في الحوار التالي يسلّط الكاريكاتُوريست سعد جلال على قرار الطرد الذي طاله من جريدة "المساء" معتبرا المعطى والجا سلسلة تضييق رقابي طاله قبل أن يتبلور عقب اقتراحه تنظيم حملة تضامن دولية وناشر المساء السابق المعتقل رشيد نيني.. كما يفصح جلال، ضمن حواره مع هسبريس، عن كون نيني "محاربا داخل جريدته" بأن طاله "إغراق" وُوكب بحملة تصفية للطاقم الصحفي الموالي له وكذا جلب صحفيّين جعلوا من "المساء" جريدة "موالية لحزب العدالة والتنمية". مزيدا من التفاصيل عمّا أثاره الكاريكاتوريست سعد جلال لهسبريس تجدونها ضمن ثنايا الحوار التّالي.. طُرِدتَ مؤخّرا من جريدة "المساء" بعد أن سبق لك وأن التحقت بها رسّاما للكاريكَاتور، ماذَا جرَى حتّى طالك هذا القرَار؟ منذ اعتقال مدير نشر "المساء" رشيد نيني وأنا أتعرض لكمّ من المضايقات يقف وراءها المصحّح مصطفى الفنّ، باعتباره مقربا من المساهم الأكبر في "المساء ميديا" محمّد العسلي.. ففي خطوة بدئية تمّ إلغاء ملحق أسبوعي ساخر كنت قد أنشأته رفقة رشيد نيني بدعوى كونه "جريئا أكثر من اللاّزم" و"لايتماشى والحذر المطلوب بعد اعتقال نيني"، وقد وُوكبت المرحلة الموالية لذلك بفرض رقابة مشدّدة على رسوماتي زيادة على مقالاتي المكتوبة. القطرة التي أفاضت تمثلت في تعاطي "الماسكين بزمام المساء" مع مقترحي الذي قدّمته لمصطفى الفنّ، باعتباره مسؤولا فعليّا عن الجريدة "هذه الأيّام"، والمرتكز على مشاركة "المساء ميديا" ضمن حملة دولية لإعادة بعث قضيّة الصحفي المعتقل رشيد نيني.. إذ عبّرت للفن عن نيّتي تفعيل هذا التحرك إيمانا مني بأن ما قضاه نيني وراء القضبان، لحدود الآن، لا يليق أبدا ببلد يفترض قيادته لجملة من الإصلاحات في مرحلة مخاض سياسي صعبة. هل لكَ أن توضّح لنَا أكثر موضوع حملة التضامن هذه وردّ الفعل الذي أثارته؟ قلت لمصطفى الفنّ، أو بالأحرَى لمحمّد العسلي عبر الفنّ، بأنّه من المؤسف أن تغدو قضيّة رشيد نيني مقزّمة إلى الحدّ الذي وصلت إليه.. كما انتقدت تغطيات "المساء" للحدث واعتبرتها "مخجلة" وغير كافية"، مقترحا تفعيل دور "اللجنة الدولية للتضامن مع الصحافي المعتقل رشيد نيني" والتي نسي الناس تواجدها فور تأسيسها، وكذا مقترحات عدّة من بينها فتح بوابة إلكترونية لاستقبال رسائل وتعبيرات المتضامنين، عبر العالم، ليس فقط بخصوص اعتقال رشيد نيني وإنّما الانفتاح على كل المعانين من انكماشات حرية التعبير بالمغرب.. كما أبديت تشبثا بضرورة تكثيف الاتصالات والمنظمات الحقوقية المغربية والأجنبية، وتنظيم حملة لفائدة نيني بالكاريكاتير لما هو معروف على هذا الفن من شعبية ووقوفه فنّانيه دائما بجانب المظلومين.. ردّ مصطفى الفنّ على مقترحاتي كان مفاجئا للغاية بالنسبة لي، خصوصا وأنّه أخبرني، وببرود شديد، أن المرحلة الحالية تستوجب الحذر اعتبارا لكون "أي حملة تضامن قد تسيء إلى وضع نيني".. هذا قبل أن يأتي الردّ على إصراري باتخاذ قرار تعسّفي طردني من "المساء"، ولم أفاجأ به إطلاقا لإيماني بأن مصطفى الفنّ ومحمّد العسلي قد أخرجا حربهما ضدّ رشيد نيني إلى العلن بعد فترة أشهر من سرّيتِها. لكنّ "المساء" لا زالت متضامنة مع مدير نشرها السّابق المُعتقل، عموده ينزل يوميّا ملتحفا بالسواد و"عدّاد" وُضع بالصفحة الأولى لكلّ إصدار حتّى يذكر بالأيّام التي قضاها وراء القضبان.. ألا يعدّ هذا تضامنا في نظرك؟ تصدير جريدة "المساء" بذاك "العدّاد"، الذي وضع أعلى يمين أولاها ليحسب أيّام نيني وراء القضبان، ما هو إلاّ احتيال على القرّاء لإيهامهم بأن اليوميّة لازالت تتّبع الخط التحريري لرشيد نيني.. وكذلك الأمر بالنسبة لعمود الأخيرة الذي طُلي بالسواد. أمر مهمّ وجب ذكره ضمن هذا الباب، وأظنّه كفيل بتوضيح الرؤية.. إنّ المصحّح مصطفى الفنّ، ومن ورائه "المساهم الأكبر" العسلي، لم يكن في بادئ المحنة يجرؤ على انتقاد رشيد نيني حتّى أصبح حاليا يجاهر أمام كافة طاقم "المساء" بأنّ "رشيد نيني لا علاقة له بالصحافة" وأن "ما كان يقوم به نيني بعيد عن الجُّورْنَالِيزْمْ".. وقد عمد الفنّ إلى هذا الإفصاح بعد أن وقف وراء طرد أغلبية الصحفيّين الأوفياء لتصوّرات نيني، خصوصا من لهم توجّهات يسارية، ومن ثمّ عمد إلى حملة استقطاب عناصر بشرية مقرّبة من حزب العدالة والتنميّة.. حتّى أنّ ذات المُصحّح قد أخبرني، قُبيل مغادرتي النهائية لمقر "المساء" بأن عهد رشيد نيني قد انتهى وأنّ "المساء قد بدأ بها عهد جديد". هل المقصود ب "العهد الجديد" هو تولّي عبد الله الدّامون مسؤولية إدارة النشر؟ المتحكم حاليا بكافة خيوط "المساء"، والعامل على تحريكها في جميع الاتجاهات، هو المصحّح مصطفى الفن، ظلّ محمّد العسلي، وأشك بقوّة في علم عبد الله الدامون بخبايا الجريدة وما يدور ضمن كواليسها.. فالدّامون مستقر بمدينة طنجة، بعيدا عن مطبخ العسلي والفن وقادة بحزب العدالة والتنمية، ولم يقم بأي ردّ فعل قَبْل توليه "منصب" إدارة النشر أو بعده، فالدّامون لم يتحرّك لتوقيف عمليات "تصفية صحفيّي نيني" وهم يُطردون واحدا تلو الآخر، كما لم يبد أي ردّ فعل عن تحول الخط التحريري ل "المساء" من الجرأة إلى العشوائية والنفخ في قيادات العدالة والتنمية، وشخصيا لم يساندني الدّامون بعد طردي رغما عن رفض القرار من رشيد نيني وهو داخل السجن. تُصوّر المعطى وكأنّه حرب أو انقلاب، وإن كان كذلك فالأكيد أنّ له بداية معلومة.. أليس كذلك؟ بعد أيام قليلة من تفعيل مسطرة الاعتقال الاحتياطي ضدّ رشيد نيني، شوهد مصطفى الفن الذي كان من أقرب المقربين إلى نيني، بمقهى في الدارالبيضاء، وهو يسلم إلى محمد العسلي تقريرا كتابيا أعده ضد الصحافيين المتبنّين للخط التحريري لمدير النشر المعتقل.. ومنذ ذلك الحين بدأ مسلسل طرد الصحافيين الموالين لنيني، حيث تم طرد يوسف ججيلي وإغلاق مجلته، وطرد أيضا الصحافي عبد الواحد المهتاني المعروف بكفاءته المهنية، وشرع في التضييق على الصحافيين الآخرين