أكد مختص في ملف التنصير على وجود تقصير واضح في تعاطي المغرب مع قضية التنصير، داعيا إلى إحداث مرصد وطني لمقاومة التنصير داخل المجتمع الذي أضحى تربة خصبة للمنصرين، بسبب ضعف التكوين الديني والعلمي لضحاياهم من الشباب المغربي. وسبق للمغرب أن طرد منصرا أمريكيا منذ عدة أشهر، ضُبط حينها وهو يرتكب مخالفة التنصير، فضلا عن طرد عدة منصرين أجانب كانوا ينشطون في مجال التبشير في بعض القرى بمنطقة الأطلس المتوسط، مستغلين فقر العائلات والأطفال اليتامى. ويعاقب القانون الجنائي المغربي بالسجن، من ستة أشهر إلى ثلاثة أعوام، كل شخص "استعمل وسائل إغراء لزعزعة عقيدة مسلم أو تحويله إلى ديانة أخرى، وذلك باستغلال فقره وضعفه، أو حاجته إلى المساعدة أو العلاج.. اتهامات أمريكية ورغم تأكيد وزارة الخارجية الأمريكية، في تقريرها السنوي الأخير حول الحريات الدينية بالعالم، على أن الحكومة المغربية تحرص على احترام حق أغلب المواطنين في ممارسة شعائرهم الدينية، فإنها لم تتورع في الانتقاد الحاد لسياسة الحكومة لكونها "لا تشجع المغاربة على التحول عن الإسلام، وتمنع التنصير في أوساط المسلمين..". واسترسل التقرير بالقول: "يتيح القانون بالمغرب للشخص السني المالكي بتبشير الآخرين، غير أنه لا يسمح تماما لجهود التبشير بين المسلمين السنيين المالكيين"، مضيفا أن لا شيء تغير في معاملة السلطات المغربية إزاء الحريات الدينية في البلاد. ويشرح معدو التقرير الأمريكي الرسمي بأنه "ما يزال بعض المسيحيين المغاربة يتعرضون لمضايقات من طرف رجال الشرطة، وتستمر السلطات التنفيذية في تقييد توزيع المواد الدينية غير الإسلامية"، في إشارة إلى الأقراص المدمجة والكتب والمطويات والأفلام التي تحث وتدعو إلى التنصير.. وأفاد المصدر ذاته بأن هناك ما سماه "انتهاكات مجتمعية" أو "تمييز على أساس الانتماء الديني، أو المعتقد، أو الممارسة من طرف غير المنتمين إلى المذهب المالكي"، مردفا أن الأمر يرتبط بالأساس بالأشخاص الذين تحولوا من الإسلام إلى ديانات سماوية أخرى، بينما يعيش اليهود في المغرب في أمان في جميع أنحاء البلاد، بحسب ما جاء في التقرير الأمريكي. وقدم تقرير الخارجية الأمريكية بعض الإحصاءات المتعلقة بعدد المسيحيين المغاربة وغير ذلك، حيث أورد أن 98.7 في المائة من المغاربة مسلمون، و1.1 في المائة مسيحيون، و0.2 في المائة يهود، وأن عدد أفراد الطائفة المسيحية من الكاثوليك والبروتستانت يناهز حوالي 5 آلاف شخص. وبخصوص مكان تواجد المسيحيين الأجانب في المغرب، أشار التقرير إلى أنهم يقيمون خاصة في مدن الدارالبيضاء وطنجة والرباط، بينما يناهز المسيحيين الأمازيغ حوالي 4 آلاف شخص، وأغلبهم يتواجدون في جنوب البلاد. الفوضى الخلاقة ويعلق أنور الحمدوني، الباحث المتخصص في دراسة التنصير، على محتوى هذا التقرير السنوي الصادر عن الإدارة الأمريكية بالقول إن ما يثير الانتباه في السنوات الأخيرة هو أن موضوع التنصير قد أصبح فعلا أولوية من أولويات السياسة الخارجية للولايات المتحدة، وجزءا من أجندتها خصوصا في بلدان العالم الإسلامي، ومنها المغرب، وذلك منذ وصول المحافظين الجدد إلى مراكز متقدمة في النفوذ والسلطة، وابتداعهم لهذا النوع من التقارير كأداة لصبغ سياسة بلادهم برؤية ومنظور الحركة الإنجيلية الأمريكية ذات الأهداف التوسعية المعلنة. وتابع الحمدوني، أن الملاحظ أن ما تم تسريبه مؤخرا من وثائق الخارجية الأمريكية التي هي عراب هذا التقرير بواسطة موقع ويكيليكس، يكشف عن النفاق الأمريكي في التعامل مع الشأن الديني. ويشرح المتحدث: في الوقت الذي كشفت فيه إحدى الوثائق عن قيام مسؤول مما يسمى بمكتب الحرية الدينية الدولية الملحق بالخارجية الأمريكية بزيارة إلى المغرب نهاية سنة 2008 ولقائه مع مسؤولين حكوميين