تم إقرار القانون المتعلق بمنع التدخين والإشهار والدعاية للتبغ في بعض الأماكن العمومية قبل أزيد من عشرين سنة في المغرب، لكنه لم يخرج من حيز المصادقة إلى حدود اليوم، في الوقت الذي يطالب فيه غير المدخنين ب"أماكن بدون تدخين"، وإحصائيات المؤسسات المسؤولة تبرز أن نسبة المدخنين السلبيين تصل إلى 41 في المائة، في حين تشكو الجمعيات المهتمة "نجاح لوبي صناعة التبغ في مخططاته". مدخنون رغما عنهم "نعاني من مشاكل هذا الدخان ولا نستطيع التركيز لأننا نرتاد المقاهي من أجل الدراسة، والمقاهي التي توفر فضاءات دون تدخين قليلة جدا"، هكذا كان جواب شكيب شطري، طالب في سلك الدكتوراه بالرباط، عندما سألته هسبريس عن تجربته مع المقاهي المغربية. شطري تساءل مستنكرا: "أليس من حقنا أن نجلس في مقهى لنستريح، أو لندرس، أو لنشرب قهوة مع أصدقائنا في ظروف صحية؟"، مضيفا: "المقهى مكان عمومي، ومن حقي أن أجلس فيه". الطالب المتحدث حمّل مسؤولية "معاناته" لأرباب المقاهي "الذين يريدون فقط كسب المال، لأن مرتادي المقاهي من المدخنين يشربون فناجين قهوة أكثر، لكن الطلبة يبقون لمدة أطول دون تجديد الطلب"، وأضاف: "يجب على الأقل توفير مكان خاص بغير المدخنين". أما جيهان حبوش، صحافية، فصرحت بأن لا مشكل لديها مع المدخنين في الأماكن العمومية، "لكن بشكل عام، من الأفضل توفير أماكن في المقاهي مخصصة لغير المدخنين؛ وهكذا يستطيع الأشخاص الذين لديهم مشكل مع رائحة السجائر أن يستمتعوا بقهوتهم"، وأضافت مستدركة: "هذه الفضاءات قليلة جدا، خصوصا في المدن الصغرى". إحصائيات صادمة وقلة ذات اليد تقدر "مؤسسة للا سلمى للوقاية وعلاج السرطان" عدد السكان الذين يدخنون بشكل سلبي ب41 في المائة، وتتحدث أرقام المؤسسة عن استهلاك "ما يزيد عن 15 مليار سيجارة سنويا"، يتناولها 31.5 في المائة من المدخنين، و3.3 في المائة من المدخنات؛ الأمر الذي يسبب "90 في المائة من حالات سرطان الرئة". الحسن البغدادي، رئيس الجمعية المغربية لمحاربة التدخين والمخدرات، قال في هذا الصدد: "الآن يمكن أن يشعل المواطن سيجارة وينفث دخانها عليك، ولا يمكن أن تتابعه بأي شيء". البغدادي تحدث عن عدم التصديق على قانون منع التدخين، وأرجع صدور القانون في بداية التسعينات إلى "حاجة شركات التبغ لقانون يحميها من المتابعات القضائية، فعندما يرفع شخص دعوى بحجة تضرره تقول الشركات المعنية لقد كتبنا على علبة السجائر إن التدخين يقتل". وربط رئيس الجمعية المغربية لمحاربة التدخين والمخدرات تعثر القانون ب"عدم الإرادة لدى الجهات المعنية بالأمر"، وإلى "لوبي صناعة التبغ"، وأضاف قائلا: "البرامج التلفزية المغربية تقوم بإشهار مبطن للتبغ، ومن الطبيعي والعادي أن تذهب بناتنا وأولادنا في ذلك السياق العادي للثقافة التي تصنعها"، ووصف ذلك ب"استغلال شركات لها إمكانيات مادية لأدوات وإمكانيات الدولة لتخريب أبناء الدولة"، واعتبر أن "بارونات التبغ والمخدرات يخربون الدولة ويهددون مستقبل أبنائنا وبناتنا". وجوابا على سؤال حول عمل الجمعية في سبيل حماية المدخنين السلبيين والمدخنين من أخطار التدخين، قال البغدادي: "سبق أن تحدثت مع رئيس الحكومة وقال لي إنه لا يمكنه التحدث في الموضوع"، وأضاف بنبرة تعجب: "هذا رئيس حكومة!". واستطرد المتحدث ذاته": "أقمنا دعوى قضائية ضد القناة الثانية، وضد البرنامج التلفزي "(لكوبل) لأنه يقوم بإشهار مبطن للتبغ"، واستعرض أنشطة جمعيته قائلا: "نقوم بتأطير لقاءات تواصلية في المؤسسات التعليمية، والتكوين المهني، ودور الشباب، والفضاءات العامة، وأينما كان هناك أناس مجتمعون، من أجل التحسيس بأخطار هذه الآفة الدخيلة على المجتمع المغربي". وأضاف: "نحاول أن نؤطر لقاءات تواصلية مع الشباب لنعري لهم على الحقائق الخطيرة لهذه الشركات، فالشباب ينساقون بسذاجة وراء هذه المخططات الخطيرة، وهذا ما يوضحه مدى توسع هذه الآفة على مستوى السن، ومستوى الجنس، ومستوى الجغرافية". الحسن البغدادي تساءل في هذا السياق: "إذا كانت كل هذه الضجة المستحقة على حوادث السير التي تقتل مليونا و200 ألف سنويا، فما الذي يجب أن نقوم بفعله ضد التدخين الذي يقتل ستة ملايين سنويا؟ خصوصا أن مخططات لوبيات التبغ ناجحة في غياب قيام الجهات المعنية بالأمر بقوانين، أو أي شيء، لنكون محميين"، وفق تعبيره. *صحافي متدرب