في سياق وطني مشحون، تحل بعد أسبوعين الذكرى 19 لجلوس الملك محمد السادس على العرش، ويُرتقب أن يحمل الخطاب الملكي بهذه المناسبة رسائل سياسية قوية، بعدما سجل ملاحظون عدم تفاعل مسؤولي البلاد مع توجيهات القصر في أكثر من مناسبة. وكان الملك محمد السادس وجه انتقادات لاذعة إلى المشرفين على تدبير الشأن العام في ذكرى عيد العرش الماضي، إذ تطرق إلى فشل القطاع العمومي في مواكبة الأوراش التنموية مقابل تفوق القطاع الخاص، كما أعلن عدم ثقته في جزء كبير من الطبقة السياسية، محملاً إياها الجزء الأوفر من مسؤولية تردي أوضاع البلاد. ويُرتقب أن يُقدم الملك محمد السادس أجوبة عن الحصيلة السياسية السنوية عقب أحداث عاصفة عاشتها البلاد، انطلاقاً من استمرار أجواء الاحتقان في منطقة الريف بصدور أحكام قاسية على دفعة من المعتقلين، مروراً بحراك جرادة الذي أعاد النقاش حول نجاعة الحلول الاقتصادية البديلة، ثُم حملة "المقاطعة" التاريخية لبعض المنتجات الاستهلاكية، احتجاجاً على غلاء الأسعار وضرب القدرة الشرائية للمواطنين. وفي ظل الرتابة السياسية التي تعيشها البلاد، يرى محمد شقير، الباحث والمحلل السياسي، أن "حالة الجمود هذه مرتبطة بطبيعة الشخصيات السياسية الموجودة اليوم في الساحة، والتي تفضل عدم المغامرة أو التحرك إلا بإشارة أو توجيه من طرف الملك، خاصة بعد إعفاء رئيس الدولة لعبد الإله بنكيران وتفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة". وتابع شقير، في تصريح لهسبريس، بقوله إن "ما يشهده المغرب من تحديات واحتجاجات ساهم في ركود الوضع، في انتظار من يفعل القرار المناسب، خصوصا بعد تواري الملك عن الأنظار في الفترة الأخيرة لأسباب صحية أو لكثرة الأسفار خارج المغرب، إما بسبب الدبلوماسية الموازية أو لأسباب أخرى". وتكمن أهمية خطاب العرش المقبل، وفقاً لشقير، في تقديمه للحصيلة السنوية السياسية وتوجيهات جديدة للفاعل السياسي، "بعد تسجيل ضعف في عمل وتجانس الحكومة، وهو ما يجعل الكل يترقب ما يُمكن أن يصدر من قرارات عن خطاب العاهل المغربي". ويُشير المحلل السياسي إلى أن خطاب العرش قد يحمل انفراجاً سياسياً عنوانه تلطيف الأجواء بالعفو عن معتقلي حراك الريف، بالإضافة إلى الإجابة عن الأسباب التي أدت إلى انخراط المغاربة في حملة "المقاطعة"، بعد تدهور وضعية الطبقة المتوسطة في المغرب إلى مستويات قياسية، وتسجيل "سنة بيضاء" في الحوار الاجتماعي بين المركزيات النقابية والحكومة. وتوقع شقير أن يجيب الخطاب الملكي أيضاً عن الوضعية الاقتصادية للبلاد لإعطاء نفس جديد "بعد تسجيل تراجع في نسبة الثقة لدى كثير من الفاعلين الاقتصاديين، وحالة الانتظارية التي جاءت عقب توقف عمل المراكز الجهوية للاستثمار". ورغم أن الخطاب الملكي السابق شكل زلزالاً سياسياً وضع اليد على جرح أخطاء الممارسة السياسية؛ إلا أن عددا من المراقبين يرون أن الإشكال في المغرب يرتبط أساساً بكيفية تنزيل مضامين التوجيهات الملكية على أرض الواقع، وهو ما يجعل خطب الملك في واد، والواقع في واد آخر، بتعبير المتابعين للحالة المغربية.