النمسا تكشف عن موقفها من قرار محكمة العدل الأوروبية    برقية تعزية ومواساة من جلالة الملك إلى أفراد أسرة المرحومة الممثلة القديرة نعيمة المشرقي    مغاربة يتظاهرون بالآلاف في الرباط لوقف "الإبادة الإسرائيلية" في غزة ولبنان    رسميا.. ريال مدريد يمدد عقد كافاخال حتى عام 2026    ولي العهد الأمير مولاي الحسن يترأس بالجديدة نهائي النسخة السابعة من الجائزة الكبرى لجلالة الملك محمد السادس للتبوريدة    فلسطيني يحمل الجنسية الإسرائيلية يقتل مجندة إسرائيلية ويصيب 9 آخرين في بئر السبع    إثر تهجمه على ماكرون.. الإليزيه: تصريحات نتنياهو "مبالغ فيها"    فخ "الموساد" القاتل .. هكذا تحولت أجهزة اتصالات "حزب الله" إلى قنابل موقوتة    زراعة الفستق تزدهر في إسبانيا بسبب "تكيّف" الأشجار مع التغير المناخي    استقرار سعر صرف الدرهم مقابل الأورو وتراجعه أمام الدولار    كارفاخال يخضع لعملية جراحية بعد إصابته الخطيرة    موكوينا: غياب الجمهور غير مقبول بالمغرب    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الاثنين    الملك يعزي أسرة الفنانة نعيمة المشرقي    استبعاد شخصيات ريفية من اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال يثير الجدل    التنسيق النقابي بقطاع الصحة يكشف تفاصيل لقائه مع وزارة الصحة لتنفيذ اتفاق 23 يوليوز 2024    أستاذ جامعي يلجأ للقضاء بعد تعرض حساباته ومجلته الأكاديمية للقرصنة والاختراق الإلكتروني    تصفيات "كان" 2025.. نفاذ تذاكر مباراة المغرب وإفريقيا الوسطى بعد يوم من طرحها        إعطاء انطلاقة خدمات مصالح حيوية بالمركز الاستشفائي الجامعي الحسن الثاني    الآلاف يخرجون في مسيرة في الرباط تضامنا مع غزة وبيروت    مشروع لغرس 500 هكتار من الاشجار المثمرة ب 6 جماعات باقليم الحسيمة    غوتيريش يدعو إلى وقف "سفك الدماء" في غزة ولبنان    انتخابات رئاسية باهتة في تونس يغيب عنها التنافس        المغرب يحاصر هجرة ممرضيّه إلى كندا حماية لقطاعه الصحي    منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة…أسعار الغذاء تسجل أعلى زيادة شهرية    أنفوغرافيك | بالأرقام .. كيف هو حال إقتصاد غزة في الذكرى الأولى ل "طوفان الأقصى" ؟        افتتاح المسبح المغطى السومي أولمبي بتاوريرت    أمام "سكوت" القانون.. "طروتينيط" تغزو شوارع الحسيمة    الجامعة المغربية لحقوق المستهلك…تأكد صحة وثيقة تلوث مياه "عين أطلس"    الجزائر تكشف تورطها في ملف الصحراء بدعم قرار محكمة العدل الأوروبية ضد المغرب    ترامب يعود لمكان محاولة اغتياله: "لن أستسلم أبداً"    23 قتيلا في غارات اسرائيلية على لبنان    جولة المفاجآت.. الكبار يسقطون تباعا وسطاد المغربي يتصدر الترتيب    معرض الفرس الدولي في نسخته 15.. غاب عن فعالياته رواق وعروض ال DGSN    أمن طنجة يحقق مع سيدة هددت شابة بنشر فيديوهات جنسية لها    بين أعالي الجبال وقلب الصحراء .. تفاصيل رحلة مدهشة من فاس إلى العيون    "أندلسيات طنجة" يراهن على تعزيز التقارب الحضاري والثقافي بين الضفتين في أفق مونديال 2030    ENSAH.. الباحث إلياس أشوخي يناقش أطروحته للدكتوراه حول التلوث في البيئة البحرية    وفاة الفنانة المغربية نعيمة المشرقي عن 81 عاما    مصدر ل"برلمان.