بعد أن وصل صَدَاهَا إلى ردهات محاكم مدريد، دخل حزب "بوديموس" الراديكالي الإسباني على خط قضية العاملات المغربيات الموسميات في حقول الفراولة، اللَّواتي تقدَّمن بشكايات لدى السلطات، يتَّهمن فيها مُلاك المزارع بمنطقة ألمونتي الأندلسية بالاعتداء الجنسي عليهن واحتجازهن، حيث وجه مذكرة إلى الأحزاب الممثلة في البرلمان الإسباني ينتقد فيها "الوضع الذي تعيش فيه المهاجرات اللَّواتي يعْملن موسميات في مزارع الفراولة"، والذي وصَفهُ ب"المخيف ويدعو إلى القلق". وأضاف الحزب اليساري الراديكالي أن العاملات اللواتي يشتغلن في حقول الفراولة بالجنوب الإسباني "يتَعرضن لكل أشكال التمييز؛ كما جاء على لسانهنَّ وفي محاضر السلطات الأمنية، وقد تطور هذا الأمر إلى الأسوأ بعد أن تعرض عدد منهن إلى الإيذاء الجنسي والاحتجاز في ظروف صعبة، كما تم طرد أخريات إلى خارج إسبانيا مخافة انتشار الفضيحة". وأوضح "بوديموس" أن "هذا الوضع يرجع إلى كونِهنَّ نساء مُهاجرات، قدِمن من المناطق الريفية بالمغرب، ولا يتوفرن على ضمانات اجتماعية، تسمح لهن بصيانة كرامتهن، كما أن معظمهن لا يتحدثن اللغة الإسبانية، مما يجعلهن عرضة لكل أشكال التمييز". وأضاف أن "هدف هذا التمييز هو وضع مصالح السوق والشركات الكبيرة فوق مصلحة العمال والعاملات، الأمر الذي يجعلهن في مواجهة مباشرة مع أرباب العمل الذين لا يلتزمون بدفاتر العقود". وتوقف الحزب ذاته عند صمت السلطات المحلية بمنطقة هويلبا، التي اهتزت على وقع تعرض عشرات العاملات للاحتجاز والطرد. وأضاف أن "المؤسسات الرسمية لم تتحرك بالشكل المطلوب بخصوص هذا الموضوع"، داعياً إياها إلى "التحرك فوراً من أجل تقديم الحلول"، قبل أن يؤكد بأن "كل حالة انتهاك جديدة تُبزر فشلنا جميعاً في مقاربة هذا الموضوع". وسجل "بوديموس" أن "مجلس الأندلس" والحكومة المركزية الجديدة لم يتخذا أي إجراء واقعي لإنصاف ضحايا حقول ألمنوتي"، وقال: "نحن عازمون على العمل، والاتفاق مع جميع الجهات الفاعلة ذات الصلة بنشاط الفواكه الحمراء من أجل رد الاعتبار للعاملات". وكانت أكثر من عشرين عاملة في حقول الفراولة بمنطقة هويلبا تقدمن بشكايات، خلال الأيام القليلة الماضية، لدى الحرس المدني الإسباني ونقابة العمال والعاملات بالأندلس. كما أقدمت جمعيات حقوقية إسبانية على إجراء تحقيقات ميدانية أسْفَرت عن تبنِّيها عشرات الشكايات، مما أدَّى إلى تسليمها إلى بعض الأحزاب السياسية، ومن بينها حزب "بوديموس". وتستعدُّ جمعيات حقوقية وعمالية إسبانية للخروج في مسيرة حاشدة غدا الأحد للتنديد بما تتعرض له "نساء الفراولة" من "اعتداءاتٍ جنسية وانتهاكات لحقوقهن الشغيلة كالحرمان من الأجور، وحجز جواز السفر، والعمل ساعات طويلة، إضافةً إلى سوء المعاملة من طرف مُلاك الضيعات الفلاحية الإسبان". في السياق ذاته، اعتبر عبد الإله الخضري، رئيس المركز المغربي لحقوق الإنسان، أن التظلمات التي تقدَّمت بشأنها عاملات الفراولة المغربيات بهويلبا، تتعلق بالاغتصاب، ومحاولة الاغتصاب، وحجز جوازات السفر، وتشغيلهن مددا طويلة دون أداء الساعات الإضافية، وتشغيلهن في ظروف صعبة. وأضاف "إذا تقدم حزب "بوديموس" بسؤال في البرلمان الإسباني فهذا من صلب اختصاصه، فنحن نتحدث عن جرائم محتملة ارتكبت بالأرض الإسبانية، بصرف النظر عن جنسية الضحية". وفي الوقت الذي تعتزم الحكومة المغربية إعداد نظام عمالة في مزارع الفراولة تحمي بموجبه حقوق العاملات بمزارع إسبانيا، اعتبر الخضري أن "هذا الوعد غير قابل للتنفيذ مادام لم ينبنِ على إدراك شامل لأوجه المعاناة التي تعانيها عاملات الفراولة بإسبانيا، بدءا بطريقة اختيارهن وظروف عملهن وإجراءات رجوعهن إلى المغرب بعد انتهاء موسم جني الفراولة". وقال الخضري إن "إسبانيا بلد ديمقراطي، دفعت معاناة مغربيات في مزارع إسبانية حزبا سياسيا إلى إثارة الموضوع سياسيا وحكوميا، بل إن القضاء الإسباني تحرك مؤخرا للتحقيق في الفضيحة المرتكبة على أرضه، وهذا دور طبيعي لأحزاب تمارس دورها، بدون محاولة تعتيم أو إخفاء الواقع"، مشيراً إلى أن "هذه مزايا المنظومة السياسية الديمقراطية، حيث تتفاعل الأحزاب مع الأحداث بموضوعية ومسؤولية بعيدا عن لغة التعليمات".