جلالة الملك يهنئ عاهل مملكة السويد بمناسبة عيد ميلاده    الصين تعزز مكانتها في التجارة العالمية: حجم التبادل التجاري يتجاوز 43 تريليون يوان في عام 2024    موتسيبي: كأس أمم إفريقيا المغرب-2025 ستكون "أفضل" احتفال بكرة القدم الإفريقية    زخات رعدية ورياح قوية بمختلف مناطق المغرب خلال الأيام المقبلة    انطلاق حملة تحرير الملك العام وسط المدينة استعدادا لصيف سياحي منظم وآمن    أداء إيجابي في تداولات بورصة البيضاء    جامعة "الأخوين" تدعَم مشاريع ناشئة    تحسين الدخل ومكاسب الشغيلة .. الحكومة تكشف نتائج جولة "حوار أبريل"    الإمارات تحبط تمرير أسلحة للسودان    كيم جونغ يأمر بتسريع التسلح النووي    11 قتيلا جراء الاشتباكات قرب دمشق    العراق يوجه الدعوة للملك محمد السادس    العلاقة الإسبانية المغربية: تاريخ مشترك وتطلعات للمستقبل    الداخلة.. مؤتمر التحالف من أجل الحكم الذاتي في الصحراء يدعو إلى تجديد للمقاربة الأممية بخصوص النزاع حول الصحراء المغربية    سرقة سيارة وسلاح شرطي ببني ملال    الحكومة تلتزم برفع متوسط أجور موظفي القطاع العام إلى 10.100 درهم بحلول سنة 2026    ندوة وطنية … الصين بعيون مغربية قراءات في نصوص رحلية مغربية معاصرة إلى الصين    رحلة فنية بين طنجة وغرناطة .. "كرسي الأندلس" يستعيد تجربة فورتوني    السجن النافذ لمسؤول جمعية رياضية تحرش بقاصر في الجديدة    ابن يحيى : التوجيهات السامية لجلالة الملك تضع الأسرة في قلب الإصلاحات الوطنية    حكيمي: "رغم الفوز على أرسنال.. لدينا شوط آخر في باريس"    نجاح دورة جديدة لكأس الغولف للصحافيين بأكادير    فيلم "البوز".. عمل فني ينتقد الشهرة الزائفة على "السوشل ميديا"    المغرب يروّج لفرص الاستثمار في الأقاليم الجنوبية خلال معرض "إنوفيشن زيرو" بلندن    حاجيات الأبناك من السيولة بلغت 129,8 مليار درهم    وزير النقل: 88 في المائة من حالات التأخير في الرحلات الجوية مرتبطة بمطارات المصدر    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الأربعاء    مارك كارني يتعهد الانتصار على واشنطن بعد فوزه في الانتخابات الكندية    مسؤول أممي: الوضع في غزة أشبه بيوم القيامة جراء أزمتها الإنسانية والمجاعة التي تفرضها إسرائيل    وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية تدعو المواطنين إلى توخي الحذر بخصوص بعض الإعلانات المتداولة بشأن تأشيرة الحج    برادة: الوزارة ستعمل على تقليص الهدر المدرسي إلى النصف    البواري: دعم حكومي مرتقب لتشجيع الشباب القروي على إنشاء مقاولات فلاحية    التحالف الديمقراطي الاجتماعي العربي يدعم الوحدة الترابية المغربية    سيميوني يستفز برشلونة قبل مباراتهما في نصف النهائي    تقرير: 17% فقط من الموظفين المغاربة منخرطون فعليا في أعمالهم.. و68% يبحثون عن وظائف جديدة    مهرجان هوا بياو السينمائي يحتفي بروائع الشاشة الصينية ويكرّم ألمع النجوم    الأهلي يقصي الهلال ويتأهل إلى نهائي كأس دوري أبطال آسيا للنخبة    إيقاف روديغر ست مباريات وفاسكيز مباراتين وإلغاء البطاقة الحمراء لبيلينغهام    جسور النجاح: احتفاءً بقصص نجاح المغاربة الأمريكيين وإحياءً لمرور 247 عاماً على الصداقة المغربية الأمريكية    دوري أبطال أوروبا (ذهاب نصف النهاية): باريس سان جرمان يعود بفوز ثمين من ميدان أرسنال    مؤسسة شعيب الصديقي الدكالي تمنح جائزة عبد الرحمن الصديقي الدكالي للقدس    نجاح اشغال المؤتمر الاول للاعلام الرياضي بمراكش. .