واصل ضيوف موسم أصيلة الثقافي النقاش في موضوع الندوة الثانية: «الإعلام العربي في عصر الإعلام الرقمي». إذ تباينت الآراء حول العلاقة بين الإعلاميين بين مؤيد لمبدأ التكامل، وقائل بضرورة الفصل بينهما، ومدافع عن هذا أو ذاك عبر تقديم الحجج الدامغة لكل طرح. على امتداد ما تبقى من جلسات الندوة الثانية لجامعة المعتمد بن عباد، تمحورت النقاشات أساسا حول تأثير دور الإعلام الرقمي وشبكات التواصل الاجتماعي في انتفاضات الربيع العربي من جهة، وفي التحولات الشاملة التي نتجت عنها خلال السنوات الأربع الماضية. وفي هذا السياق اتفق جميع الفاعلين الإعلاميين والمهتمين والمتابعين المشاركين على أن العالم العربي لم يعد كما كان قبل سنة 2011. من هنا، تمحورت جل المداخلات حول التغير الطارئ في علاقة الجماهير العربية بوسائط هذا الإعلام الجديد، حيث قدم المشاركون، كل حسب بلده وتجاربه الميدانية، أرقاما وإحصائيات ومؤشرات ودلائل تسعى إلى وصف طبيعة هذه التغيرات الطارئة على المجتمعات العربية بفضل التكنولوجيا الإعلامية الحديثة. ومن جهة ثانية، انكب البعض الآخر على وصف مدى انخراط النخب الإعلامية العربية في الطفرة التكنولوجية الحديثة، وكذا كيفية تطبيقها واستغلالها في الإخبار والتنوير والتثقيف، أو في الدعاية السياسية، أو النقاش الفكري/ الثقافي، أو في مجالات أخرى مثل الاقتصاد وقضايا المجتمع، إلخ. كما تميز النقاش، فيما يتعلق بالإعلام الرقمي خصوصا، حول الإيجابيات والسلبيات التي تكتنف طبيعة عمله. فمن جهة، ثمّن البعض ميزات السرعة والآنية في التفاعل مع أحداث الدولة والمؤسسات والمجتمع، ومتابعة الأحداث وتغطيتها وتحليلها. فضلا عن ذلك، سمح الإعلام الرقمي بالجمع بين الصوت والصورة والكلمة المكتوبة، وبين الصورة المتحركة والثابتة، وبوصول المعلومة إلى فئات عريضة من المجتمع، وبالمساهمة في صناعة رأي سريع. كما أجمعوا على قيمة الديمقراطية التي تحققت على مستوى التناول الإعلامي، على اعتبار أن هذا الإعلام سمح لفئات شعبية واسعة المشاركة في إنتاج المعلومة وإغنائها عبر المناقشة والتحليل والتأويل. وساهم أيضا، في تحطيم احتكار المنصات الإعلامية التقليدية، ووسع من هامش الملكية في المجال الإعلامي… ويقابل هذه الإيجابيات سلبيات كثيرة أيضا. إذ تنتج عن سرعة الإعلام الرقمي، حتى وإن كانت إيجابية، أخطاء تتعلق باللغة والانحراف عن الخط التحريري وأخلاقيات المهنة، إلخ. ومن أبرز ما أشار إليه المشاركون في هذه الندوة مشكلة الملكية الفكرية، حيث لاحظوا أن عددا كبيرا من المواقع الإخبارية الإلكترونية، مثلا، تحيّن ذاتها بالسطو على ممتلكات الغير الفكرية. ومع السرعة، تقلصت مساحة مصداقية الخبر، وتراجع إلى الخلف «المصدر الموثوق»، ليفسح المجال أمام الصحافي «صانع الخبر». أما من حيث المقارنة بين الإعلام التقليدي والإعلام الرقمي من حيث التأثير في الجمهور، فقد تباينت الآراء هنا أيضا. إذ يرى البعض أن الإعلام الورقي مازال يمارس أثرا قويا في القراء، أثرا ممتدا في الزمن على الأقل. ومن هنا قدرته على الاستمرار في الوجود، على الأقل خلال السنوات المقبلة. غير أن عددا كبيرا اعتبر أن كفة التأثير تميل اليوم أكثر لوسائل الإعلام الرقمي، بالنظر إلى كثرة تناسل منصاته في الآونة الأخيرة، وكذا حجم الإقبال الكبير عليها. ويعود هذا النجاح إلى سبب رئيسي يكمن في حجم التضييق والقمع اللذين مورسا على الوسائل الإعلامية التقليدية. ومع ذلك، هناك من يرى أن حجم هذا التأثير لا يمكن تحديده، لاعتبارين أساسين: أولا، كونه يختلف من بلد إلى آخر؛ وثانيا، لغياب دراسة علمية دقيقة تقدر حجم انتشاره على أرض الواقع.