بعد أن تلقت انتقادات شديدة اللهجة من الملك محمد السادس، تُقبل المراكز الجهوية للاستثمار بالمغرب على هيكلة جديدة وتحول في صلاحياتها، للدفع بها نحو المساهمة لمواكبة النسيج المقاولاتي على المستوى الجهوي. وأعدت حكومة سعد الدين العثماني مشروع قانون جديدا لإصلاح هذه المراكز، التي وصلت في السنوات الأخيرة إلى مستوى الشلل، ومن المنتظر أن تتم المصادقة على هذا القانون سعياً إلى بث الروح في هذه الهياكل. المشروع، الذي أعدته وزارة الداخلية والذي يحمل رقم 47.18، جرى عرضه في المجلس الحكومي الأخير؛ لكن تقرر تأجيل المصادقة عليه إلى الأسابيع المقبل من أجل إضافة بعض التعديلات عليه من أجل تجويده. وحسب نص المشروع، الذي تتوفر هسبريس على نسخة منه، ستتم إعادة هيكلة المراكز الجهوية وإحداث اللجنة الجهوية الموحدة للاستثمار، إضافة إلى تبسيط المساطر والإجراءات المرتبطة بملفات الاستثمار على المستويين الجهوي والمركزي. وتعول حكومة سعد الدين العثماني على إنجاز مشروع إصلاح هذه المراكز قبل نهاية السنة الجارية، بهدف جعلها قاطرة لتحفيز وإنعاش الاستثمار على المستوى الجهوي، والنهوض بها الوضع الاقتصادي. أهم المستجدات تكمن في تحويل المراكز الجهوية للاستثمار إلى مؤسسات عمومية يترأسها والي الجهة مع مجالس إدارة منفتحة على مختلف الفاعلين الجهويين في القطاعين العام والخاص. وسيضم مجلس الإدارة أيضاً رئيس مجلس الجهة وممثلي الإدارات والمؤسسات العمومية، منها الوكالة المغربية لتنمية الاستثمارات والصادرات والأنابيك ومكتب التكوين المهني وصندوق الضمان المركزي والوكالة الحضرية ورئيس غرفة التجارة والمثل الجهوي للمنظمة المهنية الأكثر تمثيلية وشخصيات مستقلة مشهود لها بالكفاءة. كما يتضمن المشروع توسيع نطاق صلاحية المراكز لتشميل المواكبة الشاملة للشركات، خاصة الصغرى والمتوسطة منها، إضافة إلى المساهمة في بلورة وتنزيل الاستراتيجيات المتعلقة بإنعاش الاستثمار الجهوي بتجانس مع السياسات العمومية. كما سيناط بهذه المراكز أيضاً صلاحيات المساهمة في تخطيط وتدبير الدعم المالي المقدم من لدن الدولة للمستثمرين، بالإضافة إلى التسوية الودية للخلافات الناشئة بين الإدارة والمستثمرين. وستكون هذه المراكز شبابيك وحيدة للاستثمار على المستوى الجهوي، حيث ستتكلف بالمعالجة المندمجة لملفات الاستثمار منذ وضع الطلبات المتعلقة بها إلى غاية منح التراخيص والقرارات، في تعاون مع الإدارات والهيئات العمومية المعنية. وسيعتمد تنظيم هذه المراكز على قطبين: قطب "دار المستثمر"، وقطب "التحفيز الاقتصادي والعرض الترابي". كما أن اللجنة الجهوية الموحدة للاستثمار ستجتمع مرة كل أسبوع، بهدف الاستجابة بسرعة وفعالية لطلبات المستثمرين. ويراد من هذه الخطوة ضمان يقظة اقتصادية جهوية من خلال جمع المعطيات الماكرواقتصادية للجهة المعنية وتحيينها، وإحداث قاعدة معطيات تتعلق بفرص الاستثمار التي يمكن تجسيدها في شكل مشاريع على صعيد الجهة. وستكون قرارات هذه اللجنة ملزمة لكافة أعضائها؛ وهو ما يستلزم من الإدارات المعنية التفويض لممثليهم الجهويين بشكل قانوني السلط اللازمة، لتمكينهم من اتخاذ القرارات التي تدخل في اختصاصاتهم. أما القرارات السلبية الصادرة عن هذه اللجنة يتوجب أن تكون معللة بشكل ملائم، إذ يمكن الطعن فيها من لدن المستثمر المعني لدى اللجنة الوزارية التي يرأسها رئيس الحكومة أو التظلم الاستعطافي أمام والي الجهة. وتسعى حكومة سعد الدين العثماني، عبر هذا الإصلاح، إلى إعادة تموقع المراكز الجهوية للاستثمار كمخاطب مميز ووحيد للمستثمرين في الميدان بغية تسهيل المساهمة في إنعاش الاستثمار على المستوى الترابي. وجرى تأسيس المراكز الجهوية للاستثمار الحالية سنة 2002، بعد رسالة ملكية وجهت إلى الحكومة آنذاك حول التدبير اللامتمركز للاستثمارات؛ لكنها لقيت، خلال السنة الماضية، انتقاداً لاذعاً من قبل الملك محمد السادس. وقال الملك، آنذاك، إن هذه المراكز، باستثناء مركز أو اثنين، تعد مشكلةً وعائقاً أمام عملية الاستثمار، عوض أن تشكل آلية للتحفيز ولحل مشاكل المستثمرين على المستوى الجهوي دون الحاجة إلى التنقل إلى الإدارة المركزية، داعيا الحكومة إلى إعداد تصور لإصلاحها.