اضطراب الشراهة عند تناول الطعام: المرض النفسي الذي يحوله تجار المكملات الغذائية إلى سوق استهلاكي    الارتفاع ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    طنجة تسجل 1.77 مليون ليلة مبيت سياحية في 2024 وتحافظ على مكانتها كوجهة رابعة وطنياً    تعليق الدراسة يوم غد السبت باقليم الحسيمة بسبب سوء الأحوال الجوية    توقيف مشتبه فيه متورط في عملية فرار من مكان مخصص للوضع تحت الحراسة النظرية    77 ألف مكالمة على خط التبليغ بالرشوة خلال 5 سنوات أفضت إلى ضبط 299 متورطا في حالة تلبس    استشارة حول تصنيف الوسائل التعليمية للفيزياء والكيمياء بالأقسام التحضيرية    المهندسة سليمة الناجي ل "رسالة 24": فلسفتي الهندسية تهدف إلى تعزيز العمارة المستدامة و الالتزام بحماية غنى التراث المغربي    نشرة إنذارية: تساقطات ثلجية وأمطار قوية وهبات رياح قوية مرتقبة من السبت إلى الإثنين    أزيد من 5,5 مليون قضية راجت بالمحاكم في 2023 والحفظ مصير 32% من الشكايات    أول لقاء بينهما.. وزيرا خارجية المغرب وسوريا يجريان مباحثات بمكة    الولايات المتحدة تدرب 124 طيارا وعسكريا مغربيا على "الأباتشي"    ومازالت أسعار الأدوية ملتهبة!    الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي يثني على جهود المغرب في التنمية والاستقرار    حول المغرب الأركيولوجي ..    فعل التفلسف من خلال التمارين الفكرية كتحويل لنمط الوجود    تهافت التهافت من ابن رشد إلى عبث البيضة    النظام الجزائري ومصطلح "الشرقي": مخاوف اللص من انكشاف الحقيقة    المغرب يحصل على تمويل فرنسي لشراء قطارات فائقة السرعة    عزيز أخنوش يمدّ يديه إلى مجال الانتقال الطاقي    العثور على قنبلة من مخلفات الحرب العالمية الثانية في محطة قطارات في باريس    محكمة التحكيم تفرض على "الكاف" قبول ترشح صامويل إيتو لعضوية لجنته    الفن السابع المغربي يتألق في افتتاح مهرجان الفيلم الفرنكفوني بدبلن    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    صراع الوصافة يشتد بين الوداد والفتح والزمامرة والجيش    الاتحاد الأوروبي يستورد 841 طناً من زيت الزيتون المغربي    فرق الانقاذ تنتشل جثة الطفلة التي جرفتها السيول ببركان    الدوري الأوروبي.. فوز إعجازي للاتسيو وتعادل صعب للمان وهزيمة في آخر الأنفاس لبلباو    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الجمعة    من إنقاذ الحرب إلى التواصل عبر "شياوهونغشو": كيف يبني الناس العاديون جسورًا بين الصين وأمريكا    مباحثات تجمع بوريطة بنظيره السوري    استمرار ارتفاع أسعار اللحوم الحمراء بمدن الشمال    مقاصد الصيام.. من تحقيق التقوى إلى بناء التوازن الروحي والاجتماعي    دوري أبطال إفريقيا: الجيش الملكي يستقبل بيراميدز المصري بمكناس    توخيل يستقر على 55 لاعبا قبل الإعلان عن قائمة إنجلترا لتصفيات المونديال    سوريا.. عمليات تمشيط أمني واسعة بمحافظتي طرطوس واللاذقية إثر اشتباكات خلفت عشرات القتلى    مزيد من التوتر بين الجزائر وفرنسا بسبب مناورات عسكرية مشتركة مع المغرب    أمطار طوفانية تغرق مدن جهة الشرق.. ووفاة طفلة في بركان بسبب بالوعة للصرف الصحي    الصين تستضيف قمة منظمة شنغهاي للتعاون الخريف المقبل    نهضة الزمامرة ينفصل عن مدربه أمين بنهاشم بالتراضي رغم سلسلة نتائجه الجيدة    