كوم": المغرب يواصل تنويع شراكاته ويمدد اتفاقية الصيد مع روسيا.. وقرار العدل الأوروبية عزلها دوليا    الفنانة المغربية نعيمة المشرقي تغادرنا إلى دار البقاء    في عمر ال81 سنة…الممثلة نعيمة المشرقي تغادر الحياة    وفاة الممثلة القديرة نعيمة المشرقي بعد مسار فني حافل بالعطاء    معاناة 40 بالمائة من أطفال العالم من قصر النظر بحلول 2050 (دراسة)            دراسة تكشف معاناة 40 % من أطفال العالم من قصر النظر بحلول 2050    تسجيل حالة إصابة جديدة ب"كوفيد-19″        وزارة الصحة تكشف حقيقة ما يتم تداوله حول مياه "عين أطلس"    الزاوية الكركرية تواصل مبادراتها الإنسانية تجاه سكان غزة    القاضية مليكة العمري.. هل أخطأت عنوان العدالة..؟    "خزائن الأرض"    موسوعة تفكيك خطاب التطرف.. الإيسيسكو والرابطة المحمدية للعلماء تطلقان الجزئين الثاني والثالث    اَلْمُحَايِدُونَ..!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة في مشروع القانون المتعلق بإصلاح المراكز الجهوية للاستثمار
نشر في هسبريس يوم 28 - 07 - 2018

بعد مرور ما يقارب سنة على خطاب العرش الأخير الذي انتقد بشدة أداء الإدارة العمومية وموظفيها، سواء من حيث الحكامة أو مستوى النجاعة أو جودة الخدمات التي تقدمها للمواطنين والمرتفقين، معطيا المثال بالمراكز الجهوية للاستثمار، التي أصبحتغالبيتها تشكل عائقا أمام عملية الاستثمار، عوض أن تمثل آلية للتحفيز ولحل مشاكل المستثمرين على المستوى الجهوي، وبعد تقديم الخطوط العريضة لمشروع إصلاح هذه المراكز إلى جلالة الملك من طرف رئيس الحكومة بتاريخ 19 أبريل 2018، تم إعداد مشروع القانون رقم 47.18 المتعلق بإصلاح هذه المراكز وإحداث اللجن الجهوية الموحدة للاستثمار.
وعلى ضوء قراءة وتحليل مضامين مشروع القانون المذكور نورد الملاحظات التالية:
موضوع مشروع القانون
كما تشير إليه تسميته، يتعلق مشروع القانون رقم 47.18 بإصلاح المراكز الجهوية للاستثمار وإحداث اللجن الجهوية الموحدة للاستثمار، وهما موضوعان وإن كانت تجمع بينهما وحدة الهدف المتمثل في تبسيط وتسريع التدابير المتعلقة بالاستثمار ومواكبة المستثمرين، إلا أن إدراجهما في مشروع قانون واحد خلق نوعا من عدم التوازن في هذا النص كما وكيفا.
فعلى المستوى الكمي حظي القسم الأول المتعلق بإصلاح المراكز الجهوية للاستثمار ب 28 مادة في مشروع القانون، في حين انحصرت حصة القسم المتعلق بإحداث اللجن الجهوية الموحدة للاستثمار في 12 مادة. أما على المستوى النوعي، فيبدو أن الجمع بين الموضوعين في نص قانوني واحد قد أثر من على شموليته وإحاطته بجميع الجوانب المرتبطة بهما كما سيتم توضيحه فيما سيأتي من ملاحظات على مضامين هذا النص.
وإذا كان لابد من جمع الموضوعين في نص واحد، فإن موضوع التدبير اللامتمركز للاستثمار يشكل من وجهة نظري الإطار الأنسب لمشروع القانون تماشيا مع الرسالة الملكية بتاريخ 9 يناير 2002 التي جعلت من التدبير اللامتمركز للاستثمار موضوعا لها واستطاعت بذلك أن تجمع بين الإطار القانوني والمؤسساتي فيما يتعلق بالمساعدة على خلق المقاولات وإقامة المشاريع الاستثمارية على المستوى الجهوي.
