تميزت فعاليات الدورة التواصلية الثانية، التي نظمتها محكمة النقض يومي الجمعة والسبت الأخيرين بمراكشالخيرينالبمراكش، تحت شعار «ضوابط الخبر الإعلامي: حرية، مهنية ومسؤولية»، بإلقاء عدة مداخلات، لامست عن قرب علاقة الصحافة بالقضاء بصفة عامة، وكيفية التوفيق بين الحصول على المعلومة القضائية ونشرها مع ضرورة مراعاة الضوابط القانونية المتعلقة بضمان مصلحة المتهم والتحقيق وخاصة احترام قرينة البراءة، إضافة إلى قضايا أخرى.. وشارك عشرات من الصحافيين المنتمين لمختلف المنابر الإعلامية، في إغناء النقاش، خلال مناقشة هذه المداخلات، وهو النقاش الذي تمت صياغة مجموعة من مضامينه في البيان الختامي الصادر عن هذه الدورة التواصلية، ضمنه المطالبة بتفعيل الحق في المعلومة على مستوى القانون، حتى يؤدي الإعلام الأدوار المنوطة به في مجتمع يؤمن بقيم الحرية والمواطنة والمسؤولية، والمطالبة بتطبيق السلطة القضائية للنصوص القانونية بشكل يراعي خصوصيات العمل الصحفي والإعلامي، بالإضافة إلى توحيد الجهود من خلال خطة عمل إعلامية أمنية يشارك فيها رجال الأمن ونظراؤهم من الإعلام تؤسس لمرحلة جديدة من التعامل الإعلامي مع قضايا النظام العام والجريمة وسط المجتمع، وتحدد مقاربة متطورة تقوم على التوعية السابقة لوقوع الفعل الإجرامي، وكذا التوعية اللاحقة التي تحسس المواطنين بخطورة الجرائم والمس بالنظام العام، فضلا عن المطالبة بضرورة صياغة خطة عمل في مجال الإعلام الأمني في مذكرة تفاهم أو من خلال لقاءات مشتركة بين الإعلام والأمن والقضاء. وسنكتفي اليوم، بنشر مداخلتين، الأولى للأستاذ عبد الرحيم مياد رئيس غرفة بمحكمة الاستئناف بالرباط حول : «علاقة القضاء بالإعلام بالرباط، والثانية للصحافية كريمة مصلي بجريدة « الصباح» حول : «الخبر الصحافي .. ما بين الحرية والمسؤولية»، على أن نعود لنشر باقي المداخلات في عدد لاحق. الأستاذ عبد الرحيم مياد في مداخلته حول : «علاقة القضاء بالإعلام ..» ضرورة وجود تنسيق بين المؤسسة القضائية والإعلامية.. مدخل: من الغير المختلف فيه، أن حرية التعبير تشكل أحد الأعمدة الأساسية للمجتمعات الديمقراطية حسب ما كرسته المادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية التي نصت على أنه:( لكل إنسان حق في حرية التعبير، ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى آخرين دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى يختارها ) وكذا المادة 10 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، التي نصت على أن: 1- لكل شخص الحق في حرية التعبير، ويشمل هذا الحق حرية الرأي، وحرية تلقي المعلومات أو الأفكار أو إذاعتها من دون تدخل السلطات العامة ومن دون التقيد بالحدود الجغرافية. لاتمنع هذه المادة الدول من إخضاع نشاط مؤسسة الإذاعة أو السينما أو التلفزة لطلبات الترخيص. 