توقعات أحوال الطقس اليوم الجمعة    إقليم الجديدة تحت المجهر: الشبكة المغربية لحقوق الإنسان تكشف عن الإخفاقات التنموية وتدعو للمحاسبة الفعالة    نادي الوداد ينال 10 ملايين دولار    زنيبر: المغرب يعزز حوار الأديان    ترامب: أجرينا محادثات مع حركة "حماس" من أجل مساعدة إسرائيل (فيديو)    "مغاربة الليغا" يلتزمون بالصيام    عسكريون أمريكيون: تزود المغرب بمروحيات "الأباتشي" يردع الإرهاب    فصل تلاوة القرآن الكريم في شهر رمضان    سكينة درابيل: يجذبني عشق المسرح    قصص رمضانية...قصة الصبر على البلاء (فيديو)    السمنة تهدد صحة المغاربة .. أرقام مقلقة ودعوات إلى إجراءات عاجلة    "مرجع ثقافي يصعب تعويضه".. وفاة ابن تطوان الأستاذ مالك بنونة    خبير يدعو إلى ضرورة أخذ الفئات المستهدفة للتلقيح تجنبا لعودة "بوحمرون"    وزارة الصحة : تسجيل انخفاض متواصل في حالات الإصابة ببوحمرون    عمرو خالد: 3 أمراض قلبية تمنع الهداية.. و3 صفات لرفقة النبي بالجنة    مسؤول يفسر أسباب انخفاض حالات الإصابة بفيروس الحصبة    عمرو خالد يكشف "ثلاثية الحماية" من خداع النفس لبلوغ الطمأنينة الروحية    في حضرة سيدنا رمضان.. هل يجوز صيام المسلم بنية التوبة عن ذنب اقترفه؟ (فيديو)    









فواصل الأيام .. تحالف الثمانية: اغتيال السياسة
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 19 - 10 - 2011

في ظرفية سياسية مفصلية ودقيقة، يتطلع فيها المغاربة الذين صوتوا بكثافة على الدستور الجديد إلى إجراءات وخطوات ومبادرات تعزز الثقة في المستقبل، يأتي الإعلان عن تأسيس «التحالف من أجل الديمقراطية»، ليوجه صفعة قوية ومدوية لكل المجهودات المبذولة، والمطلوبة من أجل مصالحة المواطنين والمواطنات مع العمل السياسي والحزبي حتى لا تتكرر كارثة العزوف عن المشاركة في الانتخابات المقبلة . فقد أثار هذا التحالف الثماني ردود فعل قوية من طرف المواطنين والفاعلين السياسيين والنخب الثقافية، تراوحت بين التعبير عن الاستغراب والصدمة، وبين التنديد والاستهجان والريبة، واعتباره إمعانا في تمييع الحقل السياسي، وتعميق وضعية الخلط والالتباس فيه.
ولأنه ليس بالإمكان هنا عرض كل ردود الفعل هذه ،التي تتبعها الرأي العام الوطني في مختلف وسائل الإعلام، لنأخذ نماذج منها : فأطر وقواعد أحزاب اليسار في هذا التحالف رفضوا هذا القرار. فقد أعلن نائب المنسق الوطني لحزب اليسار الأخضر عن رفضه «وضع يده في يد المفسدين»، ودعا فرع نفس الحزب بمراكش إلى «الخروج من هذا التحالف»، كما أصدر فرع الحزب العمالي بأسفي بيانا أكد فيه «أن الكتابة الإقليمية غير معنية بقرار التحالف الذي لا علاقة له بالمبادئ الأساسية للحزب»، وهناك حالة غضب قوية داخل قواعد أحزاب اليسار المتحالفة، تؤشر على مغادرة جماعية في القريب. ولم يخرج موقف جل الأحزاب الوطنية الديمقراطية عن هذا الإطار، إذ وصفت التحالف الثماني بالهجين والانتخابوي. وفي مواقف المثقفين والأكاديميين، يستوقفنا موقف الاقتصادي الدكتور إدريس بن علي، الذي اعتبر في مقالته الأسبوعية بجريدة «المساء» أن ما جرى هو «دعارة ثقافية»، و «انتهازية سياسية»، بينما أكد الشاعر عبد اللطيف اللعبي في حوار مع «أخبار اليوم» أن هذا التحالف ، رغم ادعائه بأنه وضع الإيديولوجية جانبا، فإنه « تحالف إيديولوجي بامتياز على الطريقة المخزنية».
