استغرب الكثيرون لما جمعه "التحالف من أجل الديمقراطية" المعلن عنه أخيرا من تناقضات إيديولوجية تكرس غياب الحدود بين اليمين واليسار وطغيان المصلحة الانتخابية على التمايز الإيديولوجي، ما قد يشجع على العزوف الانتخابي. عبثا حاول صلاح الدين مزوار، رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار، وعبد الكريم بنعتيق، رئيس الحزب العمالي، إفهام الحاضرين للندوة الصحافية التي نظمتها 8 أحزاب سياسية مغربية يوم الخميس 6 أكتوبر بالرباط، أن التصنيفات الإيديولوجية يمينا ويسارا أصبحت متجاوزة في عالم اليوم. ويبدو أن أغلبية المعلقين السياسيين في المغرب لم يستوعبوا بعد مغزى "التحالف من أجل الديمقراطية" الذي أعلن عنه بشكل مفاجئ يومئذ، والذي يضم أحزابا من اليمين واليسار وأقصى اليمين. خاصة أنه تتويج لسلسلة من المبادرات كان شعارها الدائم "عقلنة المشهد السياسي" على أساس تقاطبات واضحة. محافظون وحداثيون يضم التحالف من أجل الديمقراطية أربعة أحزاب محسوبة على اليمين الليبرالي، اثنان منها يشاركان في الحكومة الحالية وهما التجمع الوطني للأحرار والحركة الشعبية، والثالث (الاتحاد الدستوري) في المعارضة وإن كان يجمعه فريق برلماني مشترك مع التجمع، أما الحزب الرابع (الأصالة والمعاصرة) فيوجد في المعارضة منذ سنة 2009، مجمدا بذات المناسبة عضوية أحمد خشيشن، وزير التربية الوطنية، في قيادته. وإلى هؤلاء انضافت ثلاثة أحزاب يسارية وهي: الحزب العمالي والحزب الاشتراكي واليسار الأخضر. فضلا عن حزب ثامن من أقصى اليمين وهو حزب النهضة والفضيلة ذي التوجه الإسلامي المحافظ. عبد الرحيم منار السليمي، أستاذ العلوم السياسية في جامعة محمد الخامس بالرباط، يقلل في حواره مع دويتشه فيله من غرابة هذا التحالف قائلا "التحالفات السياسية في مجموعة من الأنظمة، تبنى على حسابات الربح والخسارة وليس بالضرورة على أساس التقارب الإيديولوجي. حتى وجود حزب النهضة والفضيلة الإسلامي يعتبر طبيعيا حسب هذا المنطق". ويضيف بالقول: "هناك ضغوط أمريكية على المغرب لعدم عرقلة وصول الإسلاميين إلى السلطة، ووجوده يدل على أن العدالة والتنمية ليس هو الممثل السياسي الوحيد للإسلاميين". صلاح الدين مزوار، الذين خاطب الصحافيين باسم التحالف، تحدث عن قطبين يخترقان المجتمع المغربي، قطب المحافظين وقطب الحداثيين، واضعا التحالف الجديد ضمن القطب الحداثي، رغم وجود حزب إسلامي داخله. ويحيل الحديث عن المحافظين على حزب العدالة والتنمية الإسلامي وحزب الاستقلال ذي الجذور الإسلامية والذي سبق له أن عبر عن مواقف مماثلة للإسلاميين في قضايا المرأة والأمازيغية ومكانة المواثيق الدولية لحقوق الإنسان في الدستور. الاستقلاليون فضلوا عدم التعليق على هذا التحالف مكتفين بنعته ب"الهجين" في ما يعتبر حلقة أخرى من مسلسل الحرب السياسية والإعلامية بينهم وبين حليفهم في الحكومة مزوار، وحلفاء هذا الأخير في الأصالة والمعاصرة. خارطة تحالفات حزبية متشعبة عبد الإله بنكيران، أمين عام حزب العدالة والتنمية، لم