الاتحاد العام لمقاولات المغرب (CGEM) (الباطرونا) اجتمع هذا الأسبوع وقرر تغيير رئاسته بتبديل سيدة الأعمال المعروفة مريم بنصالح برجل الأعمال والوزير السابق صلاح الدين مزوار. لم يكن غريبا أن يواكب الإعلام العمومي والخاص فترة الاستعداد لتبديل القيادة هاته؛ فالإعلام الأول يمثل السلطة التي تعتبِر الاتحاد "شريكا اقتصاديا"، وهو أكثر من ذلك -واقعيا وموضوعيا- بحيث يعتبر أداة فعالة وحاسمة للدولة لخلق وضبط الإيقاع الوطني الذي يتماشى وأهدافها، إنْ على المستوى الاقتصادي أو السياسي أو الاجتماعي. بينما كانت مواكبة الإعلام الخاص من باب المساهمة -ما استطاع إلى ذلك سبيلا- في ترسيخ الصورة النمطية الخرافية بأن الاتحاد مؤسسة وطنية فاعلة ! الاتحاد الذي يستحيي أو يتحفظ منتسبوه على نعته ب"لوبي" (جماعة ضغط) يعتبر المهيمن والأوحد في التنظيم النقابي لرجال الأعمال والمقاولات ببلادنا، وهو من مخلفات الاستعمار الذي أسسه سنة 1947، واستمر يديره الفرنسيون إلى أن "تجنس" بالجنسية المغربية في سنة 1969، ومعروفة طبعا أهداف الفرنسيس الذين أنشأوه في تلك الحقبة، التي لم تكن غير استنزاف خيرات هذه البلاد تحت غطاءات واهمة ومزيفة من قبيل إدخال المكننة وتشغيل المغاربة والمساهمة في تطوير البلاد الذي كان خاضعا لاستعمارهم ! ووحده بقاء هذه الهيمنة على قطاع رجال الأعمال والمقاولات من طرف إطار واحد ووحيد، هو "الاتحاد" الذي تتبعه جامعات مختلفة تمثل كل القطاعات الاستثمارية، يجعل المرء يتساءل عن القيمة المضافة التي يمكن أن يقدمها للبلاد، في ظل غياب أية منافسة، حيث تكون المناسبة سانحة لنهج أساليب تقتل روح المبادرة وتجهض كل محاولات التنمية الحقيقية، من قبيل ممارسة الاحتكار والابتزاز ! بعكس ما هو معمول به في النموذج الفرنسي مثلا، الذي يفضله الساسة عندنا كثيرا في أشياء كثيرة، حيث هناك العديد من منظمات الباطرونا وتتعدد بتعدد القطاعات والتخصصات، فتجد كل منظمة تسعى لتقديم دائما أجود وأحسن الأداءات سواء إزاء الدولة أو المجتمع، من خلال نهج سياسة مقاولاتية مندمجة ومتوازنة، تخدم مصالح المقاولة كما تخدم مصالح الوطن والمواطن/العامل. ويبدو أن مغربة الاتحاد لم تستطع أن تُخرجه من هذا النمط الاستغلالي لثروات البلاد، من طرف فئة ثرية فيها الكثير مِمن ورثوا الثروة عن آبائهم وأجدادهم، بحيث بالرغم مما يحشد له الإعلام والخطاب الدعائي المكثف لهذا الاتحاد ومحاولات توشيحه بتسمية التنظيم الذي يخدم الاقتصاد الوطني، فإن واقع الحال يؤكد أن "نقابة الباطرونا" عندنا لا تخدم إلا مصالح أعضائها، من جهة أولى بتكديس الثروة عبر السيطرة والاحتكار لمنتوجات استهلاكية وسد باب الاستثمار في وجه الأجنبي بدعوى دعم الصناعة الوطنية، ومن جهة ثانية تقدم خدمات جليلة للسلطة باستقطاب عدد من جيوش العاطلين، وخلق ضغط مستمر على الحكومات المتعاقبة ب"تواطؤ" غير معلن مع النقابات العمالية، لاسيما في ظل تراجع وظيفة العمل النقابي، من دوره كصوت وقوة ضغط لفائدة العمال والموظفين، إلى "لوبي" هو الآخر يخدم فئة قليلة ممن بات العمل النقابي بالنسبة إليهم أصلا تجاريا مُذرا للربح والمكاسب. إن اقتصار اتحاد الباطرونا على ما هو اجتماعي كنشاط موازٍ لنشاطه الأساس وهو الاقتصادي، في مجرد المشاركة في "حوارات اجتماعية" مع الحكومة والنقابات العمالية، عدا عن تشغيل عمال لضمان استمرار دوران عجلة المصانع والمعامل وآلة الإنتاج، لا يعفي هذا الاتحاد –إن هو أراد التوشيح بالوطنية عن جدارة واستحقاق- من تخصيص جزء يسير من عائداته الربحية لإنشاء صناديق اجتماعية تكون مخصصة لبناء مستشفيات ومدارس ما أحوج الوطن والمواطن إليها، لاسيما بعد تزايد انتقاد رئيس البلاد للنموذج التنموي المتبع، حيث تصبح الحاجة أكثر إلحاحا للانفتاح على المجتمع والتفاعل مع قضاياه ومشاكله. [email protected] https://www.facebook.com/nourriture