الإطار المفاهيمي
لم يرد بمشروع القانون رقم أي تعريف لمفهوم الاستثمار ولم يتم تحديد المعايير التي يمكن اعتمادها أو على الأقل الاستئناس بها لإضفاء صبغة مشاريع استثمارية على الطلبات المقدمة للاستفادة من القرارات والتراخيص الضرورية لإنجازها أو استغلالها أو لعرضها على أنظار اللجنة الجهوية الموحدة للاستثمار. وهذا الأمر قد يؤدي إلى الوقوف على حالات تطرح فيه بعض المشاكل من قبيل إدراج عينة من الطلبات في خانة المشاريع الاستثمارية أو تحديد الجهة صاحبة الاختصاص في دراستها واستصدار القرارات الإدارية اللازمة بشأنها.
من جانب آخرلم يشر مشروع القانون إلى القطاعات المشمولة بالتدبير اللامتمركز للاستثمار كما حددتها الرسالة الملكية بتاريخ 9 يناير 2002 في ميادين الصناعة التقليدية والسياحة والسكن والصناعة والصناعات المرتبطة بالإنتاج الفلاحي والمعادن، وتم استكمالهافيما بعد بقطاعات الصحة والطاقة والتعليم والتكوين. وإذا كان الهدف من عدم حصر هذه القطاعات هو توسيع مجالات الاستثمار التي يتم اتخاذ القرارات بشأنها على الصعيد الجهوي فهذا أمر جيد لأنه يتماشى مع المنظور الواسع لفلسفة التدبير اللامتمركز للاستثمار باعتباره معنيا على المستوى الترابي بكل الجوانب والمراحل والإجراءات الإدارية التي تتعلق بطلبات إنجاز مشاريع استثمارية كيفما كان حجمها، ولذلك كان يتعين توضيح هذا الأمر في مشروع القانون رفعا لكل التباسوتفاديا لكل اختلافمحتمل في التأويل والاختصاص.
مهام المراكز الجهوية للاستثمار
عرض الباب الثاني من مشروع القانون لمهام المراكز الجهوية للاستثمار،وما يسترعي الانتباهعند تحليل طبيعة هذه المهام التي تتمحور حول مساعدة المستثمرين ومواكبتهم وتتبع سير ملفات المشاريع وإعداد القرارات الإدارية المرتبطة بها وحل النزاعات وديا وإعداد قواعد البيانات والتنسيق مع مختلف المتدخلين وتوفير المعلومات المفيدة، مع ما يتطلبه الأمر من مجهوداتللمواكبة المستمرة للمستجدات والتحيين المتواصل للمعلومات، هو أنها مهام يستلزم إنجازها تدعيم المراكز الجهوية للاستثمار بموارد بشرية على مستوى جيد من الكفاءة والتجربة والمؤهلات الذاتية للاضطلاع بها على الشكل المطلوب، مما يستدعي التفكير في إعداد هيكلة تنظيمية لهذه المراكز بما يتماشى مع طبيعة وحجم المهام المسندة إليها،وتدعيمها بالإمكانيات المادية والبشرية واللوجستيكية اللازمة.
كما أن تكليف المراكز الجهوية للاستثمار بإعداد القرارات الإدارية الضرورية لإنجاز مشاريع الاستثمار، التي يكون تسليمها أو توقيعها موضوع تفويض يمنح لولاة الجهات أو يدخل ضمن اختصاصاتهم،قد تكون له تداعيات سلبية على مستوى الفعالية والجودة والسرعة المنشودة في معالجة طلبات المستثمرين. ذلك أن الإدارات والمصالح صاحبة الاختصاص الأصلي في القيام بالدراسات التقنية لمختلف الجوانب المرتبطة بالاستثمار مؤهلة أكثر من غيرها لإعداد القرارات الإدارية التي تدخل في دائرة اختصاصها. وهذا ما جرت عليه العادة سابقا، حيث تقوم مثلا إدارة أملاك الدولة بإعداد ملفات تقنية متكاملة عن القطع الأرضية موضوع طلبات المستثمرينالتي حظيت بالموافقة، وترفقها بمشروع قرارات التفويت أو الكراء. كذلك الحال بالنسبة لرخص البحث عن المعادن أو استغلالها أو الاحتلال المؤقت للملك العمومي أو الغابوي أو التصنيف السياحي وغيرها من الجوانب التي تم تفويض السلطات بشأنها لولاة الجهات. وعليه، فبدل إحلال المراكز الجهوية للاستثمار محل الإدارات المختصة في إعداد القرارات الإدارية الضرورية لإنجاز مشاريع الاستثمار مع ما قد ينتج عن ذلك من انعكاسات سلبية على جودة القرارات وسرعة إعدادها، يستحسنتحديد آجال مضبوطة ومعقولة للإداراتالمعنية بالدراسة التقنية من أجل إعداد هذه القرارات وموافاة المراكز الجهوية للاستثمار بها لعرضها على ولاة الجهات قصد المصادقة.