تكريم بدرالدين الإدريسي وعبد الرحمن الضريس    استئنافية خريبكة تؤيّد الحكم بسنة حبسا في حق البستاتي بسبب تدوينات مناهضة للتطبيع وداعمة لفلسطين    إحراق 19 طنا من المخدرات و652 قرصا مهلوسا كانت محجوزة لدى الجمارك بأسفي    البيضاء…..ختام فعاليات الدورة السادسة من مهرجان إبداعات سينما التلميذ للأفلام القصيرة    انقطاع التيار الكهربائي .. الحكومة البرتغالية تستبعد حدوث هجوم إلكتروني    حقن العين بجزيئات الذهب النانوية قد ينقذ الملايين من فقدان البصر    اختبار بسيط للعين يكشف احتمالات الإصابة بانفصام الشخصية    دراسة: المضادات الحيوية تزيد مخاطر الحساسية والربو لدى الأطفال    عودة حمزة مون بيبي : فضيحة نصب تطيح بمؤثر شهير في بث مباشر وهمي    لقاء علمي بجامعة القاضي عياض بمراكش حول تاريخ النقود الموريتانية القديمة    دراسة: متلازمة التمثيل الغذائي ترفع خطر الإصابة بالخرف المبكر    اختيار نوع الولادة: حرية قرار أم ضغوط مخفية؟    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    كردية أشجع من دول عربية 3من3    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    قصة الخطاب القرآني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فواصل الأيام .. تحالف الثمانية: اغتيال السياسة
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 19 - 10 - 2011

في ظرفية سياسية مفصلية ودقيقة، يتطلع فيها المغاربة الذين صوتوا بكثافة على الدستور الجديد إلى إجراءات وخطوات ومبادرات تعزز الثقة في المستقبل، يأتي الإعلان عن تأسيس «التحالف من أجل الديمقراطية»، ليوجه صفعة قوية ومدوية لكل المجهودات المبذولة، والمطلوبة من أجل مصالحة المواطنين والمواطنات مع العمل السياسي والحزبي حتى لا تتكرر كارثة العزوف عن المشاركة في الانتخابات المقبلة . فقد أثار هذا التحالف الثماني ردود فعل قوية من طرف المواطنين والفاعلين السياسيين والنخب الثقافية، تراوحت بين التعبير عن الاستغراب والصدمة، وبين التنديد والاستهجان والريبة، واعتباره إمعانا في تمييع الحقل السياسي، وتعميق وضعية الخلط والالتباس فيه.
ولأنه ليس بالإمكان هنا عرض كل ردود الفعل هذه ،التي تتبعها الرأي العام الوطني في مختلف وسائل الإعلام، لنأخذ نماذج منها : فأطر وقواعد أحزاب اليسار في هذا التحالف رفضوا هذا القرار. فقد أعلن نائب المنسق الوطني لحزب اليسار الأخضر عن رفضه «وضع يده في يد المفسدين»، ودعا فرع نفس الحزب بمراكش إلى «الخروج من هذا التحالف»، كما أصدر فرع الحزب العمالي بأسفي بيانا أكد فيه «أن الكتابة الإقليمية غير معنية بقرار التحالف الذي لا علاقة له بالمبادئ الأساسية للحزب»، وهناك حالة غضب قوية داخل قواعد أحزاب اليسار المتحالفة، تؤشر على مغادرة جماعية في القريب. ولم يخرج موقف جل الأحزاب الوطنية الديمقراطية عن هذا الإطار، إذ وصفت التحالف الثماني بالهجين والانتخابوي. وفي مواقف المثقفين والأكاديميين، يستوقفنا موقف الاقتصادي الدكتور إدريس بن علي، الذي اعتبر في مقالته الأسبوعية بجريدة «المساء» أن ما جرى هو «دعارة ثقافية»، و «انتهازية سياسية»، بينما أكد الشاعر عبد اللطيف اللعبي في حوار مع «أخبار اليوم» أن هذا التحالف ، رغم ادعائه بأنه وضع الإيديولوجية جانبا، فإنه « تحالف إيديولوجي بامتياز على الطريقة المخزنية».
