يحذر عدد من الخبراء والباحثين من خطورة حملات التنصير التي تقودها عدد من الحركات التنصيرية بهدف خلق أقليات داخل بلدان المغرب العربي، وذلك في أفق زعزعة استقراره، وتتشابه دول المغرب العربي الخمسة من حيث التهديد الذي يواجهه السكان والبنية التي تستغلها هذه الحركات التنصيرية لكنها تختلف من حيث حجم تغلغل هذه التيارات في صفوف المواطنين وكذا الاعتراف الرسمي بوجود هذا الخطر خاصة إذا علمنا أن هناك خطة موحدة للتبشير في المغرب العربي، تقول بعض التقارير غير الدقيقة، إن حجم الإنفاق عليها في المنطقة يفوق 300 مليون دولار سنويا. ورغم أن جميع دول المغرب العربي تتوفر على ترسانة قانونية لحماية مواطنيها، الذين يعتنق أغلبيتهم الدين الإسلامي، من أي نشاط يستهدف المس بعقيدتهم إلا أن ذلك لم يعد كافيا لوقف الزحف التنصيري الذي يجد الفرص مواتية في بيئة الفقر والجهل وكذا ضعف الاستقرار الهوياتي لدى الشباب. المغرب .. تطور في المستهدفين على مدى السنوات الأخيرة تزايد الوعي داخل المغرب بخطورة الحركات التنصيرية، وبعد أن كان عملها سريا ووعي المجتمع المدني والجهات الرسمية محدودا، حدث تحول ملحوظ في التعاطي مع الاختراقات التنصيرية والتي تتخذ من الجمعيات الخيرية والاجتماعية والعمل التنموي ستارا من أجل اللعب بعقول الشباب والأطفال على الخصوص وتغيير عقائدهم، وقد شهدت السنة الماضية عددا من الأحداث التي تنم عن هذا الوعي منها تفعيل النصوص القانونية بخصوص طرد المنصرين وكذا توجه عدد من الجمعيات المدنية والمجالس العلمية الى فتح النقاش حول التنصير ورصد الظاهرة ومدى عمقها وتأثيرها في المغاربة والعمل على تأطير المواطنين في المساجد من خلال دروس الوعظ والإرشاد حول الموضوع في الوقت الذي توصف به هذه الخطوات بكونها ''محتشمة'' خاصة في ظل تهوين الجهة المعنية بالشان الديني بخطورة الوضع وهو ما عبر عنه أحمد التوفيق وزير الشؤون الإسلامية في المغرب في أكثر من مناسبة أن يكون الأجانب المقيمون بالمغرب يمارسون أي نشاط مرتبط بالتنصير. لا توجد أرقام رسمية في المغرب حول عدد المنصرين والمتنصرين لكن بعض الباحثين والمصادر الإعلامية يقدمون أرقاما تقديرية، فصحيفة لموندو الفرنسية الواسعة الانتشار اعدت تقريرا حول موضوع المسيحيون الجدد في المغرب العربي وقالت فيه إن المغرب يحتضن 800 منصر من بلدان اجنبية مختلفة وينشطون في مختلف مناطق المغرب. تقرير الخارجية الامريكية حول الحريات الدينية ,2010 تحدث استنادا إلى ما سماه ممثلي الجاليات المسيحية عن وجود 400 من المسيحيين المغاربة المحليين وأغلبهم أمازيغ ، مقابل ذلك، يقدر بعض ممثلي الجالية المسيحية أن عدد المسيحيين المحليين في المغرب يتجاوز 8000 مسيحي. لكن الجديد في سنة 2010 كان هو الكشف عن محاولات الحركات التنصيرية استهداف الأطفال، وهكذا قامت السلطات المغربية في مارس الماضي بطرد قرابة 16 أجنبيا يعملون يشرفون على تسيير دار للأيتام بجماعة عين اللوح باقليم افران، كانوا يستغلون الوضعية الاجتماعية لبعض العائلات ويتكفلون بأطفالهم ويعملون تحت غطاء هذا العمل الخيري في توسيع نشاطهم التنصيري. وفي نفس الشهر وجه والد أحد تلاميذ أكاديمية جورج واشنطن بالدار البيضاء شكاية ضد هذه المؤسسة يتهمها بغسل دماغ ابنه وتنصيره مما تسبب له بمشاكل نفسية وعاطفية، بعد ذلك تواترت الاحداث لتكشف على أن الاكاديمية تشتغل كغطاء استغله عدد من المنصرين النشطين لتمرير رسالتهم وزعزعة عقيدة الاطفال. وفي الوقت الذي لم يعلن فيه المغرب سوى عن طرد قرابة 20 شخصا