تركيبة المجلس الإداري
نص مشروع القانون على تحويل المراكز الجهوية للاستثمار إلى مؤسسات عمومية تتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي، عهد بإدارتها إلى مجالس إدارة يرأسها ولاة الجهات وبتسييرها إلى مدراء عامين يتم تعيينهم طبقا للنصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل.
أول ما يلاحظعنتركيبة المجالس الإدارية للمراكز الجهوية للاستثمار هو غياب عمالالعمالات والأقاليم عن عضويتها على الرغم مما أوكل إليهم بموجب مشروع القانون نفسه من مهام الإشراف على أعمال المراكز الجهوية للاستثمار المرتبطة بتتبع إنجاز المشاريع وتنفيذ العقود وإبرام الاتفاقيات داخل دوائر نفوذهم الترابي، علاوة على أهميتهم داخل اللجنة الجهوية الموحدة للاستثمار. كما يلاحظ أيضا غياب الجماعات عن عضوية المجالس الإدارية.
من جانب آخر, أدرج مشروع القانون الممثلين الجهويين للإدارات العمومية المعنية بتنمية الاستثمارات والمعينة بنص تنظيمي في عضوية المجالس الإدارية، مما يستدعي إبداء ملاحظتين:
الأولى تتعلق بالتنظيم الإداري للمصالح الخارجية الذي لا يتوافق في كثير من الحالات مع التقطيع الترابي الجهوي، حيث لا زالت مجموعة من القطاعات الإدارية لا تتوفرعلى تمثيليات جهوية، كما أن بعضا منها يمتد اختصاصه الترابي إلى أكثر من جهة، فكيف سيتم التعامل مع هذه الحالات وما هي الجهة التي سيتم استدعاؤها لتمثيل القطاع الذي لا يتوفر على إدارة جهوية في أشغال المجالس الإدارية؟
الثانية لها علاقة بالطابع الأفقي لمجال الاستثمار الذي يجعله مرتبطا مبدئيا بجميع القطاعات الإدارية تبعا لاختلاف حاجيات ومطالب كل مشروع استثماري، وفي هذه الحالة هل يتعين استدعاء جميع تمثيليات الإدارات العمومية على الصعيد الجهوي لحضور أشغال المجالس الإدارية للمراكز الجهوية للاستثمار، معما قد ينتج عن ذلك من تأثير على فاعليتها؟
ولتفادي الوقوع في مثل هذه المشاكل، كان من المحبذاستدعاء الإدارات العمومية والجماعات الترابية المعنية بجدول أعمال المجلس الإداري مع إمكانية إضافة الإدارات والجماعات المعنية من حيث الاختصاص الترابي أو القطاعي بمشاريع الاستثمار التي تم تداولها برسم السداسي الذي يسبق انعقاد المجلس الإداري.
من جهة أخرى، أدرج مشروع القانون الممثل الجهوي للمنظمة الجهوية للمشغلين الأكثر تمثيلية في تركيبة المجلس الإداري، في حين غيب التمثيلية الجهوية للاتحاد العام لمقاولات المغرب، التي قد يكون في حضورها فائدة أكبر في تنوير المجلس الإداري بوضعيةمناخ الاستثمار على المستوى الجهوي والتعريف بالقطاعات الواعدة وتلك التي تعرف بعض المشاكل.