إن الهدف من هذا التذكير بهذه النتف من ردود الفعل السلبية الواسعة على هذا التحالف ،هو تسجيل، وبكل ارتياح، الحس السياسي السليم لكافة مكونات «المجتمع السياسي» التي استقبلت هذه «القنبلة» (كما وصفها الرئيس التجمعي قبل الإعلان عنها) باستهجان، وجعلتها تنفجر فضيحة في وجه صانعيها، حيث قيل عن أهدافها ومبرراتها وتوقيتها ومكوناتها الفسيفسائية «ما لم يقله مالك في الخمر «.. إن الشعب الذي يريد إسقاط الفساد هو نفسه الذي يريد إيقاف مسلسل التمييع والاستبلاد الذي اتسعت دائرته والمنخرطون فيها.
تحالف الثمانية: اغتيال السياسة
وفي مرافعات بعض زعماء الأحزاب اليمينية واليسارية والإسلامية المتحالفة، هناك سيمفونية واحدة مشروخة يتم ترديدها بشكل مقرف: - زمن الإيديولوجيا ولى - مقولتا اليسار واليمين لم تعد لهما أية صلاحية في عصرنا- الحديث عن التاريخ والشرعية التاريخية حديث كلاسيكي ومتخلف - نقد حزب الدولة الجديد سذاجة ودليل على عدم فهم جيد للوضع السياسي الراهن، حسب زعم «الزعيم العمالي».. إن هذه الحيثيات التي يرددها زعماء «ألجي 8 « لتبرير مبادرتهم، تفرض الأسئلة التالية:
- ماذا يتبقى من السياسة، ثقافة وممارسة، إذا جردناها من الإيديولوجية والمرجعية الهوياتية، و من مقولتي يمين ويسار، ومن التاريخ الذي ظل وسيبقى «محكمة العالم العليا»؟
- إذا كانت بعض الظروف الصعبة والطارئة، تفرض أحيانا تشكيل تحالفات واسعة من أجل المصلحة العليا للوطن، كما حدث في منتصف التسعينيات لما أعلن الراحل الحسن الثاني دنو المغرب من «سكتة قلبية « محققة ، واقترح صيغة حكومة «التناوب التوافقي»، فما الذي يجيز اليوم هذا التحالف الحزبي؟ في وقت أقبل فيه الشعب على صناديق الاقتراع بقناعة وحماس، وصوت بالإيجاب على الدستور الجديد ؟ أما زلنا في حاجة إلى «وصفة « التوافقات الاضطرارية والهشة لتسعينيات القرن الماضي؟ ألم تفقد بعد صلاحيتها، حتى نعززها بتحالفات من هذا النوع الغريب وغير المبرر موضوعيا ؟
- ما الذي يدفع إلى تحالف اليمين الإداري المخزني، باليسار العمالي الاشتراكي وبالإسلامي ،غير حساب المقاعد بعد أن تم وضع الإيديولوجيا جانبا ، واعتبار تصنيف اليمين واليسار متجاوزا؟ وهل يساعد مثل هذا التحالف على توضيح الخريطة الحزبية الوطنية للمواطنين والمواطنات، أم يزيدها ضبابية والتباسا ؟
إجابات المتحالفين عن هذه الأسئلة تتحدث بعمومية عن المشروع الحداثي الديمقراطي كرافعة للتحالف الثماني، إضافة إلى ثوابت وقيم مشتركة، وطموح جماعي إلى تجاوز وضعية البلقنة في المشهد الحزبي، وتنفي نفيا قاطعا، وغير مقنع، أية حسابات انتخابية أو سياسية ظرفية ( الحوارات التي نشرت مع كل من مزوار وبنعتيق وبيد الله بجريدتي «أخبار اليوم « و»المساء»)
إن المشروع الحداثي الديمقراطي المفترى عليه، والذي تحول إلى لازمة مملة يرددها المخزني والليبرالي اليميني والديمقراطي اليساري والداعية الإسلامي، يبقى إطارا نظريا عاما وفضفاضا، تتجاذبه إيديولوجيات مختلفة، نشأت وتبلورت في فضاء الحداثة الأوروبية في القرنين السابع عشر والثامن عشر، من ليبرالية واشتراكية بمختلف تلويناتهما ، إضافة إلى النزعات «ما بعد حداثية».. إن كل حديث عن المشروع الحداثي ، والادعاء في نفس الوقت بوضع الايديولوجيا جانبا، ينطوي على كثير من التناقض والتهافت، والاستسهال في توظيف الأطروحة الفاسدة حول «نهاية الإيديولوجيا».
