تحت ظلال ساحة "القمرة" الشهيرة بمدينة أصيلة، تفترش الفنانة التشكيلية كريمة الجعادي الأرض لعرض أعمالها، وتلتحف السماء فنّاً وإبداعاً، لتنثر السحرَ بريشةٍ تمسكها بقدميها، بكل ألق وانسيابية، تمزج الألوان على لوحات هادئة هدوء ليل أصيلة، لتجذب المّارين الذين يدهشون لبراعة كريمة التي توزع عليهم الابتسامة والفرح، وتقدم لهم جرعات مجَّانية من الأمل والصمود، متحدِّية شللها الكلي في يديها وإعاقة جزئية في رجليها. رحلة كريمة مع الرسم بدأت في سن مبكرة، كان الرسم في الأول لمواجهة إعاقتها التي ولدت معها، لكن سرعان ما تحولت المواجهة إلى عشق وجودي. في بداياتها كانت ترسم بفمها، لكن بسبب آلامِ الأسنان منعها الطبيب من المواصلة، لتقرر من جديد رفع سقف التحدي عاليا وتًدرِّب قدميها على الرسم والصباغة، حتى صارت محترفة واسما فنيا معروفا ومميزا في مدينة الفن التشكيلي. أصيلة معرض فنَّي كبير، يفتح أحضانه أمام الفن والمبدعين العصاميين، وقبل ثماني سنوات، احتضن ابنة القصر الكبير التي وجدت في هدوءِ وصفاءِ هذه المدينة السّاحلية الإلهام والشغف اللازمين لمواصلة حُلمها ومراكمة "نجاحاتها الصغيرة"، بحسب تعبيرها. تقول الشابة الثلاثينية: "أصيلة ساعدتني كثيرا على بناء حس جمالي؛ ففي طفولتي لم أدرس الفن، ولم أتلق دروسا أو تكوينا فيه، لكنني كنت أداوم على زيارة المعارض، وخلال الرسم أحرص دائما على استلهام صوري من الحياة، وتحويلها إلى فن خلاَّق ومبدع ومحب للخيال". وعن ظروف اشتغالها، تقول كريمة معيلة أسرتها إن الإقبال على شراء لوحاتها رهين بوضعية السياحة بالمدينة؛ "في فصلي الصيف والربيع يكون هناك إقبال، غير أنه في الأشهر الأخرى يكون ضعيفا، حتى إنني في الشتاء لا أعمل لأنني أعرض أعمالي في الهواء الطلق وأخاف أن تتضرر بسبب الأمطار". وتضيف الفنانة التشكيلية والابتسامة تعلو محياها: "المقابل المادي الذي أبيع به لوحاتي لا يساوي شيئا أمام المجهودات التي أبذلها، غير أنني أشكر الله على كل شيء". جيران كريمة في ساحة "القمرة" يجمعون على كونها اسماً على مُسمَّى، واعتبارها فنّانة مبدعة ومثابرة. يقول أحدهم إن "كريمة امرأة حديدية وعصامية، وجودها قربنا يبعث فينا دائما روح التفاؤل ويقوي لدينا الرغبة في تحدي ذواتنا وبذل مزيد من العطاء في العمل". ويقول آخر: "كريمة نموذج للأمل وللمرأة المغربية الحرة التي لا تستسلم لصعوبات الحياة وتواجهها بعزة نفس وأنفة، ولا ترضى بأن يمارس عليها أحد الوصاية". رغم مشاكل الإعاقة وظروف العيش الصعبة، استطاعت الفنانة "القصراوية" عرض لوحاتها في معارض مختلفة داخل وخارج المغرب، وأينما حلّت وارتحلت تلقى إبداعاتها الإشادة والتشجيع، وما تزال طموحاتها كبيرة للاستمرار في ضخ الحياة داخل المساحات البيضاء لنقل أحاسيسها ومعاناتها إلى العالم بقدميها وصباغتها. *صحافي متدرب