توزيع الأدوار والسلطات بين الفاعلين
أوكلت الرسالة الملكية بتاريخ 9 يناير 2002 إلى ولاة الجهات المسؤولية عن المراكز الجهوية للاستثمار من حيث تنظيمها وتسييرها وكذا إحداث شبابيك المساعدة على إنشاء المقاولات في عمالات الجهة أو أقاليمها أو جماعاتها. إلا أن هاته المهام أصبحت من اختصاص المجالس الإدارية لهذه المراكزحسب ما ينص عليه مشروع القانون رقم47.18، وبذلك تم اقتسام سلطة إدارة المراكز الجهوية للاستثمار بين الولاة الذين اسندت إليهم رئاسة مجالسها الإدارية، وبين قطاعات أخرى لها ارتباط مباشر أو غير مباشر بمجال الاستثمار.
غير أن ما يسترعيالانتباه في هذا الجانب هو تعزيز مواقع وسلطات مجموعة من الإدارات والمؤسسات العمومية الممثلة في المجلس الإداري بتمكينها من عدد كبير من الصلاحيات من قبيل المصادقة على برامج العمل السنوية للمراكز الجهوية للاستثمار وحصر ميزانياتها التوقعية وحساباتها السنوية وتحديد أجور الخدمات المقدمة للأغيار وإحداث تمثيليات للمراكز وغير ذلك من الصلاحيات، في حين انحصرت أدوار المديرين العامين لهذه المراكز في تنفيذ قرارات المجالس الإدارية وتدبير بنيات المراكز والتعيين في مناصبها والحضور بصفة استشارية لاجتماعات المجالس الإدارية.
وعلى الرغم من توسيع صلاحيات المراكز الجهوية للاستثمار وإلزام الإدارات والمؤسسات المعنية بالتعاون والتنسيق معها وإمدادها بالمعلومات والمعطيات المطلوبة، إلا أن هذا الأمر لم تتم مواكبته بتعزيز سلطات مديري هذه المراكز التي قد تصبح بموجب التوزيع الجديد للأدوار أقل استقلالية ويصبح أداؤها أكثر ارتهانا بوتيرة عمل شركائها المؤسساتيين وبدرجة تجاوبهم معها. وقد شكل هذا الأمر إحدى أوجه المصعوبات التي عانت ولا زالت تعاني منها المراكز الجهوية للاستثمار في محيطها المؤسساتي وفي علاقاتها مع مختلف المتدخلين في مجال الاستثمار على المستوى الترابي.
الشباك الوحيد لمساعدة المستثمرين
بموجب الماد8 من مشروع القانون رقم47.18، تعين الإدارات والهيئات العمومية المعنية بمعالجة ملفات الاستثمار ومواكبة المقاولات، بناء على طلب من رئيس مجلس إدارة المركز المعني، ممثلين عنها بمقر المركز المذكور أو، عند الاقتضاء، بتمثيلياته. وإذا كان هذا الإجراء يتماشى مع فلسفة إحداث الشباك الوحيد الخاص بمساعدة المستثمرين، إلا أن تجسيده على أرض الواقع عن طريق تعيين ممثلين عن كل إدارة معنية بالاستثمار بمقر المركز - على غرار ما هو عليه الأمر بالنسبة لشباك المساعدة على خلق المقاولات - يبقى أمرا صعب التطبيقنظرا لطبيعة مجال الاستثمار.
هذا المجال يتميز بكثرة وتنوع المتدخلين فيه تبعا لاختلاف وتنوع متطلبات وحاجيات كل مشروع استثماري، وبالتالي فإن جميع الإدارات والمؤسسات معنية مبدئيا بتنمية الاستثمارات، مما قد يفضي في حال تعيين ممثلين عنها بمقر المركز الجهوي للاستثمار التضخم فيعدد المستخدمين بهذه المراكز دون ان ينعكس ذلك بالضرورة على جودة الأداء نظرا لكون عدد المشاريع الاستثمارية الوافدة على معظم هذه المراكز لا يبرر تعيين مستخدمين من القطاعات المعنية بصفة دائمة ومستمرةبمقرات المراكز الجهوية للاستثمار.
