في سياق حملة المقاطعة التي شملت ثلاث علامات تجارية عاملة في مجال الصناعات الغذائية والمحروقات بالمغرب، التي انطلقت قبل أسبوعين، كان لافتاً تفتُّق مواهب العديد من المغاربة "المغمورين" عن إبداعات ومواهب تمثيلية، طيلة مرحلة مقاطعة سلع استهلاكية واسعة الانتشار. واعتمد عدد كبير من "المقاطعين" على الإمكانيات الكبيرة التي تتيحها وسائل التواصل الاجتماعي، التي أصبحت تشكِّل ملاذاً لهم للتعبير عن رفضهم لبعض المنتجات الغذائية بسبب ارتفاع أسعارها. ولجأ البعض إلى موقع "يوتيوب" لبث شرائط دعائية تدعو المغاربة بطريقة ساخرة إلى عدم اقتناء المواد التي شملتها حملات المقاطعة، فيما فضل البعض الآخر الترويج لمطالب المقاطعين من داخل صفحات "فيسبوك"، من خلال تدوينات و"هاشتغات" تحصد عددا هائلا من الإعجاب والمتابعات. وساهمت حملة "المقاطعة" في بروز عدد من الفنانين المغاربة "المغمورين"، كما هو الشأن بالنسبة للفنان الشاب سيمو الفاسي، الذي أطلق أول أغنية تضامنية مع الحملة اختار لها عنوان "مقاطعين يا مغاربة مقاطعين"، مدتها أربع دقائق، دعا فيها المغاربة إلى الاستمرار في وحدتهم حتى يتحقق "المراد". وشارك عدد من النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي شريط "فيديو" تتغنى كلماته بالمقاطعة، استلهمها الواقفون وراءه من كلمات الأغنية التي اشتهر بها الفنان "البولماني" مؤخرا. كما تفتقت مواهب العديد من المغاربة في مجال "الكوميديا" والسخرية طيلة مرحلة حملة المقاطعة؛ إذ راجت فيديوهات و"سكيتشات" لاقت انتشاراً كبيراً داخل موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك". ولجأ بعض المغاربة إلى الاستلهام من إحدى المقالب الفكاهية التي يطلقها الإخوة الأستراليين "Jalals" في صفحاتهم على "فيسبوك"، تعتمد على فكرة ارتداء الزي العربي وتخويف المارة برميهم بقنابل مزيفة. وفي المغرب، أظهر شريط بعض الشباب وهم يفرون من المواد الغذائية التي شملتها الحملة بعدما جرى وضعها خلسة إلى جانبهم. وفي تعليق حول الموضوع، يرى علي الشعباني، أستاذ علم الاجتماع، أن الفعل الاحتجاجي عند المغاربة تغيّر بشكل كبير مع ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، وقال: "هذه الوسائل ساهمت في إخراج النوازع النفسية الداخلية المكبوتة عند الشعب المغربي، الذي أصبح يحس بأن لا عدالة في الدولة". وأضاف الشعباني: "المواطن المغربي لم يعد يؤمن بمفعول الحركات الاحتجاجية التقليدية التي فقدت بريقها بسبب إيمانه الراسخ بأن رد فعل الدولة على مثل هذه الحركات قد يتسبب في اعتقاله أو في تعرضه للعنف"، وزاد: "الاحتجاج العلني في الشارع تتخذه الدولة كذريعة للتدخل، مثل مثلا الاحتجاج في الأماكن العمومية أو الاحتجاج بدون ترخيص". وأكمل: "هذا ما دفع المغاربة إلى التفكير في نمط جديد لاختيار بعض الأمور الرمزية، سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو فنية، للإبلاغ عن رأيه، وهذا ما تعكسه حملة المقاطعة التي يقر الجميع بمفعولها الإيجابي".