أحمد بن سالم الحجري- مدير عام مديرية الثقافة والتراث بصلالة ماذا يعرف المواطن العماني، وتحديدا في ظفار، عن المغرب وثقافته؟ بين سلطنة عمان والمملكة المغربية ثمة روابط حميمة، حين نتحدث عن الأصل المحافظ على القيم، وهناك أواصر اجتماعية وثيقة تربط الشعبين. كما أن المغرب قام دور كبير في الجانب الثقفي والجانب التعليمي في عمان، وذلك بتشجيع العمانيين على استكمال دراساتهم العليا في المغرب. فكثير من القيادات الحالية في عمان في مجالات عديدة دراساتهم كانت في المغرب. وأيضا هناك تعاون تربوي وتعليمي قائم في عمان، حيث يوجد على أرض عمان أساتذة ومعلمون يشتغلون في هذا الإطار. وهناك أيضا جانب تعاون في مجال ترميم الآثار التراثية، فالعديد من الحصون العمانية رممتها فرق مغربية خبيرة في المجال.. لذلك، فشعبنا العماني يكن كل المحبة للشعب المغربي ويقدر كفاءاته. لاحظنا التنوع الذي يميز مهرجان صلالة السياحي من حيث العروض الفنية التراثية التي تمثل بلدان العربية مختلفة. إلى أي حد أنتم مهتمون باستقطاب فرق مغاربية أو مغربية تراثية بالتحديد لتقريبها من الشعب العماني في هذا الموسم الذي يعرف توافدا كبيرا للعمانيين من مختلف الولاياتوالمحافظات، وأيضا توافد الخليجيين من مختلف الدول المجاورة لكم؟ على امتداد السنوات الماضية، سعينا إلى تقريب الجمهور العماني من بعض المعالم التراثية الفنية المغربية، وفي هذا الصدد استقبلت إدارة المهرجان مشاركين مغاربة، مثلوا فرقا غنائية أمازيغية. وهذا لا يدل إلا على اهتمامنا وتقديرنا لتاريخ وثقافة هذا البلد الشقيق. كيف هو حال الحركة الثقافية بمحافظة ظفار؟ الحركة التراثية والثقافية بشكل عام في محافظة ظفار تتميز بمخزون ثقافي وفكري، يكمن جزء كبير منه في الفنون الشعبية وفي الألعاب الشعبية والأكلات الشعبية. وبخلاف باقي محافظات سلطنة عمان، تتميز محافظة ظفار بحركة مسرحية نشيطة جدا. وفي موسم الخريف، خريف صلالة، نصير نتحدث عن موسم الشباك المسرحي، فالناس يتهافتون على مشاهدة الأعمال المسرحية، من خلال مهرجان صلالة السياحي. يدفع المهرجان مبالغ كبيرة للفرق الشعبية المشاركة. وتتميز محافظة ظفار بعدد من المآثر التاريخية، يكمن جزء منها في القلاع والحصون، كحصن «طاقة» وحصن «مرباط» وحصن «سدح»، وأغلب الحصون لا يزيد عمرها على 250 سنة، وهي شواهد تاريخية. لكن هذه المواقع الأثرية تمتد إلى تاريخ بعيد، إذ يعود تاريخ هذه المواقع إلى ما قبل الألف الثالث والألف الرابع للميلاد… هلا قربتنا من بعضها؟ هناك مثلا موقع البليد في صلالة وموقع سمهرم في ولاية «طاقة»، و«طريق اللبان» الممتد من صلالة من ميناء سمهرم إلى المنطقة البادية، وهو مسجل ضمن قائمة التراث العالمي. وهناك أيضا عدد من القبور التاريخية «الأضرحة»، كضريح النبي أيوب، وضريح النبي عمران، وضريح النبي هود… وغيرها. تحدثتم عن حرصكم ودعمكم المادي للفنون الشعبية بصفتها إحدى الركائز الثقافية في «ظفار». هل يوازي هذا الحرص من الجهات الرسمية حرص من الشعب العماني، وفي ظفار تحديدا، على الاهتمام والتشبث بها؟ ما يخدم الحركة الثقافية بشكل عام هو وجود بعض المهرجانات التي ساعدت في تطوير الفنون الشعبية بصفة عامة. وأيضا المناسبات الوطنية والمناسبات الاجتماعية التي تدمج الفنون الشعبية العمانية في احتفالياتها… واضح قولكم، لكن ما أسأل عنه هنا هو هل توازي الرغبة الحكومية رغبة شعبية في العناية بهذا الموروث، خاصة من الشباب، في ظل التغيرات الزمنية التي يشهدها العالم، والثورة التكنولوجية المتلاحقة تطوراتها، والتي تقوده إلى التركيز على الجديد ومواكبته؟ هي رغبة مشتركة، وهو ما تحيل عليه طبيعة المناسبات الاجتماعية التي تقام في السلطنة، وفي ظفار تحديدا، ومن أساسياتها تلقين التراث للأطفال، مثل فن الشرح وهو رجالي يعتمد التعبير بالكلام والحركة بنفس بليغ وفصيح، وفن «الربوبة»، وهو فن يشمل الرجال والنساء، وفن الطبل، الذي يبدأ تلقينه لأطفال في سن صغيرة، وهو فن خاص بالنساء، وفن «الهبوط» الذي تجتمع داخله القبائل محافظة على ثقافته، وفن «البرعة»، الذي يعتمد الثنائيات في أداء أغانيه ورقصات الرجال وهم يحملون الخنجر، المحيل على ثقافة السلطنة. وإجمالا، يمكن القول إن محافظة ظفار من أنشط محافظات سلطنة عمان في الفنون الشعبية إلى جانب المسرح، وتأتي في المرتبة الثانية من حيث وجود الاستوديوهات، بعد «مسقط»، وكذا تسجيلات الأعمال الشعبية. وفي هذا تجتمع إرادة أهل المحافظة أنفسهم والمسؤولين. أعود بك إلى قولك إن النشاط المسرحي أكبر في محافظة ظفار، لماذا هذا التفوق على باقي المحافظات؟ الوزارة الوصية مهتمة بدعم الشأن الثقافي عامة، ومنه المسرح في كل ربوع السلطنة، بمختلف المحافظات، لكن ما يحدث الفرق هو ما يريده أهل كل مكان على حدة، ومن هنا نلاحظ اهتمام أهل محافظة ظفار بالمسرح، وإقدام الشباب والأطفال على دخول هذا العالم الإبداعي. وتجد الفرق المسرحية في ظفار، وتجتهد في ما بينها لتقديم إبداعاتها من أجل مواصلة المسار، فإذا بدا لها الدعم الحكومي قليلا تبحث عن الرعاية من جهات خاصة. ما أخلص إليه هو أن ازدهار فن ما في جهة ما أيا كانت الجهة رهين بما يريده أهلها. وماذا عن حضور المرأة العمانية في المسرح؟ سأخبرك شيئا ربما يبدو مستغربا لكنه في أصله شيء واضح. الحضور النسائي لمتابعة العروض المسرحية في ظفار يوازي حضور العنصر الرجالي، لكن حين نتحدث عن حضور المرأة في المسرح باعتبارها ممثلة، فهو شيء غير وارد إلى الآن، رغم أن المشاهد لم يعد يقبل أن يشخص رجل دور امرأة على الخشبة، مستعينا بماكياج أو لباس نسائي. وسبب عدم إقدام المرأة على الفعل المسرحي، هو كون المجتمع الظفاري مازال محافظا في هذا الجانب. طيب، إلى أي حد يمارس المسرحي العماني حريته في الإبداع في السلطنة؟ لا بد من الإشارة أولا إلى أن أبرز ما هيأ للمسرح الإقبال والنجاح في محافظة «ظفار» هو الروح الساخرة والكوميدية لدى المسرحيين، والتي وسمت كثيرا نصوصهم الإبداعية بشكل راقٍ أحبه الجمهور. في عمان نشجع على الممارسة الفنية والثقافية بشكل عام، لكن مع وضع قوانين تحمي هويتنا. لذلك، لدينا محاذير في الكتابة، تضعها الشخصية العمانية في حد ذاتها لنفسها بالنظر إلى تمسكها بثقافتها المحافظة. كما أننا ننبه إليها أيضا رسميا. ومن هذه المحاذير الإيحاءات الجنسية الفاضحة، ثم القضايا السياسية والمتعلقة بالجوار، والمذاهب الدينية، والأمور القبلية، مع العلم أنه من حق كل مبدع أن يعالج أي قضية كانت، لكن دون تجريح. قد يقول قائل إن وضع محاذير هو في حد ذاته منع لحرية الإبداع بالشكل الذي يراه فنان ما مناسبا له. كيف تعلقون على ذلك؟ قد يقال مثل هذا الكلام. والقانون العماني ينص على التعايش واحترام الآخر، وهو ما يعيشه المواطن العماني ويحظى تحت ظله بالسلم. وإذا أفسحنا المجال، تحت يافطة «الإبداع»، للتجريح والسخرية من الآخر، سواء قبليا أو مذهبيا أو سياسيا أو غيره، فإننا نفتح الباب أمام الإساءة للإنسانية، وبالتالي، نحن نفتح الباب أمام الفتنة، وبدل أن يعالج الفنان قضية ما، سيكون بصدد تأزيم الوضع وخلق مشاكل غيرها. لذلك، أؤكد أننا نضبط جيدا السياق، وهدفنا هو الحفاظ على اتزان الأخلاق وكرامة وإنسانية الجميع. شيء جميل ما تحكيه عن اتقاء الشتات ونشر الفتنة وسد الباب أمام المساس بأخلاق المجتمع، بوضع محاذير أمام الفنان، وهو من واقع أرض عمان كما أسلفتم، لكن ما رأيكم في ما يسمح به ويقدم على بقاع جغرافية أخرى، تحت اسم «فن» أيا كانت طبيعته، وتحديدا القريبة منكم من حيث أصل الثقافة؟ للأسف، في بعض الدول هناك إسفاف وتسفيه وتقليل من رموز الوطن العربي، باسم الإبداع، في مجالات مختلفة، وهو شيء غير مقبول بالنسبة إلينا، وهو شيء لا نسمح به داخل السلطنة، والفنان العماني الأصيل لا يسفه رمزا من الرموز العربية. وهنا أطرح السؤال: كيف نربي أطفالنا على احترام النماذج والرموز الوطنية ونحن نسمح باسم الإبداع والحرية بالسخرية منها وتسفيهها؟ في رأيي البسيط، إن الأمر غير سليم. ارتباطا بالتراث والثقافة، وأنتم على رأس إدارة هذا المجال في ظفار، ماذا يمكنك أن تخبر المتلقي المغربي عن اللباس العماني، وتحديدا الزي النسائي، ولماذا ترتدي جل نساء «ظفار» النقاب الأسود؟ تتميز المرأة الظفارية بزي نطلق عليه اسم «الثوب الظفاري» و«الطرحة» التي توضع على الرأس. يتميز الثوب الظفاري المعروف بقصته، فهو قصير من الأمام يصل إلى القدمين، لكنه طويل ومنسدل على الأرض من الخلف ونسميه أيضا «أبو ذيل». أما النقاب فهو ثقافة دخيلة على أهل «ظفار» وعلى أهل منطقة «صور»، وحتى العباءة السوداء هي دخيلة. ولم تدخل هذه العادات في اللباس إلى عمان إلا نهاية الثمانينات وبداية التسعينات، وجرى تبنيها مع مرور السنوات. الزي الظفاري يحتفي بالألوان، وهو ما يمكن ملاحظته من خلال لباس النساء في بيوتهن وفي المناسبات. وهو ما يؤكده ما ترتديه نساء محافظة «مسقط» ومحافظة «الباطنة» ومحافظة «مسندم» و«الشرقية» وغيرها من المحافظات. وإذا تحدثنا عن نوعية الثوب، أو المادة المصنوع منها، ففي عمان ترتدي النساء لباسا مصنوعا من القطن، لأن طبيعة الجو حارة، وفي المناسبات يرتدين الحرير. مدير عام مديرية الثقافة والتراث بصلالة