لكن إذا كانت هذه المراكز قد نجحت في إقامة شبابيك بمقراتها للمساعدة على إنشاء المقاولات، فما الذي يمنعها من أن تنجح كذلك في إنشاء شبابيك لمساعدة المستثمرين؟ الجواب يكمن في الاختلاف الجوهري بين طبيعة المهمتين، فإذا كان مجال مساعدة المستثمرين يتميز كما أسلفنا بكثرة وتنوع المتدخلين فيه، فإن سهولة إقامة شبابيك للمساعدة على إنشاء المقاولات ترجع إلى العوامل التالية:
العدد المعروف والمحدد مسبقا للإدارات المتدخلة في مباشرة الإجراءات الإدارية المتعلقة بخلق المقاولات (إدارة الضرائب، المحكمة التجارية أو الابتدائية حسب الحالة، ممثل المكتب المغربي للملكية الصناعية والتجارية، الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي)، وهذا ما يجعل تعيين ممثلين عن هاته الإدارات في إطار الشباك الوحيد أمر ممكنا،
الطابع الميكانيكي للإجراءات الإدارية المرتبطة بخلق المقاولات التي لا تتطلب سوى تحضير الوثائق اللازمة من أجل خلق المقاولة دونما حاجة إلى أية دراسة من قبل لجنة مختصة، مما يؤدي إلى التحكم في تحديد آجال إحداث المقاولات والالتزام بها من قبل الإدارة أمرا ممكنا،
العدد الكبير نسبيا للطلبات اليومية المتعلقة بخلق المقاولات والذي يبرر التواجد بصفة مستمرة لممثلي الإدارات المعنية بمقرات المراكز الجهوية للاستثمار.
والاقتراح الذي يبدو منطقيا في هذا الجانب هو إلزام جميع الإدارات المعنية بمجال الاستثمار بتعيين مخاطبين لها لدى مصالح المراكز الجهوية للاستثمار تقوم انطلاقا من مقرات إداراتها بالمعالجة بالأولوية للطلبات المرتبطة بإنشاء المشاريع الاستثمارية، وذلك بتنسيق مع مصالح المراكز الجهوية التي تواكب حاملي المشاريع في مباشرة الإجراءات المرتبطة بذلك. وعليه، فبمجهود تنظيمي وتنسيقي بين القطاعات المتدخلة في مجال الاستثمار، يمكن العمل بروح الشباك الوحيد دونما حاجة إلى إغراق المراكز الجهوية للاستثمار بممثلين عن جميع هذه القطاعات.
اللجنة الجهوية الموحدة للاستثمار
على مستوى الاختصاصات، أوكل مشروع القانون للجنة الجهوية الموحدة للاستثمار القيام بمهام المعالجة المندمجة والمتسقة لملفات الاستثمار وتقييمها من الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والعمرانية وتنسيق أعمال الإدارات المختصة في هذا المجال مع إحلالها محل اللجان التي تمارس هذه الاختصاصات في تاريخ دخول هذا القانون حيز التنفيذ. وهنا يطرح السؤال عن الكيفيات والآليات التي سيتم بموجبها تحويل الاختصاصات المذكورة ونقلها من الإدارات التي تمارسها حاليا إلى المراكز الجهوية للاستثمار.
من جهة أخرى لم يتطرق مشروع القانون إلى كيفية التعامل مع العديد من المجالات التي تم تفويض السلطات بشأنها إلى ولاة الجهات كطلبات الاحتلال المؤقت للملك العمومي والملك الغابوي والترخيص بالبحث عن المعادن واستغلالها، هل ستتم معالجة هذا النوع من الطلبات داخل اللجنة الجهوية الموحدة للاستثمارأم ستستمر معالجتها وفق الطريقة الحالية المتمثلة في إعداد الملفات التقنية بشأنها من طرف الإدارات المختصة وعرض القرارات المرتبطة بها على ولاة الجهات للمصادقة؟ ثم ماذا عن المشاريع الاستثمارية المزمع إنجازها على قطع أرضية عمومية غير تلك التابعة لأملاك الدولة، هل ستدخل دراستها واتخاذ القرارات بشأنها في اختصاص اللجنة الجهوية الموحدة للاستثمار أم لا خصوصا في الشق المتعلق بتعبئة العقار ؟
وعلى مستوى تركيبة اللجنة الموحدة للاستثمار يطرح إشكالان أساسيان:
الأول يتعلق بوضعية بعض أعضاء اللجنة وعلى رأسهم المدير العام للمركز الجهوي للاستثمار، ذلك أن تبعيته الإدارية لوالي الجهة لا تنسجم مع عضويته في اللجنة بالنظر لكون هذه التبعية تؤثر حتما على مبدأ استقلالية الرأي داخلها.وعوض أن يحمل مشروع القانون حلا لهذه الإشكالية، سار بالعكس في اتجاه تكريسها بإدراجه داخل اللجنة عضوا جديدا في نفس هذه الوضعية، هو ممثل والي الجهة المعني.
