انتهى المؤتمر الوطني الحادي عشر للنقابة الوطنية للتعليم العالي المنعقد بمراكش أيام 27-28-29 أبريل 2018، بعد استكمال هياكله يوم 20 ماي 2018، حيث تم تعيين مكتب وطني ذكوري 100%، يتكون من تسعة عشر عضوا. ولعل الموضوع الذي استأثر وسيستأثر بكثير من الاهتمام والاستغراب لدى الرأي العام الوطني بشكل عام، والرأي العام الجامعي والحركات النسائية بشكل خاص، هو غياب العنصر النسوي من تشكيلة المكتب الوطني، بالرغم من أنه يتكون أساسا من أحزاب يسارية، ما فتئت تؤكد وتتشبث في أدبياتها وقوانينها وخطاباتها بقيم ومبادئ حقوق الإنسان، على رأسها منع جميع أشكال التمييز وتعزيز المساواة بين الرجال والنساء، وبالرغم كذلك من مصادقة اللجنة الإدارية للنقابة الوطنية للتعليم العالي في آخر اجتماع لها بتاريخ 20 أبريل 2018 على توصية اعتماد التمثيلية النسائية في الأجهزة التنظيمية محليا وجهويا ووطنيا في أفق المناصفة. أما السؤال المطروح الآن هو: هل غياب التمثيلية النسائية في الأجهزة الوطنية للنقابة الوطنية للتعليم العالي هو غياب عرضي أم إقصاء ممنهج؟... بعبارة أخرى، هل الثقافة الذكورية سائدة و"معشّشة" حتى وسط من يُفترض أنهم حداثيون، تقدميون وديمقراطيون؟ قبل الجواب عن هذا السؤال، لا بد من تنوير الرأي العام ببعض المعطيات: بلغ عدد مؤتمري ومؤتمرات المؤتمر الوطني الحادي عشر 442، ضمنهم 16 امرأة فقط.. أي أن نسبة تمثيلية النساء في المؤتمر الوطني الحادي عشر هي 3.6%؛ ضمن المؤتمرات ال16 توجد 8 نساء ينتمين إلى قطاع الجامعيين الديمقراطيين المحسوب على الحزب الاشتراكي الموحد (الحزب الذي توجد على رأسه سيدة اسمها نبيلة منيب)، أي أن 50% من مجموع النساء المؤتمرات في المؤتمر الوطني الحادي عشر للنقابة الوطنية للتعليم العالي هن نساء قطاع الجامعيين الديمقراطيين؛ العدد الباقي من النساء المؤتمرات (8 نساء) توزع بين ثلاثة مكونات سياسية، في حين يُلاحظ غياب تام للعنصر النسوي بين صفوف مكون يساري تقدمي يتبجّح بكونه القوة العددية الثانية في المؤتمر؛ ارتفع عدد أعضاء اللجنة الإدارية للنقابة الوطنية للتعليم العالي، المنبثقة عن المؤتمر الوطني الحادي عشر من 79 عضوا (ة) إلى 107 أعضاء (عضوات)، ضمنهم 7 نساء فقط.. وهو ما يشكل 6.5% من العنصر النسوي في اللجنة الإدارية؛ يمثّل قطاع الجامعيين الديمقراطيين في اللجنة الإدارية بسيدتين من ضمن 7 نساء؛ ارتفع عدد أعضاء المكتب الوطني للنقابة الوطنية للتعليم العالي من 13 عضوا، ضمنهم ممثلان عن قطاع الجامعيين الديمقراطيين (رفيق ورفيقة)، إلى 19 عضوا كلهم ذكورا، بعد أن انسحب الجامعيون الديمقراطيون من تشكيلة المكتب. بالإضافة إلى هذه المعطيات التي تبيّن بالملموس الحضور القوي والمتميز لنساء قطاع الجامعيين الديمقراطيين، سواء في المؤتمر أو في اللجنة الإدارية، فإن ما حدث يوم الأحد 20 أبريل 2018، تاريخ انعقاد آخر اجتماع اللجنة الإدارية المنتهية ولايتها، لا يمكن أن نجد له تفسيرا إلاّ في سيادة وتجذّر الثقافة الذكورية لدى من يُفترض أنهم حداثيون. ماذا وقع؟ يوم الأحد 20 أبريل 2018، حضر الاجتماع المشار إليه أعلاه، دون أي مبرر أو اعتذار أو سابق إنذار، عضوان لم يحضرا البتّة ولمدة خمس سنوات أي اجتماع للجنة الإدارية (منذ 2013 إلى 2018)، ينتميان إلى تيار تقدمي انسحب من اللجنة الإدارية المنبثقة عن المؤتمر الوطني العاشر بعد أن طعن في شرعيتها. تأملوا معي.. تيار ينسحب من اللجنة الإدارية ولا يعترف بها ويقاطع اجتماعاتها لمدة خمس سنوات، ويصدر بيانات وبلاغات تطعن في شرعيتها، ويحتج إبان انعقاد اجتماعاتها، ثم يأتي في آخر اجتماع لهذه اللجنة رفيقان من التيار فيدخلا إلى القاعة ويجلسا بين أعضاء اللجنة ويأخذا الكلمة ليناقشا الإعداد للمؤتمر الوطني الحادي عشر، وبحضورهما تصادق اللجنة الإدارية على تقريرها الأدبي والمالي وكأن شيئا لم يكن (il faut vraiment oser).. خلال أشغال اللجنة الإدارية، طرحت أستاذة عن قطاع الجامعيين الديمقراطيين مقترحا تدافع من خلاله عن تمثيلية النساء في الأجهزة النقابية محليا وجهويا ووطنيا مستعملة كلمة المناصفة.. فردّ أحد الرفيقين أثناء تدخله قائلا بالحرف: " j'ai horreur عندما أسمع كلمة مناصفة".. توترت الأجواء في القاعة، فتدخلت الأستاذة المشار إليها أعلاه، ليردّ عليها رفيقه وهو يصرخ بأعلى صوته أمام ذهول أعضاء اللجنة الإدارية، حيث وقف من مكانه وأرغد وأزبد مهاجما الأستاذة.. هاجمها بعنف وبصوت مرتفع وهو واقف ويلوّح بيده في اتجاهها دون أن يحترم فيها الأستاذة الزميلة المرأة، ودون أن يحترم أعضاء اللجنة الإدارية.. لم تجد الأستاذة ما تقول سوى سؤال وجهته إلى أعضاء اللجنة الإدارية قائلة: "شكون هذا؟ أنا م عمري م شفتو".. إن ما وقع للأستاذة يوم الأحد 20 أبريل 2018، خلال اجتماع اللجنة الإدارية للنقابة الوطنية للتعليم العالي، لا يمكن اعتباره حدثا عرضيا، بل له أكثر من دلالة.. وحضور التيار التقدمي بعد خمس سنوات من الغياب وتناغمه مع خصوم الأمس ليس حدثا عابرا، بل يندرج ضمن مخطط انكشفت خيوطه بدءًا بانتداب المؤتمرين، مرورا بأشغال المؤتمر وانتهاء بتشكيل المكتب الوطني للنقابة الوطنية للتعليم العالي.. مخطط يهدف ليس فقط لإقصاء العنصر النسوي من الأجهزة الوطنية، بل كذلك وأساساً لإقصاء قطاع الجامعيين الديمقراطيين. إن معركة التمثيلية النسائية في أفق المناصفة داخل النقابة الوطنية للتعليم العالي ليست معركة النساء لوحدهن، بل هي معركة كل الديمقراطيين والديمقراطيات من أجل دمقرطة الدولة والمجتمع.. لهذا، نقول آن الأوان لسنّ قوانين تمكّن النساء الجامعيات من الإنصاف والمساواة في حقل لا يزال ذكوريا بامتياز، ونقول كذلك للنساء الجامعيات: لا يخدعنكن خادع عن الرجال من الرفاق، لأن المساواة بين الرجل والمرأة ليست شعاراً فقط بل ممارسة وسلوكا وواقعا. *عضو قطاع الجامعيين الديمقراطيين