ولاشك في أنه إلى جانب الثوابت والقيم المشتركة التي نص عليها الدستور الجديد والتي توحد كل المواطنين داخل الوطن الواحد، هناك أيضا قيم وثوابت ترتبط بالرؤية الفكرية والسياسية الموجهة والمرشدة للعمل الحزبي، والمحددة لاختياراته السياسية الكبرى التي تحدد موقع واصطفاف كل حزب داخل المشهد السياسي بصراعاته وتناقضاته، هذه القيم والثوابت الحزبية المشتركة مفتقدة في هذا التحالف، الذي لا يربطه فكر ولا توجه سياسي واحد ، ولا تجربة تاريخية متقاربة على الأقل : فليس لمن كان مصطفا إلى جانب قوى المحافظة والقمع والليبرالية المتوحشة زمن الرصاص، قيم ومبادئ تجيز له «الزواج» من مناضلي يسار هذا الزمن وضحاياه ، اللهم من صار منهم «شاطرا»و «مقاولا» في السياسة ، لا مناضلا متفانيا في خدمة أهدافها النبيلة.
ولعله من السخافة والافتراء، أن تزعم هذه الأحزاب بأن من أهداف التحالف عقلنة المشهد الحزبي، وهي التي كانت في نفس الأسابيع التي حضرت فيها هذه الطبخة في الظلام، ترفض في واضحة النهار، داخل لجنة الداخلية بمجلس النواب، كل إجراء لعقلنة المشهد الحزبي، فدافعت عن عتبة منخفضة، وعن تقطيع انتخابي على المقاس، معتبرة كل الأصوات المنادية برفع العتبة وتوسيع الدوائر إقصائية وهيمنية...
إن التقاطبية الحزبية المرجوة، ليست تجميعا عشوائيا لأكبر عدد ممكن من الأحزاب كيفما كان لونها في سلة واحدة ولأهداف وقتية، وإنما هي تشريع لقوانين تساعد على فرزها ديمقراطيا من خلال صناديق الاقتراع من جهة ، وسعي نحو توحيد صفوف «العائلات السياسية» المتقاربة فكريا وسياسيا ،وذات التجربة النضالية التاريخية المشتركة، من جهة أخرى.. وفي هذا السياق، فاليسار سيظل يسارا واليمين يمينا ما دام هناك صراع اجتماعي ضد الظلم والاستغلال والتفقير، ونضال مستمر من أجل الكرامة والعدالة الاجتماعية، وعليه فان تصنيف يمين/ يسار يحتفظ بصلاحية دائمة في قراءة الاصطفاف الاجتماعي والسياسيوالفكري بشكل موضوعي وواضح، دون خلط ولا تمييع.
إن تجريد الفعل السياسي من أي محتوى فكري وإيديولوجي، والمراهنة على تقاطبية لا تعكس حقيقة الخريطة الحزبية، بتمايزاتها الكبرى، سواء على مستوى التمثيلية المجتمعية والامتداد الشعبي، أو على مستوى المرجعيات الفكرية والاختيارات السياسية المرتبطة بها، لن يؤدي في نهاية المطاف إلا إلى اختزال السياسة في السباق على احتلال مواقع القرار في مؤسسات الدولة، ونهج كل الطرق والوسائل المؤدية لذلك ولو كانت ضد طبيعة الأشياء ..وفي ذلك اغتيال للسياسة وإحلال لثقافة الانتهازية محل الالتزام السياسي والانتماء الحزبي، المؤسسين على قيم العطاء والإيثار وتقديم المصلحة العامة على المصالح الضيقة للأحزاب والأفراد
لقد بني التحالف الثماني على أباطيل ، هي التي ستسقطه في أول اختبار أو استحقاق جدي . . وإن غدا لناظره لقريب..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.