توجد هذه العوينة في الأطلس الكبير الغربي، في مدشر أي يوسّ في قبيلة ؤنزوطّ (مزوضة، أو "صودة" عصر الموحدين)؛ صيتها يتجاوز حدود القبيلة إلى مجموع قبائل حوز مراكش، خاصة الغربي، نظرا لما ينسب إليها من خوارق، خاصة منها المتعلقة بعلاج "داء الكلب" (rage, hydrophobie)، سواء كان المصاب بالمرض حيوانا أو إنسانا. توجد هذه العوينة قرب ضريح الولي سعيد بن حساين الركَراكَي الذي يطلق عليه غالبية سكان القبيلة: "سيدي سعيد ؤحساين" أو "بابا سعيد ؤحساين"، تقديسا له واعترافا بمناقبه وخوارقه. فهم يسمونه أيضا "ئزم" (الليث) أو "ئزم ن ئزماون" (سيد الليوث) ويذهب البعض، استنادا إلى كتاب "السيف المسلول"، إلى أن له قرابة ب"أبي الليوث" بالدار البيضاء (سيدي بليوط)؛ كما يلقبونه ب"صاحب الفرس الأبيض"، وبجانبه توجد مقبرة "بنات بابا عْمرو أمزيل" ("ئستّ باب عْمرو أمزيل" اللائي كن يطبخن، فوق موقد النار، العصيدة في قفاف من نبات الدوم دون أن تحترق تلك القفاف). تحج الفرق الخمس التي تشكل قبيلة مزوضة تباعا، في بداية كل فصل خريف للقيام بطقوس معروف يستهدف الاستسقاء حيث يقدمون مجموعة من القرابين المتمثلة في ذبح مجموعة من الأبقار بالنسبة إلى كل فرقة، خلال مواعيد تسمح لكل فرقة من التبضع من موسم معين من مواسم المنطقة. وفي اليوم الموعود، حيث يلتحق الرجال والشباب من الذكور والإناث بالمدشر، حيث توجد تلك العوينة وذلك الضريح، وتتم خلال يوم مجموعة من الطقوس التي تصبغها قيم التكافل والتضامن والتقاسم والأمل في سنة فلاحية أكثر خصوبة.. لكن إلى جانب ذلك خصصت غرف خاصة للاستحمام بماء تلك العوينة تيمنا فيما ينويه كل زائر، كما يتم اللجوء إلى حفدة الولي الذين يتكفلون بالزوار والزائرات، مطالبين إياهم بمنحهم قليلا من الملح الذي يضعونه في ماء تلك العوينة للاستحمام به أو أن يملأوا لهم قوارير بمائها ليقدموه لأفراد أسرهم أو معارفهم قصد التبرك أو العلاج، بشرط ألا توضع تلك القوارير مباشرة على الأرض، إذا ما تمت مغادرة تراب ضريح الولي. من بين الطقوس المرتبطة بتلك العوينة ضرورة زيارة البنت المقبلة على الزواج للضريح (عادة ثلاثة أيام قبل يوم الزفاف) مع مجموعة من قريباتها وصديقاتها؛ خاصة المقبلات، هن أيضا، على الزواج أو مع اللائي يتمنين أن يتقدم أحد لطلب الزواج منهن. كما يلجأ إليه أيضا العازمون على امتهان الغناء والموسيقى، وكذا كل من تعرض لعضة حيوان مصاب ب"داء الكلب"، ليغتسل بماء تلك العوينة مع قليل من "ملح الولي"، بشرط أن يتم ذلك في أقل من أربعين يوما. هذا قليل من فيض من الطقوس المرتبطة ب"زواج" تلك العوينة بضريح ذلك الولي. ومن بين حفدة الولي أسرة تسمى "أيت بوعشرة" (أيت العشرة) ونحن نعرف أن من بين العشرة الأولين الذين ناصروا المهدي بن تومرت يوجد عيسا الخلاسي الصودي وابنته زينب التي لقبت بأم المؤمنين (1). كما نعلم أن سكان قبيلة مزوضة، حتى بداية الستينيات، يخصصون هبات ل"شرفاء" ركَراكَة ((بلد "سبعة رجال" (ئركَراكَن) الذين يُحكى عنهم أنهم التقوا برسول الإسلام في بداية الدعوة الإسلامية))؛ والذين يقومون بجولات، خاصة في فصلي الربيع والصيف لجمع واستخلاص تلك الهبات. (1) البيدق، أبو بكر بن علي الصنهاجي (1971)، أخبار المهدي بن تومرت وبداية دولة الموحدين، تحقيق عبد الوهاب بن منصور، دار المنصور للطباعة والوراقة، الرباط، ص. 34. *باحث في الأنثروبولوجيا