لإجبارهم على تقديم استقالات تمهّد لالتحاق أفواج صحفيّين مقرّبين من حزب بنكيران. الغريب في الأمر هو ما قاله محمّد العسلي ليوسف ججيلي، ضمن بداية هذا الانقلاب على نيني، حيث توجّه "المساهم الأكبر" ب "المساء ميديا" إلى ججيلي بتوجيه حرفي قال ضمنه: "الدولة هي اللي شدات رشيد نيني، والدولة هي اللي تطلقو"، ومن المرتقب أن يشرع ججيلي بنفسه، قريبا، في الحديث عن مختلف تفاصيل تنكّر العسلي والفنّ لنيني من وجهة نظره وحسب الأحداث التي عاشها. وكيف ترى مواكبة "المساء" لقضيّة الصحفي المعتقل رشيد نيني ما دمتم تثيرون كل هذه المعطيات؟ مسلسل "إغراق" نيني شُرع ضمنه بتعيين الأستاذ السفياني محاميا أوّلا للدفاع عنه، وهو أمر مقصود باعتبار الكل يعرف الأستاذ بمزايداته مع النظام وخطبه الترافعيّة التي تشكل فيها ذاته المفصَل، والشاهد على ذلك سجلّ القضايا التي يتولاها والتي تصاحب بأحكام إدانة مرتفعة مدّة العقوبات السالبة للحرّيّة. استمرار ذات المسلسل طال حتّى المواد الإعلامية المغطّية لوقائع محاكمة رشيد نيني، حيث ألبست جبّة العدالة والتنمية بعد أن أصرّ مصطفى الفنّ على استقدام صحفية من مكتب الرباط لتغطية الجلسات التي تنعقد للمحاكمة بالدارالبيضاء، وذلك رغما عن الكم الكبير لصحفيّي مكتب البيضاء، حيث تركّز ذات الصحافية القادمة من "التجديد" على إبراز حضور المحامي المصطفى الرميد أكثر من أي شيء آخر.. وهل تمّ تمرير هذا كلّه من لدن الطاقم الصحفي للجريدة؟ لقد احتج إدريس الكنبوري، مدير مكتب الرباط، عبر توجيه رسالة شديدة اللهجة إلى إدارة "المساء" حول عدم أهلية المصحّح مصطفى الفن لتسيير الجريدة، والمعطى لم يرق لمحمّد العسلي الذي عقد اجتماعا عاجلا حضره الكنبوري الذي وجّه، إلى جوار الصحفي عادل نجدي، انتقادات لاذعة إلى اللاّمهنية التي أصبح يعرفها الخط التحريري للجريدة وكذا الحضور القويّ للعدالة والتنمية ضمن موادها ودون أدنى مُبرّر.. وقد أعقب الاجتماع بتقديم مدير مكتب الرباط لاستقالته تمهيدا لتولي صحفية مقرّبة من "البّيجِيدِي" ذات المسؤولية. وفق ما تورد هنا.. هل هناك علاقة عضوية مابين اسمي العسلي والفنّ وحزب العدالة والتنمية؟ قرب "المساهم الأكبر" محمّد العسلي من العدالة والتنمية غير خفيّ، وقد كان رشيد نيني هو من يرفض تدخله في الخط التحريري للجريدة لصالح "المصباح"، أمّا مصطفى الفن "المصحّح" فقد كان دوره محصورا في مهام أخرى بعيدة عن الأداء الصحفي، تماما كما عُهد منه منذ ولوجه الميدان على يد الصحفي توفيق بوعشرين.. فالرجل له طريقته في التقرب ممّن هم تواجدوا على قمّة هرم "المساء"، ولو تطلب الأمر نقل أخبار الصحفيّين، إلى أن جاء دور العسلي بعد اعتقال نيني. إذن أنت ترى بأن "المساء" قد غدت من صُحف العدالة والتنميّة.. (مقاطعا..) المعطى أكبر من ذلك، هناك لا مهنية في التعامل مع أخبار حزب العدالة والتنمية تصل إلى درجة التقديس، وبعبارة أخرى يمكنني القول بأنّ ولائم