لم تكن اللغة التي تُلقى بها الكلمات أمام الميكروفونات وتنقلها مكبرات الصوت إلى الآذان مفهومة، خاصة بالنسبة لذوي اللسان الأعجمي، لكنّ الرؤوس كانت تتمايل مع إيقاعات الموسيقى القادمة من ثقافة بلاد باكستان، وتتلاحم الأيادي لتصفّق بعد انتهاء كل مقطوعة، تعبيرا عن الإعجاب. في هذه الأجواء عاش جمهور حدائق جنان السبيل، في الليلة الرابعة من ليالي مهرجان فاس للموسيقى الروحية، خلال الحفل الذي أحيتْه فرقة سبحان أحمد نيزامي، القادم أفرادها إلى العاصمة العلمية للمملكة من باكستان، وتحديدا من كراتشي، حاملين معهم تقاليدهم الأصيلة، من آلات موسيقية تقليدية وأزياء وإكسسوارات. وعلى إيقاعات روحانية، استهلت الفرقة الموسيقية الباكستانية، المنتمية إلى طريقة صوفية يعود تاريخ تأسيسها إلى أزيد من ثمانية قرون، حفلها بمقاطع من قصيدة البُرْدة للإمام البوصيري، أداها أعضاؤها بلغة عربية ولكْنة باكستانية. وبصرامة يقود أحمد نيزامي سبحان فرقته منذ عشرين سنة، محافظا بذلك على الموروث الذي خلفه أسلافه منذ قرون؛ وظهر على منصة حدائق جنان السبيل بفاس كقائد يقود كتيبة عسكرية تقوم باستعراض عسكري في غاية الانضباط. ولاقى العرض الذي قدمته الفرقة تصفيقات حارة من الجمهور . وقبل الحفل الذي أحيته فرقة أحمد نيزامي سبحان، كان جمهور حدائق جنان السبيل على موعد مع حفل فني رائع أحيته فرقة "أورفوس 21"، التي تضمّ عازفين ومطربين من جنسيات مختلفة، من سوريا وتركيا وإسبانيا وكردستان..اختاروا كعنوان لإبداعهم الفني "موسيقى من أجل الحياة والكرامة". يقول قائد الفرقة، جوردي سافال، المتحدر من أصل إسباني: "الموسيقي الحقيقية نتعلمها من الحياة، تأتي من الحياة اليومية التي نعيشها، ومن القلب الذي يفيض بالمشاعر، وليس فقط مما نتعلمه في المدارس والمعاهد الموسيقية والكتب"، ويضيف: "المهم بالنسبة إلينا في الموسيقى هو أن نتقاسم أشياء تجعلنا نسمو بإنسانيتنا ونبث السعادة في النفوس". وتعكس فرقة "أورفوس 21" التجسيد الفعلي للتعايش بين أبناء وبنات الإنسانية، وإن اختلفت الأديان والأعراق واللغات؛ ذلك أنها تتشكل من خليط من اللاجئين والمهاجرين، يسعون إلى نشر المحبة والسلام، والإسهام في الحوار الثقافي، عبر الموسيقى الراقية. وموازاة مع أجواء الموسيقى الهادئة التي تحتضنها منصات باب الماكينة وحدائق جنان السبيل، والليالي الصوفية التي تقام في دار التازي، يشهد مهرجان فاس للموسيقى الروحية تنظيم سهرات خاصة بالفن الشعبي المغربي. وكان جمهور منصة باب بوجلود، مساء أمس، على موعد مع حفلين، الأول أحيته الفنانة الأمازيغية فاطمة تبعمرانت، والثاني أحياه الفنان الشعبي حجيب. وسيكون جمهور مهرجان فاس للموسيقى الروحية مساء اليوم الثلاثاء على موعد مع سفر إلى بلا فارس، في حدائق جنان السبيل على الساعة الرابعة والنصف، مع مجموعة "شمس" الإيرانية، والتي تستمد أغانيها من الشعر الصوفي الفارسي. وفي المكان عينه سيكون الجمهور على موعد مع عرض فني خاص، تمتزج فيه الموسيقى المغربية والملغاشية، من خلال حفل سيحييه عازف العود المغربي المعروف إدريس الملومي، وبلاكي سيسوكو وراجي، من مدغشقر.