عمل الحسين الحسناوي على تعديل أهدافه بتغيّر موضع قدميه، لكنه لم يمسّ أسس شخصيته التي بنيت على الإصرار والتحدي، مثلما لم يحد عن اقتناعه بكون عملية الحصاد لا تأتي إلا بعد موسم زراعي شاق. الصدفة لم تفِد على حياة هذا المغربيّ إلا مرّة فريدة، لكن وقعها أتى مفصليا وهو يحرك الحسين من المغرب إلى البيئة الخليجية، جامعا نجاحات شخصية ومهنية على امتداد تجربته العُمانية. تاليوين والدارالبيضاء في منطقة تاليوين، بين تارودانت وورزازات، رأى الحسين الحسناوي العالم أول مرة خلال سبعينيات القرن الماضي، مستهلا دراسته من ابتدائية "القصبة"، ثم مؤسسة "ولي العهد" خلال الطورين المواليين، ثم جامعة ابن زهر بأكادير. قضى الحسناوي أربع سنوات لنيل شهادة الإجازة في الأدب الإنجليزي، متخصصا في اللسانيات ببحث عن "الذكاء الاصطناعي وفهم اللغات الإنسانية"، قبل أن يلتحق بالوظيفة العمومية في وزارة الثقافة. لم يفلح خبير اللسانيات في بلوغ العمل بمركز التعريب في اللسانيات بالوزارة نفسها، ليقرر مغادرة هذا التموقع المهني بغية فتح آفاق أوسع وسط القطاع التعليمي الخاص في عاصمة سوس. وبحلول مطلع الألفية الحالية توجه الحسين إلى مدينة الدارالبيضاء للعمل مدربا في اللغة الإنجليزية بأحد المراكز التي تقدم هذه الخدمة، لمدة 4 مواسم كاملة قبل التحرك نحو سلطنة عُمان. هجرة بلا تخطيط غابت فكرة الاستقرار خارج الوطن عن ذهن "ابن تاليوين"، إلى غاية منتصف العقد الأول من القرن الحالي، رغم قيامه بخطوة مناسباتية في هذا الإطار بتقديم ملف الترشّح للعمل بالإمارات العربية المتحدة. لم يواكب الحسناوي أصدقاءه الذين حاولوا إقناعه بتتبع مآل الملف الذي أعده للظفر بالاشتغال في الخليج، مفضلا التركيز على التزامه المهني بالدارالبيضاء، إلى أن جاءه عرض عُماني غير مستقرّه. "لم أقدم أي طلب عمل في السلطنة، لكنني توصلت بمكالمة من مسقط، على طرفها الثاني المدير العام لشركة متخصصة في التعليم والتدريب، تقترح علي العمل في هذه البلاد. ولا أعرف من أين تم الحصول على معطياتي إلى اليوم"، يكشف الحسين. في السلطنة اغتنم الإطار المغربي فترة عطلة لقصد سلطنة عُمان والتعرف على هذه الدولة، ليجدها لا تختلف كثيرا عن تاليوين في معالمها الجغرافية وسماتها الجوية، خاصة السكان المحليين وما يتسمون به من طيبوبة وحفاوة استقبال. تواجد الحسناوي في جامعة نزوى خلال أول عام لوفوده إلى هذا البلد، وتأتى ذلك بفعل تنفيذ الشركة التي تشغله برنامجا في هذه المؤسسة الأكاديمية، وبعدها استقر في العاصمة مسقط مديرا عاما للمجموعة الاستثمارية ذاتها. كان الحسين أمام تحدّ كبير أمام جنسيات مختلفة، خاصة البريطانية والأمريكية، ينبغي أن يتعامل معها كمدير عام، رغم النظرة الدونية التي يحملونها عن كفاءة الأفارقة عموما، والمغاربة على وجه التحديد. ويعلق المقيم في مسقط قائلا: "البعض من هؤلاء لم يكن يتقبل أن يغدو مواطن مغربي مديرا عاما لمؤسسة تعنى باللغة الإنجليزية دون أن يكون من المتمدرسين، على الأقل، في إحدى أكاديميات دولة أنغلوساكسونية". كسب الحسناوي التحدي وهو يكمل دراسته في اسكتلندا، معززا موقعه بماجستير في إدارة الأعمال، ليستثمر هذا التكوين العالي في تعزيز مهاراته وإرساء أسس علمية لخياراته الاستراتيجية. تطور ملحوظ شرع المنتمي إلى "مغاربة العالم" تجربته في سلطنة عمان على رأس مجموعة متوفرة على 4 فروع، غير تلك المتواجدة في الجامعات، وبكم مستخدمين يصل إلى 20، ليبلغوا حاليا قرابة 300 من الأطر عالية المستوى. تضم المجموعة عينها، في الوقت الراهن، حزمة من المؤسسات أبرزها "مركز خدمات لتعليم اللغة الإنجليزية"، بجانب شركة خدمات للتعليم والتدريب الدولية، متخصصة في التعريب، ثم المعهد الدولي للتدريب المهتم بالتدبير الإداري والمحاسباتي. في مدينة صلالة، جنوب سلطنة عمان، أنشأت المجموعة التي يديرها الحسين مؤسسة تحت اسم "مدرسة صلالة العالمية"، وبالحاضرة نفسها جرى إطلاق ورش فندق من 4 نجوم، في إطار الانفتاح على المجال السياحي، وهو لا يزال قيد الإنجاز. يتكلف الحسناوي بالإدارة العامة لمجموع قنوات الأداء في هذه المشاريع، بتنسيق مع المسؤول عن كل وحدة فرعية، من أجل البصم على أرقى نجاعة مرغوبة وضمان أعلى مردود مطلوب. بين اليوم والغد يرى مراكم 13 عاما من الهجرة خارج المغرب أن مساره لم يكن صعبا، بل عمّ التوفيق معظم أشواطه، ويزيد: "النتائج المشرفة التي تحققت تجعلني راضيا عن كل ما قمت به إلى غاية الحين". من جهة أخرى، يفكر الإطار التدبيري المقيم في سلطنة عُمان بالعودة إلى المغرب، مستقبلا، بنية افتتاح مؤسسته الخاصة التي تُعنى بالتربية والتكوين، تساهم في التنمية وتتوفر على قيمة مضافة بناء على تجربته الدولية. "يبقى هذا حلما أريد تحقيقه في القادم من الأيام، وأتمنى أن أفلح في إرساء هذا المشروع شمال المملكة، في طنجة كخيار أول، أو جعلها قائمة بين مراكش وأكادير كتصور بديل"، يكشف الحسناوي. العالمية الفعلية الخبير المغربي ذاته يرى أن زمن التفكير في المواطنة المحلية قد انتهى، مسلما المشعل إلى المواطنة العالمية وما تقتضيه من اشتغال البشر على استثمار الفرص الرائجة بكل القارات. يشدد الحسين على أن شبان وشابات المملكة مدعوون إلى رصد إمكانيات النجاح بعد الوقوف على الجاهزية، بدءًا بتطوير المستوى التعليمي وإتقان الإنجليزية وتنمية الثقة في النفس. "أقترح على المغاربة المريدين توسيع آفاقهم المستقبلية الاهتمام بلغة شكسبير، ثم الإقبال على امتحانات إشهاد في هذا اللسان حتى يثبتوا أهليتهم لخوض تجارب في فضاءات عديدة، منها الدول الخليجية"، يختم الحسين الحسناوي.