ماضية في الانتشار ظاهرة نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، توازيا مع اتساع قاعدة مستخدمي ومرتادي المواقع نفسها. نجد ضمن هؤلاء النشطاء، الذين يتواصلون مع جمهور المتابعين عبر حسابات وصفحات اجتماعية، إعلاميين وكتابا وفنانين ومدرسين وموظفين وتجارا وصناعا وحرفيين وعاطلين عن العمل، منهم من هو حاصل على أعلى الشهادات التعليمية، ومنهم من غادر المدرسة في التعليم الأساسي، وضمنهم أيضا طلبة وتلاميذ لم يكملوا مشوارهم الدراسي بعد. القاسم المشترك بينهم أنهم كثيرو الارتباط بمواقع التواصل الاجتماعي، وأنهم مواظبون على النشر على صفحاته، ولديهم متابعون و"أتباع" يبدؤون بالعشرات وينتهون بمئات الآلاف، وبالملايين في بعض الحالات. تكمن أهمية هؤلاء النشطاء في حجم التأثير الذي يحدثونه أو قد يحدثونه بين متابعيهم، سواء كان تأثيرا إيجابيا أو سلبيا، وكذلك حجم التأثير الذي قد يحدثونه في نقاشات مطروحة أو قضايا راهنة. أما ما هو إيجابي فيكمن في قربهم من الجمهور، وتقريب المعلومة منهم، وفتح نقاش حول مواضيع كثيرة ومتنوعة تدخل ضمنها طابوهات عدة يصعب تناولها في الإعلام السمعي البصري، وأيضا المطبوع.. يخلقون دينامية في المشهد ويحركون عدة برك راكدة، مما يساهم في تطوير الوعي وصناعة رأي عام جديد.. يشكلون قوة للضغط تسرّع في كثير من الأحيان بإيجاد حلول لمشاكل عالقة عن طريق تسليط الضوء عليها، أو تمنع كذلك انحرافات وتراجعات في مجالات معينة.. يخلقون فضاءات للتواصل والتسلية والمتعة والثقافة والتعلم والنقاش والتبادل والتكامل. أما الشق السلبي فلعل أوله لعبة الأرقام، فبعض النشطاء، وبحثا عن تأثير أكبر، يسقط في لعبة عدّ وإحصاء عدد المتابعين وعدد المشاركات وعلامات الإعجاب المحصل عليها بالنسبة إلى كل منشور. ويغفل بعض هؤلاء بأن أرقام المتابعة على الإنترنيت بين الأصدقاء "الافتراضيين" لا تعكس التأثير ذاته والقوة نفسها على الواقع. وهذا واضح، فعلماء كثر ومثقفون كبار وإعلاميون أفذاذ اختاروا أيضا أن ينشطوا في بعض المواقع الاجتماعية، إلا أن انتشارهم ظل محدودا عكس تأثيرهم ومتابعة أعمالهم على الكتب أو المجلات العلمية المصنفة ومراكز الأبحاث أو التلفزيون. مسألة عدد علامات الإعجاب وحجم التفاعل مع المنشورات عملية كمية بامتياز تسقطنا في كثير من الأحيان في الغثائية، ولا تعكس بأي حال من الأحوال رجاحة الرأي وسداده أو قوة الدليل وصحته. أما بالنسبة إلى المتابعين فعدد منهم ليس بالهين يسقط في فخ تنزيه أحد النشطاء الذين يتابعهم عن الخطأ أو حتى تقديسه، فتجده غير قادر على التعامل مع كل منشور على حدة، فيتفق مع هذا ويختلف مع الآخر، بل يتلقف بدون أدنى تمحيص كل ما يلفظه الناشط على الموقع. ولهؤلاء النشطاء في بعض الأحيان، ووفق قناعاتهم وتوجهاتهم، دور مهم في تحريف المعلومة وتحوير النقاش عن مساره، معتمدين عادة في وسائلهم على أدوات كالبتر أو الإضافة أو الاختلاق. والخطر هنا يكمن في صناعة رأي عام مزيف، مبني على مغالطات وتحريفات وتشويه للمعلومة، حيث يصعب تصحيح الأمور وتصويب المسار إلا بجهد مضاد داع إلى التثبت والتبين. كما نتابع في العديد من المواقف حروبا وملاسنات وتراشقات كلامية بين بعض النشطاء عن طريق استعمال المتابعين، وإطلاق صراعات إيديولوجية وحملات عنصرية، وتسويق الرؤية الأحادية التي لا تعترف بالاختلاف. يشكل نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، يقينا، قيمة مضافة للمشهد الإعلامي. وأمام تعدد إيجابيات هؤلاء النشطاء وكم السلبيات في الكفة المقابلة، لا بد للمتابع أن يتحلى بدرجة من الاستقلالية والتجرد وإعمال المنطق والتثبت والتبين عند قراءة أي منشور اجتنابا للسقوط ضحية إشاعات أو الترويج لها دون وجه قصد، وأن لا ينزه النشطاء عن الخطأ، سواء كان ذلك عمدا أو عن غير قصد. والهدف يبقى هو صيانة المعلومة، والنهوض بمستوى النقاشات على الإنترنيت، واجتناب الجدل العقيم، والمناوشات الكلامية التي لا تضيف أي قيمة إلى المشهد.