يخف قلقه من التحالف الجديد مؤكدا أنه "موجه ضد العدالة والتنمية" وأنه "جاء من أجل خلخلة الوضع بعد أن استشعروا إمكانية فوز العدالة والتنمية في الانتخابات القادمة في 25 نوفمبر". ويعد بالنسبة لحزبي الاستقلال والعدالة والتنمية التحالف الجديد سوى أداة في يد فؤاد عالي الهمة، صديق الملك والقيادي في حزب الأصالة والمعاصرة ووزير الدولة المنتدب سابقا في وزارة الداخلية. ويمكن لهذا الالتقاء أن يجعل الحزب الإسلامي أقرب إلى صفوف الكتلة الديمقراطية، التحالف الذي يضم منذ 20 سنة حزب الاستقلال وحزبين يساريين هما الاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية. وقد عبر مرارا قادة العدالة والتنمية عن رغبتهم بالانضمام إلى الكتلة الديمقراطية بعد إعلان التحالف الثماني. رغبة تقابلها تصريحات مرحبة من قياديين في أحزاب الكتلة وأخرى متحفظة. أكبر المرحبين هو نبيل بنعبد الله، أمين عام حزب التقدم والاشتراكية، الذي دعا إلى "الكف عن شيطنة الإسلاميين"، رغم أن حزبه وأحزاب يسارية أخرى خاضت معارك شرسة ضدهم في قضايا المرأة وحقوق الإنسان، علما أن الاتحاد الاشتراكي من جهته انخرط قبل أسابيع، بموازاة تحالفه في الكتلة، في تحالف آخر لأحزاب اليسار إلى جانب التقدم والاشتراكية وجبهة القوى الديمقراطية والأحزاب اليسارية الثلاثة الملتحقة بالتحالف من أجل الديمقراطية. غير أن أحمد البوز، أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط، في حواره مع دويتشه فيله ينبه إلى إمكانية حدوث المفاجأة والتحاق الاتحاد بدوره بتحالف الثمانية. "الاتحاد الاشتراكي يعلم أن أحزاب اليسار ليست قوة انتخابية وإنما مجرد قوة احتجاجية يلجأ إليها أحيانا، لذلك من غير المستبعد أن يلتحق بالتحالف الثماني إذا حصل هذا الأخير على موقع يؤهله لتشكيل الحكومة المقبلة، خاصة أن الدولة لا يمكنها المجازفة بترك الاستقلال والاتحاد والعدالة والتنمية مجتمعين في المعارضة". هذا الأخير يبقى التحاقه بالكتلة، في رأي البوز "رهينا بقرار سياسي كبير وضوء أخضر ملكي". لا مبالاة المقاطعين بعيدا عن هذه السيناريوهات والحسابات تستعد حركة 20 فبراير المدعومة بأحزاب من أقصى اليسار وجماعة العدل والإحسان الإسلامية المحظورة من أقصى اليمين، إلى تعبئة الشارع من أجل مقاطعة الانتخابات. خصوصية الحقل السياسي المغربي تجعل جبهة المعارضين الراديكاليين مخترقة هي الأخرى بتحالفات غير متجانسة إيديولوجيا، يلتقي فيها أقصى اليسار بأقصى اليمين حول أهداف غير متناقضة مرحليا. في ظل هذه الأجواء تزداد المخاوف من عزوف آخر للناخبين كالذي حدث في سنة 2007. عبد العزيز العبدي، أحد المعلقين النشيطين على الفايسبوك، كتب على صفحته قائلا "لن أصوت في الانتخابات، لأن الشارع فرض منطقه في مسار اللعبة السياسية، ومن المفروض الاستجابة لمطالبه، بينما القوى السياسية انبرت لمعركة صغيرة بحجم هياكلها، تتصارع على قوانين انتخابية (...) الهدف منه تحقيق تمثيلية كمية لمريدها، لا الدفاع عن برامجها". عن دويتشه فيله