ورؤساء مجالس علمية، للضغط من أجل تسهيل مأمورية ما يسمى بالمبشرين، بل ولقائه أيضا مع متنصرين مغاربة للتعرف على كيفية سقوطهم في فخاخ التنصير، وكذا إشعارهم بأنهم محميون ومحل عناية واهتمام من أكبر دولة في العالم، في هذا الوقت نجد هذه الدولة نفسها تضغط بواسطة دبلوماسييها في الرباط على بلد يُصنف كصديق وحليف لها من أجل عدم التصويت بالإيجاب على مشروع قرار في الأممالمتحدة بتجريم الإساءة إلى الأديان وازدرائها. وخلُص الحمدوني إلى أن هذا الأمر يطرح أكثر من سؤال حول الأهداف الحقيقية لتقرير الحريات الدينية، ويبين بوضوح أنه وسيلة مبتكرة لنشر ما سموه بأنفسهم (الفوضى الخلاقة)، وشرعنة تدخلهم في شؤون غيرهم . وتساءل الحمدوني: هل الحرية الدينية تكمن في التغاضي عن خروقات وتصرفات منافية لكل القوانين والأخلاق والقيم الإنسانية يقوم بها المنصرون؛ بما في ذلك استغلال الأطفال والقاصرين، وذوي الاحتياجات من المعوزين والفقراء. مراكز التنصير بالمغرب وأفاد الحمدوني بأن مراكز التنصير بالمغرب يمكن تقسيمها إلى مراكز رئيسية ومواقع فرعية، موضحا أن مدينة الدارالبيضاء، الرئة الاقتصادية للبلاد، تعد أكثر المدن أهمية للنشاط التنصيري، نظرا لكبرها وكثافتها السكانية وتعدد مداخل التحرك فيها. وأشار إلى أنه قد سجل إلى عهد قريب أن معظم النشطاء في منظمة تنصيرية تدعى (الحملة الجامعية من أجل المسيح) campus crusades for christus، يتمركزون في هذه المدينة الحيوية، والتي ترتبط بعلاقات تواصل مع معظم المدن المغربية.. أما المدينتان المغربيتان سبتة ومليلية، المحتلتان من طرف اسبانيا، يضيف الحمدوني، فقد اتخذتهما الشبكات التنصيرية بمثابة القواعد الخلفية لتوفير الدعم اللوجستي للنشاط التنصيري في مجموع التراب المغربي، وفي المناطق الشمالية المحاذية، وخصوصا في مدن الحسيمة والناظور وتطوان والعرائش. واسترسل الحمدوني: هناك مركز مدينة مكناس، وسط البلاد، الذي يقوم بأعمال ذات طبيعة اجتماعية، ويشرف على مدينة خنيفرة، ومنطقة الأطلس المتوسط التي انكشفت فيها مجموعة المنصرين في قرية عين اللوح خلال سنة 2010 ، مردفا أنه من المراكز المعروفة أيضا مدينة أكادير، وتتبعها خلايا تنصيرية في مدينتي تارودانت وورزازات بالجنوب، دون أن ننسى تواجد مراكز نشيطة أخرى في طنجة ومراكش والرباط وسلا.. تقصير ..ومرصد وحول تعاطي المغرب مع ملف التنصير بالبلاد، أجاب الخبير بأن المؤكد وجود تقصير واضح في التعاطي مع قضية التنصير في المجتمع المغربي، موضحا أنه لا يقصد الناحية الأمنية، وإنما المقاربة الإستراتيجية الشاملة ذات البعد الوطني، بهدف حماية النسيج الاجتماعي للبلد من التفكك والانفجار.. وتابع الحمدوني قائلا: لم نسمع عن أي رد أو تعليق من طرف المجالس العلمية على ما ورد في تقرير الحريات الدينية الأمريكي، عكس ما قام به الأزهر مثلا في وقت سابق، حين فند دعاوى هذا التقرير للخارجية الأمريكية عن التمييز ضد الأقباط وقضايا أخرى، وهو ما يمكن أن يؤخذ بعين الاعتبار في تقارير لاحقة. وأبدى المتحدث حسرته من أن يُفضي الضغط الذي مارسه الدبلوماسيون الأمريكيون إلى توقيف مجلة (المجلس) الصادرة عن الكتابة العامة للمجلس العلمي الأعلى، وهي أعلى مؤسسة علمية رسمية في البلاد وتختص بالإفتاء، لمجرد تخصيصها ملفا نقديا عن التنصير، مضيفا أن الأمريكيين رغم هذا التدخل المفضوح يتحدثون عن الحرية الدينية بكل دهاء. ودعا الخبير المغربي إلى تجميع جهود العلماء والدعاة والباحثين في مرصد وطني لمقاومة التنصير، حيث لا يكتفي بالمتابعة والملاحظة كما هو الشأن حاليا، وإنما يضع البرامج والخطط العلمية المدروسة للحماية، والتوعية، والرد على شبهات المنصرين، التي وجدت تربة خصبة في ضعف التكوين العلمي والديني لضحاياهم، وفق تعبير الحمدوني.