثانية. ولذلك لم تشمل الخدمة مناطق سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية والتي تستهدفها غارات التحالف الدولي بقيادة واشنطن وأسفرت أيضا عن مقتل مدنيين. وتقدر شركة أنظمة "هالا" أن "مرصد سوريا" متوفر لحوالى مليوني شخص في سوريا، غالبيتهم في محافظة إدلب، آخر أبرز معاقل الفصائل المقاتلة وهيئة تحرير الشام (النصرة سابقا ). وبرغم عدم توفر إحصائيات دقيقة، يقول ياغر إن تحليل البيانات أظهر أن "مرصد سوريا" خفض قتلى الغارات بنسبة 27 في المئة. ويمنح التحذير للمدنيين، الذين يعتمدون على خدمة "مرصد سوريا" إن كان عبر صفارات الإنذار أو وسائل التواصل الاجتماعي او محطات الراديو، معدل حوالى ثماني دقائق للفرار، وفق ياغر. ول"مرصد سوريا" حسابات على وسائل التواصل الاجتماعي، فعلى موقع تويتر ينشر تغريدات متتالية عن حركة الطيران، على الشكل التالي "4:08: مطار حميميم – الآن طائرة حربية روسية تحلق باتجاه جنوب شرق". ولمنظمة "الخوذ البيضاء" دور في تطوير هذه الخدمة خصوصا أنها تمنح طواقمها بعض الوقت للتجهيز قبل التدخل في منطقة معينة. ويقول إبراهيم أبو ليث، منسق الإنذار المبكر في الشمال السوري في المنظمة، "يحاول التقنيون التابعون للدفاع المدني السوري تطوير هذه الخدمة بحيث تصل للمدنيين حتى من دون إنترنت". وتقوم المنظمة أيضا بحملات توعية للترويج لنظام "مرصد سوريا"، وقد أجرت مؤخرا أكثر من 190 جلسة توعية في غالبية مناطق سيطرة الفصائل في شمال سوريا، وفق أبو ليث. وأسفر النزاع السوري منذ العام 2011 عن مقتل أكثر من 350 ألف مدني، وفق حصيلة للمرصد السوري لحقوق الإنسان، وبين هؤلاء نحو 33 ألف مدني في قصف روسي وسوري. لم يرصد ياغر أي محاولة لتعطيل "مرصد سوريا" خصوصا من قبل قوات النظام، بل يوضح "لا يقولون إنهم يدعمونه لكن أعتقد أن عليهم أن يقوموا بذلك، فلا أحد يهدف إلى قتل أكبر عدد ممكن من المدنيين". ويضيف "إذا أرادت الطائرات الحربية الروسية او التابعة للحكومة استهدافك، فإن الخدمة لا تستطيع القيام بالكثير. كل ما نريده هو تفادي سقوط القتلى بأكبر قدر ممكن".