في الوقت "الميت"، أرجأت الولاياتالمتحدة إلى يوم الإثنين المقبل التصويت الذي كان مقرراً اليوم الأربعاء في مجلس الأمن حول مشروع القرار الخاص بقضية الصحراء المغربية، بعد تدخل كل من روسيا واثيوبيا اللتين اقترحتا تعديلات على المشروع بعد أن اشتكتا من أنه يفتقر إلى التوازن ويعطي موقف المغرب مكانة أكبر. وكانت بعثة الولاياتالمتحدة قد أبلغت مجلس الأمن في آخر لحظة بأنها "تحتاج إلى قليل من الوقت" للنظر في التعديلات المقترحة، وأنها تنوي عرض نسخة جديدة من مشروع القرار، بسبب تدخل روسي في الوقت الذي كانت فيه دول "أصدقاء الصحراء" قد صادقت على مسودة القرار التي صاغتها نيكي هايلي، مندوبة الولاياتالمتحدة داخل مجلس الأمن، ووزعتها بعد ذلك على الأعضاء الخمسة دائمي العضوية، بالإضافة إلى إسبانيا باعتبارها البلد الذي كان يستعمر المنطقة. ويرى مراقبون أن طلب روسيا تأجيل جلسات التصويت على قرار "الصحراء" لم يكن مفاجئاً، بالنظر إلى تموقعها إلى جانب الحكومة الجزائرية؛ إذ كانت لعبت دورا كبيراً في تقويض إجماع مجلس الأمن في أبريل 2016 عندما امتنعت عن التصويت لصالح تجديد ولاية "المينورسو". ولم تكن هذه المرة الأولى التي تشتكي فيها روسيا مما تعتبره انحياز مشروع القرار للمغرب؛ فقد لعبت دورا بارزا مع أوروغواي وبوليفيا في العام الماضي لإعاقة جهود مجلس الأمن لاتخاذ قرار قوي ضد خروقات "البوليساريو" في الكركرات. أحمد نور الدين، خبير في قضايا الصحراء، قال إن "الموقف الروسي الداعم للأطروحة الجزائرية كان متوقعاً بالنظر إلى التنسيق الذي قام به وزير خارجية الجزائر منذ أزيد من شهرين بزيارة إلى موسكو كانت على رأس أجندتها قضية الصحراء"، مسجلاً "تقاعس وزير خارجية المغرب عن القيام بحملة دبلوماسية تشمل كل دول مجلس الأمن لشرح الموقف المغربي وحشد الدعم له". وتوقف المتحدث ذاته عند الموقف الإثيوبي من قضية الصحراء، وقال: "رغم أنّنا دشّنا معهم علاقات مبنية على شراكة اقتصادية واستثمارات تقارب 2.5 مليار دولار في صناعة الأسمدة، فإنّ ذلك لا يُغني عن التحرك الدبلوماسي تجاه هذا البلد العضو غير الدائم، إن لم يكن من أجل دعم موقف المغرب فعلى الأقل لتفادي دعم الجزائر ودفعه نحو الحياد". وبالرغم من أن العديد من المراقبين أقروا بأن مسودة قرار مجلس الأمن الجديد في صالح المغرب، فإن نور الدين له قراءة مغايرة؛ إذ يرى أنها "تميل أكثر نحو الطرح الجزائري؛ فهي أولا تعامل المغرب والجبهة الانفصالية على قدم المساواة في ما يخص الخروقات في المنطقة العازلة وتدعو الطرفين إلى احترام الاتفاقات الجارية مع الأممالمتحدة، تماما كما كان عليه الأمر السنة الماضية في مشكلة الكركرات". الملاحظة الثانية التي يقدمها الأستاذ الجامعي بخصوص مسودة الصحراء تتعلق بطلب مجلس الأمن من الانفصاليين الانسحاب من الكركرات فقط، ويرى أن "ذلك يضفي الشرعية على تواجد الجبهة في بير لحلو وتيفارتي والمحبس وكجيجيمات وغيرها من المراكز في المنطقة العازلة"، موردا أن "القرار قد تجاهل تلويح المغرب بالخيار العسكري لإعادة الأمور إلى نصابها وتطهير الأراضي المغربية في المنطقة العازلة من التواجد الانفصالي، الذي جاء تحديداً كرد على التحركات في بير لحلو والمحبس وغيرها، وليس الكركرات وحدها". واعتبر المتحدث ذاته أن مشروع القرار يدعو إلى استئناف المفاوضات دون شروط، وهو مطلب الجزائر والانفصاليين. وبذلك يتجاهل شروط المغرب الموضوعية، بدءً بمطلب إحصاء ساكنة تندوف الذي جاء بصيغة: "مجلس الأمن يشجع الأطراف على التعاون مع المفوضية العليا للاجئين من أجل إحصاء وتنفيذ مخطط 2012 وإجراءات بناء الثقة". ورأى نورد الدين أن القرار بذلك "تحاشى تحميل الجزائر مسؤولية عرقلة إحصاء الساكنة". واستطرد أستاذ العلاقات الدولية في حديثه قائلا إن "الفقرة السابعة من القرار انزلقت إلى القاموس الجزائري الانفصالي باستعمالها كلمة (الشعب) عوض (ساكنة الصحراء)، وهو اتخاذ لموقف من القضية وانحياز من الأممالمتحدة إلى الطرح الجزائري، وليس مجرد كلمة عابرة. بالإضافة إلى كون هذه الفقرة تضرب في العمق مسلسل التسوية من أجل الوصول إلى حل سياسي مقبول من الأطراف، لأنها تعيد الحديث عن (تقرير مصير) كان المغرب هو من طالب به من أجل تحرير صحرائه من الاستعمار الإسباني سنة 1963". وأبرز نورد الدين أن الفقرة ذاتها تتحدث عن الحل السياسي، واعتبر ذلك "من اللعب على الحبلين الذي تجيده القرارات الأممية ومن يكتبها، وأعني الولاياتالمتحدة التي تستفيد من صفقات استكشاف النفط والغاز في الجنوب الجزائري"، ودعا المغرب إلى "اتخاذ إجراءات صارمة والسير في التوجه نفسه الذي عبّر عنه في الرسالة الموجهة إلى رئيس مجلس الأمن للحفاظ على وحدة الوطن قبل فوات الأوان"، وفق تعبيره.