استجمع الصديق بومنديل عِقدا ونصف العِقد في مشوار الهجرة الذي يستمر في نهجه، مختبرا العيش في عشرات البلدان، ومسجلا استقراره، أساسا، في ثلاث قارات عبر العالم. بدأ هذا المغربي تواجده خارج المغرب صدفة، ومن غرائب الصدف أنه ينتظر صدفة أخرى بمقدورها إعادته إلى المملكة؛ قافلا إليها بخبرة أكبر وبفكرة تنشد إرساء دعائم مشروع ينجح. ورزازات والبناء ينحدر الصديق بومنديل من أصل يعود إلى مدينة ورزازات، وبهذه الحاضرة ذاق طعم الحياة أول مرّة عند متم عقد الستينيات من الألفية السابقة، كما مرّت أعوامه بين دروبها خلال الطفولة ومنطلق الشباب. ويقول الصديق حين يستحضر هذه الفترة من عيشه: "كان للترعرع في ورزازات وقع كبير على شخصيتي، ومازلت أتذكر مختلف التفاصيل الخاصة بأشواط دراستي بين مؤسسات تعليمية فيها، قبل إكمال المشوار في العاصمة الرباط". اختار بومنديل، بعد استيفاء التعليم الثانوي، الإقبال على تكوين مهني متخصص ضمن أشغال الإعمار، وبعدها اتجه إلى الاستثمار في مواد البناء، لكن أخاه الأكبر كان قد سبقه إلى تجريب الهجرة قبل أن يقنعه باتباع المسار نفسه. وجهة فرنسية استفاد "ابن ورزازات" من علاقات أخيه للحصول على فرصة عمل بالديار الفرنسية، ملتحقا بشركة "فريسينيت" المتخصصة في مجالات عدة، أبرزها قطاع البناء والتشييد. "التجربة تبقى مستمرة مع هذه المجموعة لمدة فاقت 15 سنة، بينما تدخلاتي فيها همت مستويات مختلفة، وتعددها نابع من عملي لصالحها في ثلة من الدول الأوروبية ومجموعة من البلدان الخليجية"، يقول الصدّيق. حرصت "فريسينيت" على تقوية الدراية المهنية للمغربي ذاته، مثلما واكبته بتكوينات عالية المستوى، ثم جعلته يلتحق بعدد من أوراشها في السعودية والكويت والبحرين والإمارات، على التوالي، ثم قطر، قبل حط الرحال في عُمان. سلطنة عُمان يسكن بومنديل مسقط منذ 2013، ويرى أن إيقاع الحياة فيها يناسبه إلى حد كبير، خاصة أن المنطقة برمتها، وفق ما رآه فيها، تذكره بنشأته الأولى في ورزازات ونواحيها، خاصة الظروف الجوية. ويزيد المغربي عينه: "احتجت وقتا قصير لضبط المعاملات الاجتماعية الخاصة بالساكنة المحلية؛ وذلك لسابق معرفتي بالفضاء الخليجي، مستفيدا أيضا من سابق تجوالي وما اكتسبت منه باعتيادي السريع على مكان حضوري". بكثير من الحنين يعلن الصديق أن إعجابه بالحياة في عُمان يحضر دون تحفظ، ولا يعلو محبته لإيقاع السلطنة، على الشقين الشخصي والمهني، إلاّ عشقه الفطري المرتبط بالوطن الأمّ. مراقبة وجسور يُعتبر المنتمي إلى صف "مغاربة العالم"، حاليا، مراقبا كبيرا بصلاحيات لمطابقة ما يتم إنجازه ميدانيا، من طرف عمال "فريسينيت"، مع المخططات الهندسية الموضوعة لكل مشروع، زيادة على مهام إشراف على التنفيذ في عدد من الأوراش. تركيز بومنديل ينصب أخيرا، بشكل رئيس، على تشييد الجسور من مختلف الأحجام لأجل استعمالات متنوعة، صارما في مراقبة مستويات التقوية من خلال دعم البنية بحبال معدنية خاصة، وما يتصل بذلك من حضور للتقنيات الحديثة. استقرار الصديق يرتبط بالعاصمة العُمانية مسقط، ومنها يتحرك للإشراف على بؤر بناء متنوعة في عدد من أنحاء السلطنة، كما تتم الاستعانة به، حسب الضرورة، في أوراش ل"فريسينيت" بكل من قطر والكويت والسعودية والإمارات. عين على الوطن "أريد صادقا أن أعود إلى بلدي، ولا أكشف سرا إن جاهرت بتحيني الفرصة المواتية للإقدام على هذه الخطوة، والبصم على هجرة مضادة بعد فراغي من التزاماتي القائمة"، يورد خبير التشييد ذاته. ويرى بومنديل أن ما اكتسبه من خبرة في مجال عمله، على الصعيدين النظري والميداني، واحتكاكه بكبار الخبراء العالميين في التشييد، يجعله قادرا على فتح مشروع خاص به ضمن التخصص نفسه بالمغرب. ويشرح الصديق ما يجوب ذهنه قائلا: "هذه التقنيات متوفرة في المملكة، متيحة صلابة البنيان وتحميه من السقوط، لكن مروّجيها قلائل أمام الطلب الكبير المنتظر من السوق؛ رغم الكلفة العالية..وأرغب حقا في إيجاد كيفية تجعلني بين هؤلاء قريبا". جهد مضاعف يستند متخطي 15 حولا من التواجد خارج المغرب على كل ما مر منه كي ينصح الرعيل الجديد، الحامل حلم الهجرة، بضرورة تحيّن الفرصة الملائمة من أجل الإقبال على هذه الخطوة نحو الاغتراب/ كما يضيف، مراعاة للتطورات التكنولوجية التي أضحت تتوسط الحياة اليومية، أن العالم أضحى مرئيا بالكامل على شبكة الإنترنيت، وبالتالي يمكن الإقبال على استثمار الفرص المتاحة بالوطن مع رصد عروض أكبر وراء الحدود، دون مغامرات غير محسوبة. "على الحالمين بمسارات بعيدا عن المغرب أن يعلموا بأن الجهد المطلوب لمعانقة النجاح يفوق نظيره اللازم في المملكة، بما في ذلك حضور الصبر والإصرار والتفاني بوقع أشد، مع النأي عن الانغلاق على الذات"، يختم الصديق بومنديل.