العشاء بين العسلي وصديقه المصحّح الفن و المحامي الرميد لم تذهب سدى.. فبعض القضايا التي يترافع فيها المصطفى الرميد أصبحت تحتل صدر الصفحات الأولى ل "المساء"، كما أن العديد من الأخبار الصحيحة والمدقّقة التي جاء بها الصحفيون مسيئة لحزب العدالة والتنمية لم تعرف أبدا طريقها إلى النشر في جريدة من المفروض أنها مستقلة، وحسب أقوال الفنّ "أصبحت تمارس بمهنيّة".. وتحضرني جملة من مثل هذه المواضيع كالخلاف بين بنكيران ونشطاء أمازيغيين بعد أن سخر أمين عام البّيجيدي من حرف "تيفيناغ"، وكذا رفض نشر خبر رشق بنكيران بالبيض، وكذا عدم إثارة افتحاص قضاة المحكمة المالية لبلدية القنيطرة ، وعدم التطرق لأسباب مساندة قيادة العدالة والتنمية للعمدة ساجد بالسكوت عن العديد من الملفات، والتعتيم على فضيحة برلماني العدالة والتنمية إبراهيم ادناس.. وزيادة على هذا كلّه يتمّ التركيز، ضمن المواد المنشورة من لدن "مساء الفنّ"، على الإساءة لقيادات أحزاب سياسية يسارية ورجال أعمال منافسين لحزب العدالة والتنمية. من وراء اعتقال رشيد نينِي؟ هذا الأمر يمكن استخلاصه من باب التحليل وليس من باب المعلومات، وأعتقد أن يوسف ججيلي سيتكلم ويشرح هذا الأمر بحكم قربه من مسؤولين كبار في هرم الدولة.. لكني استبعد أن تكون الدولة بنفسها وراء اعتقال نيني لأنه لم يكن في يوم من الأيام ضدها، فالرجل يتمتع بحس وطني عال وكان يؤيد تصورات الملك للإصلاح، وكان يوجه قلمه دائما ضد المفسدين.. بالمقابل، هناك تساؤلات تطال جهات معينة تريد أن تسلم حزب العدالة والتنمية مؤسسة "المساء"، وقد يكون من يحرك العسلي، و يهدده بملفات معينة، له هدف تحويل المساء إلى ناطق باسم العدالة والتنمية.. وثنايا الأيام المقبلة لوحدها قادرة على كشف الأسماء بدقّة. ألا ترى غرابة في تحوّلك من منتقد لنيني، وصف الناشر السابق ل "المساء" كاريكاتوريا ب "عشمَاوِي الصحَافة"، إلى مدافع عنه في محنته؟ قضية رشيد نيني الآن لم تعد تخصه كشخص، إنها الآن قضية حرية رأي وتعبير إعلامي ببلد يمر من مرحلة حرجة، سواء شئنا أو أبينا، والكل يجب أن يعي بأنه مقصود بهذا الموضوع.. فسجن رشيد نيني كل هذه المدة هو احتقار للجسم الصحفي والصحفيين والقراء بغض النظر عن اختلافهم أو اتفاقهم مع صاحب عمود "شوف تشوف".. وهسبريس بدورها كانت محط انتقاد شديد من نيني الذي وصفها، غير مرّة، ب "هيسبُولِيسْ" دون أن يؤثر ذلك في مساندتها إيّاه بعد تعرضه للاعتقال. رشيد نيني لم يكن أبدا ضد النقد، بل كان يجد الطرافة في كونه موضوعا لرسم كاريكاتيري، كما أبدى أكثر من مرّة إعجابه بخطوطي وطريقتي في الكتابة الساخرة وكذا اقتراحاتي، ولم يمكن ينزعج من أي نقد ساخر.. ودفاعي عن نيني أعتبره في جوهره دفاع عن حرية الرأي والتعبير وغيرة على الجسم الإعلامي المغربي الذي أصبح ينخره الفساد.. من مفارقات الحياة أن أكون من أشد المنتقدين لنيني وأدافع عن قضيته في الحين الذي خانه أقرب أصدقائه..