زيادة على ذلك، انحصرت اختصاصات اللجنة الجهوية للاستثمار في دراسة الملفات الاستثمارية وابداء آراء واتخاذ قرارات بشأنها، دون أن تخصص جانبا من مهامها لتتبع سير المشاريع التي وافقت عليها ودراسة الشكايات الواردة من المستثمرين واستعراض حالات النزاعات التي تنشأ بينهم وبين الإدارة والتي عجز المركز الجهوي للاستثمار عن حلها بطرق ودية.
وإذا كان مشروع القانون قد كلف المراكز الجهوية للاستثمار- في حال عدم توصلها إلى تسوية الخلاف القائم بين المستثمرين والإدارة - برفع اقتراحاتها إلى ولاة الجهات قصد التوصل قدر الإمكان إلى حل توافقي، فإن مستلزمات السرعة والفعالية تقتضي أن تسند مهمة حل النزاعات إلى اللجنة الجهوية الموحدة للاستثمار باعتماد جدول أعمال مكون من ثلاث محاور: محور أول يتعلق بدراسة ملفات الاستثمار المعروضة عليها، ومحور ثاني يخصص لتتبع سير إنجاز المشاريع التي تمت الموافقة عليها، ثم محور ثالث يتضمن دراسة الشكايات والعراقيل التي تحول دون تقدم المستثمرين في الإجراءات المرتبطة بإنجاز مشاريعهم. وإذا استعصى إيجاد حل من طرف اللجنة الجهوية الموحدة، يتم رفع الحالة إلى اللجنة الوزارية للقيادة المنصوص عليها في المواد 40 و 41 و 42 من مشروع القانون.
من جانب آخر، يستحسن أن تتم الاستعانة داخل اللجنة الموحدة للاستثمار ولو بصفة استشارية بخبراء consultants ou experts métiers في القطاعات المرتبطة بالمشاريع المعروضة عليها للاستئناس بآرائهم بما يمكن أعضاءها من اتخاذ قرارات تستند على معايير موضوعية.
عدم إحداث لجنتقنية للإعداد والتتبع
لم يشر مشروع القانون إلى إحداث لجن تقنية لإعداد عمل اللجنة الجهوية الموحدة للاستثمار وتتبع قراراتها كما هو عليه الأمر حاليا في معظم المراكز الجهوية للاستثمار. ولا يخفى ما لهذه اللجنة التقنية من أهمية لأنها تضم ممثلين عن مختلف الإدارات والجماعات المعنية بمشاريع الاستثمار المعروضة على المراكز الجهوية، حيث تقوم بدراسة تقنية لمختلف جوانب المشاريع وإمداد اللجنة الجهوية للاستثمار بجميع العناصر والمعلومات التي تساعدها على اتخاذ قرارات مناسبة بشأنها.
الآجال
من بين أبرز الملاحظات على مشروع القانون، اقتصاره على تحديد وتيرة اجتماع اللجنة الجهوية الموحدة للاستثمار على الأقل مرة واحدة في الأسبوع وكلما دعت الضرورة إلى ذلك، وعدم تعيين آجال لباقي التدابير الواردة به كآجال إمداد المراكز الجهوية للاستثمار بالمعلومات المطلوبة وآجال إعداد وتسليم القرارات الإدارية الضرورية لإنجاز مشاريع الاستثمار وغيرها. وباعتبار الوقت عاملا محددالمدى فعالية الجهاز الإداري وقدرته على الاستجابة لحاجيات ومطالب المرتفقين، فإن عدم تحديد آجال قصوى لمختلف الإجراءات والتدابير المرتبطة بمساعدة المستثمرين من شأنه أن يشكل عامل تنفير للمستثمرين وإضعاف لجاذبية الاستثمارات.