إلا أن صحيفة ''إلباييس'' تحدثت في أحد تقاريرها عن طرد 130 منصرا من جنسيات مختلفة خلال أربعة أشهر، معظمهم كانوا يعملون في التدريس أوفي المنظمات الخيرية. ورغم أن القانون الجنائي المغربي يعاقب بالسجن من ستة أشهر إلى ثلاثة أعوام لكل من ''استعمل وسائل إغراء لزعزعة عقيدة مسلم أو تحويله إلى ديانة أخرى، وذلك باستغلال فقره وضعفه أو حاجته إلى المساعدة أو العلاج'' فإن السلطات المغربية اكتفت بترحيل المنصرين خارج التراب المغربي تجنبا لأية تداعيات سياسية لهذا الموضوع. الجزائر.. تغلغل فاضح في أفق خلق أقلية يعود نشاط الحركات التنصيرية في الجزائر إلى بداية الاستعمار عام 1830م، وبالتوازي مع الاستعمار الاقتصادي ذهب الفرنسيون الى تحويل عدد من المساجد إلى كنائس وعملوا على إلغاء التعليم الديني واللغوي وحاربوا الزوايا، وانتشر القساوسة بين سكان القبائل البسطاء من أجل إقناعهم بوجود عداوة تاريخية بين الإسلام والأمازيغية وذلك عملا بالمثل الشائع ''فرق تسد''، وهكذا وبمرور عقود تغير الوضع بالجزائر حتى بعد نيلها استقلالها، وقد نتج عن هذه السياسة حسب وكالة ''الأسوشيتد برس'' عام 2004م ظهور 15 كنيسة في مدينة ''تيزي أوزو''، وصار نحو 30 بالمائة من سكان منطقة القبائل روادا لتلك الكنائس، يتوصلون بشكل دوري بأناجيل وأقراص مدمجة حول حياة المسيح والمسيحية وكل ذلك باللغة الأمازيغية. موضوع التنصير في الجزائر لم يعد عملا سريا، بل إنه تحول إلى ظاهرة عكف عدد من الباحثين على رصدها وتحليلها ودراستها، وكشفت دراسة أعدها ثلاثة باحثين جزائريين عن ارتفاع معدل التنصير في الجزائر حتى إن عدد المرتدين عن الإسلام بلغ 10 آلاف شخص، بمعدل 6 أشخاص في اليوم معظمهم من الشباب. وحسب تقرير الحريات الدينية الذي تصدره الخارجية الأمريكية، فإن فئة ''غير المسلمين'' في الجزائر بلغت نصف مليون شخص يرتادون 300 كنيسة أغلبها في منطقة القبائل. ويقول تقرير آخر أعدته باحثتان جزائريتان، إن المنصرين تغلغلوا في مناطق الجنوب الجزائري وصاروا يشاركون الأهالي أكلهم وشربهم ويتحدثون لهجتهم ويمتهنون رعيهم بل إن من نسائهم من تتبادل الزيارات مع نساء قبائل ''الطوارق'' بغية تنصيرهن! وحسب نفس التقرير، فإن نسبة المرتدين في منطقة ''تيميمون'' الواقعة في الجنوب الجزائري، بلغت 5 بالمائة بزيادة 3 بالمائة مقارنة بالسنوات الماضية. الجزائر تتوفر على قانون ينظم الشعائر الدينية وهو القانون الصادر بموجب الأمر الرئاسي (06 - 03) والذي صادق عليه مجلس الوزراء في 27 فبراير 2006م وأورد عقوبات ردعية ضد المنصرين الذين يتخفون وراء حرية المعتقد لفتنة الجزائريين. وحدد القانون العقوبات بالسجن الذي يتراوح مابين 2 إلى 5 سنوات وغرامة مالية من 500 ألف إلى مليون دينار جزائري، لكن رغم ذلك فإن الواقع يكشف عن تغلغل مخيف للتيارات التنصيرية في الجزائرية، وسعيها الحثيث لخلق أقلية مسيحية محلية في الجزائر . تونس .. التقارير تحذر والدولة تنفي رغم أن القانون التونسي يمنع التنصير و يعاقب عليه، وتم ترحيل منصرين في عدد من المناسبات ومصادرة كتب تنصيرية وأقراص مدمجة، إلا أن النشاط التنصيري لم يتوقف وما زال مستمرا، بل جدد في آليات اشتغاله حيث أصبح دعاة النصرانية اليوم في تونس هم شباب من هذا البلد الذي تم غسل دماغهم فارتدوا عن الاسلام سواء داخل إقامتهم في تونس أو خلال مقامهم في دول المهجر. ورغم غياب الأرقام الرسمية، فإن مطران الكنيسة الكاثوليكية في تونس صرح لوكالة الأنباء الإيطالية أن عدد النصاري في تونس يبلغ 22 ألف