إن الهدف من هذا التذكير بهذه النتف من ردود الفعل السلبية الواسعة على هذا التحالف ،هو تسجيل، وبكل ارتياح، الحس السياسي السليم لكافة مكونات «المجتمع السياسي» التي استقبلت هذه «القنبلة» (كما وصفها الرئيس التجمعي قبل الإعلان عنها) باستهجان، وجعلتها تنفجر فضيحة في وجه صانعيها، حيث قيل عن أهدافها ومبرراتها وتوقيتها ومكوناتها الفسيفسائية «ما لم يقله مالك في الخمر «.. إن الشعب الذي يريد إسقاط الفساد هو نفسه الذي يريد إيقاف مسلسل التمييع والاستبلاد الذي اتسعت دائرته والمنخرطون فيها.
تحالف الثمانية: اغتيال السياسة
وفي مرافعات بعض زعماء الأحزاب اليمينية واليسارية والإسلامية المتحالفة، هناك سيمفونية واحدة مشروخة يتم ترديدها بشكل مقرف: - زمن الإيديولوجيا ولى - مقولتا اليسار واليمين لم تعد لهما أية صلاحية في عصرنا- الحديث عن التاريخ والشرعية التاريخية حديث كلاسيكي ومتخلف - نقد حزب الدولة الجديد سذاجة ودليل على عدم فهم جيد للوضع السياسي الراهن، حسب زعم «الزعيم العمالي».. إن هذه الحيثيات التي يرددها زعماء «ألجي 8 « لتبرير مبادرتهم، تفرض الأسئلة التالية:
- ماذا يتبقى من السياسة، ثقافة وممارسة، إذا جردناها من الإيديولوجية والمرجعية الهوياتية، و من مقولتي يمين ويسار، ومن التاريخ الذي ظل وسيبقى «محكمة العالم العليا»؟
- إذا كانت بعض الظروف الصعبة والطارئة، تفرض أحيانا تشكيل تحالفات واسعة من أجل المصلحة العليا للوطن، كما حدث في منتصف التسعينيات لما أعلن الراحل الحسن الثاني دنو المغرب من «سكتة قلبية « محققة ، واقترح صيغة حكومة «التناوب التوافقي»، فما الذي يجيز اليوم هذا التحالف الحزبي؟ في وقت أقبل فيه الشعب على صناديق الاقتراع بقناعة وحماس، وصوت بالإيجاب على الدستور الجديد ؟ أما زلنا في حاجة إلى «وصفة « التوافقات الاضطرارية والهشة لتسعينيات القرن الماضي؟ ألم تفقد بعد صلاحيتها، حتى نعززها بتحالفات من هذا النوع الغريب وغير المبرر موضوعيا ؟
- ما الذي يدفع إلى تحالف اليمين الإداري المخزني، باليسار العمالي الاشتراكي وبالإسلامي ،غير حساب المقاعد بعد أن تم وضع الإيديولوجيا جانبا ، واعتبار تصنيف اليمين واليسار متجاوزا؟ وهل يساعد مثل هذا التحالف على توضيح الخريطة الحزبية الوطنية للمواطنين والمواطنات، أم يزيدها ضبابية والتباسا ؟
إجابات المتحالفين عن هذه الأسئلة تتحدث بعمومية عن المشروع الحداثي الديمقراطي كرافعة للتحالف الثماني، إضافة إلى ثوابت وقيم مشتركة، وطموح جماعي إلى تجاوز وضعية البلقنة في المشهد الحزبي، وتنفي نفيا قاطعا، وغير مقنع، أية حسابات انتخابية أو سياسية ظرفية ( الحوارات التي نشرت مع كل من مزوار وبنعتيق وبيد الله بجريدتي «أخبار اليوم « و»المساء»)
إن المشروع الحداثي الديمقراطي المفترى عليه، والذي تحول إلى لازمة مملة يرددها المخزني والليبرالي اليميني والديمقراطي اليساري والداعية الإسلامي، يبقى إطارا نظريا عاما وفضفاضا، تتجاذبه إيديولوجيات مختلفة، نشأت وتبلورت في فضاء الحداثة الأوروبية في القرنين السابع عشر والثامن عشر، من ليبرالية واشتراكية بمختلف تلويناتهما ، إضافة إلى النزعات «ما بعد حداثية».. إن كل حديث عن المشروع الحداثي ، والادعاء في نفس الوقت بوضع الايديولوجيا جانبا، ينطوي على كثير من التناقض والتهافت، والاستسهال في توظيف الأطروحة الفاسدة حول «نهاية الإيديولوجيا».