وبالرجوع إلى وتيرة اجتماع اللجنة الجهوية الموحدة للاستثمار، فإن تحديدها في أسبوع واحد على الأقل يبدو أمرا مجانبا للواقعية إذا أخذنا بعين الاعتبار عددا من العوامل ومن بينها:
تعدد مشاغل والتزامات ولاة الجهات وعمال الأقاليم والعمالات ومسؤولي الإدارات العمومية والجماعات، مما يجعل تنقلهم لحضور أشغال اللجنة مرة كل أسبوع على الأقل مسألة صعبة قد تضطرهم إلى تعيين ممثلين عنهم، وهذا الأمر قد يفضي إلى إضعاف أداء اللجنة الجهوية الموحدة للاستثمار،
لا تكفي مدة أسبوع لتزويد أعضاء اللجنة الجهوية الموحدة للاستثمار بملفات متكاملة للمشاريع التي ستعرض عليها، وحتى إن توصلت بها كاملة في بحر الأسبوع فإنها ستحتاج إلى مزيد من الوقت لدراستها بشكل جيد حتى لا تتخذ قرارات مجانبة للصواب بشأنها،
وتبعا لذلك فقد كان الأحرى أن يتم تحديد وتيرة معقولةلاجتماعات اللجنة تأخذ بعين الاعتبار إكراهات مختلف أعضائها على أن يتم إلزام الجميع باحترامها.
خلاصة
يستنتج مما سبق بأن مشروع القانون رقم 47.18 قد جاء بعدد من المقتضيات المهمة التي تصب في اتجاه إصلاح منظومة التدبير اللامتمركز للاستثمار بتوسيعه لمهام واختصاصات المراكز الجهوية للاستثمار، وإحداث لجنة جهوية موحدة لمعالجة ملفات الاستثمار تحل محل اللجان القائمة التي تختص بدراسة جوانب معينة من حاجيات المستثمرين ومتطلبات مشاريعهم. إلا أنه في الوقت نفسه استدعى إبداء مجموعة من الملاحظات تتعلق أساسا بجمعه بين موضوعين كان من المحبذ إفراد كل واحد منهما بنص مستقل عن الآخر،بالإضافة إلى ملاحظات حول الاختصاصات الموكولة للمراكز الجهوية للاستثمار وشروط الاضطلاع بها ومهام اللجنة الموحدة الجهوية للاستثمار وإغفال مأسسة اللجنة التقنية للإعداد والتتبع وعدم تحديد آجال للقيام بمجموعة من الإجراءات والتدابير المرتبطة بمساعدة المستثمرين.
والهدف من هذه القراءة النقدية هو المساهمة من موقع الاهتمام الأكاديمي بموضوع التدبير اللامتمركز للاستثمار ومن منطلق التجربة المهنية في هذا المجال، في المجهودات المبذولة من أجل توفير شروط نجاح ورش إصلاح المراكز الجهوية للاستثمار عبر صياغة نص قانوني متكامليستفيد من نواقص التجارب السابقةويستحضرالتدابير القمينة بتجاوزها.
غير أن الاكتفاء بإصدار نصوص قانونية والتعويل عليها لإنجاح ورش إصلاح هذه المراكز يبقى غير كاف إذا لم تتم مواكبته بتزويد هذه المؤسسات بمسؤولين على مستوى عال من الكفاءة والتجربة والخصائص الذاتية والشخصية القوية اللازمة للاضطلاع بمهام القيادة، مع إحاطتها بطاقم بشري متمكن وقادر على رفع تحديات المهام والاختصاصات الجديدة المسندة إليها، وذلك لتجاوز المقاربة البيروقراطية التي رافقت عملها بناء على ما تم رصده من قبل المجلس الأعلى للحسابات.
*باحث في السياسات العمومية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.