شارفت فاطمة المذكوري على استكمال عِقدين من زمن الحياة في الهجرة، مرتكزة على ما تعلمته في المغرب للظفر بمكتسبات إضافية في فرنساوأمريكاوماليزيا وسلطنة عُمان. تتشبث هذه المغربية بالتعبير عن ذاتها في الوسط العُماني لإقامتها، مركزة في انشغالاتها المهنية التدبيرية، ومتطلعة إلى المضي في تطوير تموقعها بنية بلوغ مرحلة الإشراف على تأطيرات أكاديمية. تكوين في التسيير تتذكر فاطمة المذكوري إشراقات أيام الطفولة المبكرة التي قضتها في حي الإنارة بمدينة الدارالبيضاء، مثلما تستحضر تفاصيل تدرجها الدراسي الابتدائي والإعدادي في التجمع السكاني عينه. في ضواحي العاصمة الاقتصادية للمملكة ولجت فاطمة المدرسة العليا للتدبير بعد نيلها شهادة الباكالوريا، الكائنة ببوسكورة، متخصصة في المحاسبة ومراقبة التدابير طيلة 4 سنوات من التكوين. اختارت المذكوري مواصلة تعليمها العالي ب"ماستر" في فرنسا، مرتادة من أجل ذلك مؤسسة ESG، ثم اتجهت نحو الديار الأمريكية لإتقان اللغة الإنجليزية قبل نيل "ماستر" في السياسات الاقتصادية من جامعة "بوتسبورغ". إيقاعات مختلفة تقول "ابنة البيضاء" إن تجربتها كانت سهلة جدا في الهجرة نحو الديار الفرنسية، مرجعة ذلك إلى كثرة أفراد الجالية المغربية المقيمة في هذا البلد، بينهم من شاركوها بعض فصول الدراسة بالمملكة. وتزيد فاطمة أن لقاءاتها مع بعض معارفها في باريس، إضافة إلى حضور كمي لأبناء الوطن الأم في المدرسة نفسها التي ترتادها بعاصمة فرنسا، غيب عنها الإحساس بالاغتراب وجعلها تندمج في مجتمعها الجديد بكل سلاسة. أما بخصوص تجربتها الأمريكية فإن المذكوري تعتبرها أشد قربا من الاغتراب، مؤكدة أن تحقيق التأقلم خلال هذا المسار لم يتطور إلا بعد الانتهاء من دراسة لغة البلاد.. لتنخرط في هجرة صوب عُمان بعد تعرفها على زوجها بالولايات المتحدة. في مسقط "الانتقال من أمريكا إلى سلطنة عُمان شكل لي صدمة ثقافية بمعنى الكلمة، فقد كان أول حضور لي في بلد عربي بعد مغادرة وطني"، تكشف فاطمة ما حدث بعد استهلالها حياتها الأسرية في مسقط. وتعتبر المغربية نفسها أن احتكام المجتمع العُماني إلى تقاليد كثيرة، خاصة ما يرتبط بالنظر إلى النساء اللواتي يخترن عدم تغطية رؤوسهن، قد جعلها تدخل، في البداية، ضمن نقاشات يومية حول الاختلاف والاحترام. "الجميل في سلطنة عُمان أن روح التسامح حاضرة تجاه كل الثقافات الوافدة على هذه البيئة، حيث إن الاحتضان بارز لدى الشعب العُماني، بالرغم من توفره على تساؤلات يجاهر بها"، تشدد المذكوري. ألمانياوماليزيا عملت خبيرة التدبير نفسها، منذ انتقالها إلى مسقط أواسط العشرية الأولى من الألفية الجارية، التحقت بالجامعة الألمانية التكنولوجية؛ وهي مؤسسة ضامة جنسيات عديدة بين مواردها البشرية. تستحضر فاطمة ما تم بقولها: "واكبت مشروع هذه الجامعة، ذات الصلة بمؤسسة ألمانية، منذ بدايات تأسيسها.. ما أضاف كثيرا لرصيدي المعرفي والمهاري، وجعلني أعكس ما درسته على أرض الواقع". طبيعة عمل زوجها دفعت المذكوري إلى قطع استقرارها في عُمان، بين 2011 و2016، للاستقرار في ماليزيا قبل الرجوع إلى المنطقة الخليجية، في تجربة عرفتها ثقافة مغايرة وجعلتها تتفرغ لتربية أبنائها. وتقيّم فاطمة هذه المرحلة باعتبارها "ممكّنة من إعادة الحسابات ومراجعة القناعات، والنظر إلى طرق المرور في أكثر من بلد، على المستويين الشخصي والمهني، مع الوعي بدور الأسرة عموما وحاجيات الصغار خصوصا". استئناف في عُمان عملت المتخصصة المغربية في ميدان التسيير والتدبير على استئناف حضورها المهني بالجامعة الألمانية ذاتها منذ عودتها إلى السلطنة، خلال الربع الأخير من سنة 2016، مواكبة المؤسسة التي رافقت نشأتها سلفا. حضور فاطمة المذكوري في الجامعة الألمانية التكنولوجية انطلق من قسم قبول تسجيل الطلبة الجدد، ماسكة مهاما ذات علاقة بالتسويق أكثر من أي توجه آخر للعمل في هذا المرفق الأكاديمي. المنصب الحالي للمنتمية إلى صف "مغاربة العالم" يجعلها رئيسة قسم تطوير الأعمال والعلامة التجارية، مفردة جهودها لمواكبة نمو الجامعة بإبراز صورتها لماعة، وإبراز ما تقوم به هذه المؤسسة الخاصة الشهيرة في عُمان. أقدار وتدريس تعتبر فاطمة أن كل المسار لا يبقى إلا تصريفا للأقدار، مقرّة بأن وضع المخططات لسير الحياة تعترضه، باستمرار، مستجدات لا تكون لها حلول فعلية غير القيام بالتغييرات الملائمة لكل طارئ على حدة. وبناء على معايير واضحة، من بينها الثقة التي تضعها الجامعة الألمانية التكنولوجية في عملها، والتطور المستمر لأبنائها، تعلن المذكوري رضاها التام عن نهجها على الصعيدين العملي والشخصي. أما المستقبل فإن المغربية عينها تبتغيه مستمرا في الارتباط بموقعها المهني الحالي، مع إنهاء رسالة الدكتوراة التي تباشرها قبل التوجه صوب العطاء التدريسي الأكاديمي في الزمان والمكان المناسبين. نهج السفراء يحتاج أي مغربي مبادر إلى الهجرة كيفما كانت نوعها، وفق تقدير المذكوري المستند على طول فترة عيشها خارج المملكة، أن يتشبث بهويته ويعتز بانتمائه ويبقى وفيا لمنبته، ويتصرف مثل سفير للمغرب. كما تشدد المهاجرة نفسها على أن الراغبين في التحرك خارج الوطن الأم مدعوون إلى تفضيل الوجهات التي يتوفر فيها على أقارب أو أصدقاء أو معارف، تسهيلا للاندماج المرغوب من أجل خوض التحديات في مناخ سليم. "ينبغي أن يتم الحسم في خيار الهجرة وتحديد كل الأهداف المرجوة منها، والاستثمار في حسن التربية وسمو القيم خلال الاستقرار بالمجتمع الجديد، دون تغييب الإصرار والعزيمة والصبر حين الإقبال على محاولات التطور"، تختم فاطمة المذكوري.