ولاشك في أنه إلى جانب الثوابت والقيم المشتركة التي نص عليها الدستور الجديد والتي توحد كل المواطنين داخل الوطن الواحد، هناك أيضا قيم وثوابت ترتبط بالرؤية الفكرية والسياسية الموجهة والمرشدة للعمل الحزبي، والمحددة لاختياراته السياسية الكبرى التي تحدد موقع واصطفاف كل حزب داخل المشهد السياسي بصراعاته وتناقضاته، هذه القيم والثوابت الحزبية المشتركة مفتقدة في هذا التحالف، الذي لا يربطه فكر ولا توجه سياسي واحد ، ولا تجربة تاريخية متقاربة على الأقل : فليس لمن كان مصطفا إلى جانب قوى المحافظة والقمع والليبرالية المتوحشة زمن الرصاص، قيم ومبادئ تجيز له «الزواج» من مناضلي يسار هذا الزمن وضحاياه ، اللهم من صار منهم «شاطرا»و «مقاولا» في السياسة ، لا مناضلا متفانيا في خدمة أهدافها النبيلة.
ولعله من السخافة والافتراء، أن تزعم هذه الأحزاب بأن من أهداف التحالف عقلنة المشهد الحزبي، وهي التي كانت في نفس الأسابيع التي حضرت فيها هذه الطبخة في الظلام، ترفض في واضحة النهار، داخل لجنة الداخلية بمجلس النواب، كل إجراء لعقلنة المشهد الحزبي، فدافعت عن عتبة منخفضة، وعن تقطيع انتخابي على المقاس، معتبرة كل الأصوات المنادية برفع العتبة وتوسيع الدوائر إقصائية وهيمنية...
إن التقاطبية الحزبية المرجوة، ليست تجميعا عشوائيا لأكبر عدد ممكن من الأحزاب كيفما كان لونها في سلة واحدة ولأهداف وقتية، وإنما هي تشريع لقوانين تساعد على فرزها ديمقراطيا من خلال صناديق الاقتراع من جهة ، وسعي نحو توحيد صفوف «العائلات السياسية» المتقاربة فكريا وسياسيا ،وذات التجربة النضالية التاريخية المشتركة، من جهة أخرى.. وفي هذا السياق، فاليسار سيظل يسارا واليمين يمينا ما دام هناك صراع اجتماعي ضد الظلم والاستغلال والتفقير، ونضال مستمر من أجل الكرامة والعدالة الاجتماعية، وعليه فان تصنيف يمين/ يسار يحتفظ بصلاحية دائمة في قراءة الاصطفاف الاجتماعي والسياسيوالفكري بشكل موضوعي وواضح، دون خلط ولا تمييع.
إن تجريد الفعل السياسي من أي محتوى فكري وإيديولوجي، والمراهنة على تقاطبية لا تعكس حقيقة الخريطة الحزبية، بتمايزاتها الكبرى، سواء على مستوى التمثيلية المجتمعية والامتداد الشعبي، أو على مستوى المرجعيات الفكرية والاختيارات السياسية المرتبطة بها، لن يؤدي في نهاية المطاف إلا إلى اختزال السياسة في السباق على احتلال مواقع القرار في مؤسسات الدولة، ونهج كل الطرق والوسائل المؤدية لذلك ولو كانت ضد طبيعة الأشياء ..وفي ذلك اغتيال للسياسة وإحلال لثقافة الانتهازية محل الالتزام السياسي والانتماء الحزبي، المؤسسين على قيم العطاء والإيثار وتقديم المصلحة العامة على المصالح الضيقة للأحزاب والأفراد
لقد بني التحالف الثماني على أباطيل ، هي التي ستسقطه في أول اختبار أو استحقاق جدي . . وإن غدا لناظره لقريب..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.