كما يغير المشاهير تسريحات الشعر وأحدث الأزياء والتقليعات، تسابق النجوم في الآونة الأخيرة على موضة هوليوودية جديدة تقتضي تبني أطفال العالم الجياع والتباهي باحتضانهم أمام فلاشات المصورين وعدسات البابارازي، من أجل إظهار "الروح الإنسانية العالية والشعور النبيل بالقيم الكونية". بدأت هذه الظاهرة الغريبة مع النجمة الساحرة "أنجيلينا جولي" وزوجها الوسيم "براد بيت" باعتبارهما أشهر زوج في هوليوود إذ أقدموا على تبني أطفال من هنا وهناك وجدت الصحافة الأمريكية صعوبة في حفظ أسمائهم "الغريبة". ثم وصلت العدوى إلى نجمة الإثارة و"الحنان الفياض" مادونا التي ذهبت إلى بلد إفريقي لم تسمع عنه من قبل ولا تعلم أمريكا كلها موقعه في الخارطة للاستفادة من هذا "الفولكلور" وممارسة "السياحة الإنسانية". فتبنت طفلا وأغدقت على أبيه المال الوفير ووزعت الإكراميات على المسؤولين بسخاء لتسهيل مهمتها. لكن في المقابل،هل يحق للكائن البشري أن يقوم بأي شيء باسم "الإنسانية" وقيم الحضارة والتحضر؟ هل يمكن اختراق القانون من أجل "النوايا الحسنة"؟ هل يمكن التعامل في الألفية الثالثة بالمنطق الاستعماري المتعالي نفسه؟ كلها أسئلة قفزت في الآونة الأخيرة إلى الواجهة مع ظاهرة تبني النجوم من جهة، وانفجار القنبلة الفضيحة لما يسمى ب "أرش دو زووي" في فرنسا. بدأت القصة بعملية إنسانية قرر القيام بها أعضاء من منظمة غير حكومية فرنسية من أجل إنقاذ مجموعة من اليتامى النازحين من جحيم دارفور إلى تشاد. المنظمة التي تطلق على نفسها اسم "أرش دو زووي" رأت النور سنة 2004 بعد فاجعة تسونامي الذي هز آسيا. ومنذ شهور اعتبرت "التصفية العرقية في إقليم دارفور" أولويتها القصوى. لكن الحقيقة كانت غير ذلك بالمرة، وتبين أن "كوماندو" النوايا الحسنة المكون من ستة مناضلين في منظمة "أرش دو زووي" الذين ألقي عليهم القبض في مطار "أبيشي" في تشاد، البلد المجاور لإقليم دارفور، كانوا في طائرة بوينغ 757 رفقة 103 صبية جلهم من تشاد ذاته، وأغلبهم ليسوا يتامى بل آباؤهم وأمهاتهم مازالوا على قيد الحياة. فغدت العملية الإنسانية النبيلة عملية اختطاف شنيعة. وجهت على إثرها السلطات التشادية تهمة "اختطاف قاصرين" و"النصب" إلى "سفراء السلم والسلام"، وأصبحت تتهددهم عقوبة حبسية يمكن أن تصل إلى 20 سنة سجنا إضافة إلى الأعمال الشاقة. السلطات التشادية رأت في العملية "جوكيرا" تحقق به مجموعة من المطالب وتساوم به للحصول على امتيازات، فطالب المدعي العام في آخر جلسة من المحاكمة تعويضا يقدر بمليون أورو لكل طفل! هذا القضية طرحت سؤالا آخر أكثر إحراجا للسلطات الفرنسية خصوصا لكاتبة الدولة المكلفة بحقوق الإنسان المتحدرة من أصول إفريقية "راما ياد" و"بيرنار كوشنير" وزير الشؤون الخارجية المعروف بدفاعه المستميت عن "المبادئ الإنسانية الكونية"، هل كانت فرنسا على علم بما يحدث وغضت الطرف عن هذه الجريمة اللاإنسانية التي لا تشرف بلد الأنوار وحقوق الإنسان؟ أم أن العملية تمت خفية وفاجأت مع انفضاحها الجميع؟ إن الجوع والفقر لا يتناقض البتة مع عطف الأبوة أو حنان الأمومة، ولا يعني وهن الجوع أو "الزلط" التفريط في فلذات الأكباد. كما أن الإيمان بالأفكار المطلقة الصالحة لكل زمان ومكان نوع من العجرفة الاستعمارية المتجاوزة، ونوع من التعصب العرقي الذي يدعي امتلاك الحقيقة، وتصدير قيم الاستهلاك إلى بلدان العالم و"لي زانديجان" لا يعني أن الرجل الأبيض المتحضر يحب أطفاله أكثر من الرجل الأسود المنهوك بلقمة العيش.