نصراني من بينهم أوروبيين وتونسيين دون أن يذكر عدد التونسيين منهم. فيما نشرت مجلة ''جون أفريك'' تقريرا قالت فيه إن عدد الذين تنصروا السنوات الفائتة في تونس بلغ 500 تونسي في حين أن لجنة مكافحة التمييز و العنصرية في الأممالمتحدة تشير أن عدد المسيحيين التونسيين يُعد بالآلاف وثمة تقارير غير رسمية قالت أنها في حدود 14 ألف. ورغم أن الأرقام تبدو متباينة وقد لا تعبر عن حقيقة الوضع، إلى أن الواقع الثابت أن التنصير يُمثل خطرا يهدد تونس خاصة في ظل سعي الدولة إلى خلق مسافة بين المواطنين وهويتهم الدينية. مجلة الحقائق التونسية نشرت تحقيقا عن الموضوع في سنة 2008 أشارت فيه إلى أن تونسيين، خاصة من الشباب وطلاب الجامعات، يقبلون على التحول للمسيحية والقيام ب''حملات تنصير في محيطهم'' مضيفة أن مجموعة منهم أسست موقعا على شبكة الإنترنت لهذا الغرض أطلقت عليه اسم ''البشارة''. في حين تنفي السلطات التونسية بشدة أن يكون هناك من التونسيين من تنصر، وتشير إلى أن عدد المسيحيين في تونس يناهز 20 ألفاً كلهم أجانب، فيما تشير وزارة الشؤون الدينية التونسية إلى أن عدد الكنائس المنتشرة في تونس يصل إلى 11 كنيسة. ليبيا.. عمل منظم أم حالات فردية آخر تطورات الاستهداف التنصيري لليبيا كان منذ أيام، ففي العاشر من يناير الجاري نظم عدد من الإيطاليين المنتمين لحزب ديني مظاهرة احتجاجية أمام السفارة الليبية في العاصمة الايطالية روما، وطالب المتظاهرون الحكومة الليبية بضمان حرية الدين والمعتقد في ليبيا، كما طالبوا بحرية التنصير في ليبيا، متحججين أنه كما قام القائد معمر القذافي بزيارة روما ودعوة عدد من النساء الايطاليات لاعتناق الاسلام وتوزيعه عدد من نسخ القرآن، فإنهم يريدوا لليبيا أن تفتح الباب أمام حملات التنصير لدخول البلاد وضمان الحرية الدينية التي يرون أنها غير مكفولة في ليبيا بحسب، زعمهم. وفي تصريحه للجزيرة نت استبعد الحقوقي رئيس قسم الحوادث في صحيفة ''قورينا'' مفتاح بوزيد وجود عمل تنصيري منظم بليبيا، لكنه لم ينف أن تكون ليبيا تتعرض لحملة تنصير. وذكر أن القضايا المنظورة حاليا أمام القضاء لا يوجد بينها ترابط، ورجح أن تكون أفعالا ''فردية''. ورجح بوزيد أن يكون لتدفق آلاف المهاجرين غير الشرعيين دور في هذه الجهود التنصيرية. هذا ويجرم القانون الليبي الردة عن الدين الإسلامي، وتصل العقوبة إلى إسقاط الجنسية الليبية. موريتانيا.. معطيات شحيحة ووعي حديث الحديث عن موضوع التنصير في موريتانيا حديث العهد، وقد طفا على السطح لأول مرة في أكتوبر الماضي عندما أصدرت محكمة الجنايات بنواكشوط حكما بالسجن سنتين نافذتين في حق المتهم عبدالقادر الجزائري الملقب ''أبو حمزة'' بتهمة التخابر مع جهات أمنية خارجية على رأسها المخابرات الإيطالية، وقد اعتقل المتهم بعيد مقتل الأمريكي ''اكريتستوف ليجيت'' من قبل أفراد من تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي سنة ,2009 حيث كان يعمل معه سكرتيرا عاما في منظمته ''نور للمعلوماتية''، لتتكشف أول خيوط ملف التنصير التي يقول البعض إنها تجاوزت الحد العادي لها في بلد مسلم كموريتانيا. والمصادر في موضوع التنصير في موريتانيا شحيحة، إذ لا تكاد تجد أية معطيات عن أهداف المنظمات التنصيرية وحتى أنشطتها وخصوصا على مستوى البرامج التنصيرية أو المصادر المالية أو الميزانيات وذلك نظرا لحساسية الموضوع غير أنه واعتمادا على المتوفر من المعلومات فإن هذه المنظمات ناشطة بحماس وتجد تجاوبا من المجتمع بسبب عوامل الفقر والجهل والمرض.