2- يجوز إخضاع ممارسة هذه الحريات التي تتطلب واجبات ومسؤوليات لبعض الشكليات أو الشروط أو التقييدات أو المخالفات التي يحددها القانون، والتي في مجتمع ديموقراطي تدابير ضرورية لحفظ سلامة الوطن وأراضيه، والأمن العام وحماية النظام ومنع الجريمة وحماية الصحة والأخلاق، وحماية حقوق الآخرين وسمعتهم وذلك لمنع إفشاء المعلومات السرية، أو ضمان سلطة الهيئة القضائية و نزاهتها " إن وسائل الإعلام على مختلف أنواعها، تؤدي دورا هاما في المجتمع، فهي تعمل على خلق وحدة معنوية بين أفراد الشعب الواحد، وتكشف ما قد يحيط بالمجتمع من نقص وتعمل على دفع الجهات المسؤولة إلى الإصلاح وتفادي هذا النقص سواء من الناحية الاجتماعية أو الاقتصادية أو الثقافية. والصحافة كإحدى وسائل التعبير عن الرأي في المجتمع المعاصر، والمنزلة التي تحتلها في النظام الديمقراطي، تشكل السبيل إلى معرفة كل ما له علاقة بالمجتمع والمفهوم الحديث للصحافة، يحدد من خلال وظيفتها المتمثلة في جمع الأخبار ونشرها وكذا تفسيرها بالتعليق عليها. بحيث أن الوظيفة الأولى، أي جمع الأخبار، يقصد به أن تشبع الصحافة غريزتها في الاستطلاع عند الجمهور في شتى مجالات الحياة دون الاقتصار على مجال معين، وهذا لن يتأتى لها إلا بالاعتراف للإعلامي وللصحافي على وجه الخصوص بحقه في الحصول على المعلومات، هذا الحق الذي ينبغي حتى يتبلور أن تمكن أجهزة الدولة العاملين في الحقل الإعلامي من الحصول على معلومات بل والمعلومات الصحيحة بدون تحكم، ما لم تكن مطبوعة بالسرية بحكم القانون. أما نشر الأخبار، فالمقصود به، تمكين الصحافيين من حق اطلاع الرأي العام على المعلومات المحصل عليها من خلال نشرها، وإلا يصادر هذا الحق لأي سبب كان، طالما انه لا يشكل أي اعتداء على مصالح الدولة العليا ولا يصطدم بنص قانوني صريح. أما تفسير الأخبار بالتعليق عليها، يبقى الأهم من المفهومين الأولين، إذ يحتمل اتخاذ الصحافي احد الموقفين في عمله، فهو إما يفسر الخبر بتحليله وشرحه بصورة مبسطة، لفهمه من طرف عامة الناس، وإما يعلق وينتقد، وهنا لابد من اتخاذ الحذر التام حتى لا يخرج عن الأسس الموضوعية، وتدخل فيه اعتبارات شخصية وذاتية، لان حق النقد وان كان الأصل فيه الإباحة، فانه لاينبغي الإساءة في استعماله. لذلك ومن أجل تحقيق هذا الدور الأساسي للصحافة في حياة الأفراد يتعين تمتيعها بالحرية. إلا أن ارتباط الصحافة بالحرية لا يعني أن يكون الصحافيون غير مسؤولين عما تم كتابته أو نشره، فالحرية و المسؤولية عنصران لا يفترقان و ذلك عملا بمبدأ (استحالة وجود حق مطلق). وفي هذا الإطار، فحرية الصحافة يتعين أن لا يجد منها إلا ما ينبغي للصحافي أن تتحلى به من مسؤولية، تلك الحرية والمسؤولية التي قال عنهما صاحب الجلالة محمد السادس نصره الله في الرسالة الملكية السامية الموجهة إلى أسرة الصحافة و الإعلام بمناسبة اليوم الوطني للإعلام بتاريخ 15 نونبر 2002 " الحرية و المسؤولية هما عماد مهنة الصحافة و منبع شرفها....". و أضاف جلالته أنه " ,...لا سبيل لنهوض وتطور صحافة جيدة دون ممارسة لحرية التعبير شريطة أن تمارس هذه الحرية في نطاق المسؤولية..." انتهى النطق الملكي السامي. ونجد أن قانون الصحافة يقوم على مبدأ الموازنة بين المصالح كفلسفة عامة، وذلك من خلال التنصيص على مبدأ حرية الصحافة في أول فصوله واستتبع ذلك بمجموعة من النصوص التجريمية التي تعاقب من تجاوز حدود معينة، خصوصا إذا ترتب عن ذلك مسا بحق الأفراد أو النظام العام. والملاحظ انه مؤخرا، احتد النقاش حول أخلاقيات مهنة الصحافة والحد المسموح به في النقد المتاح للصحافي خصوصا عندما يتعلق الأمر بأعراض المواطنين وسمعة الأفراد والعائلات والمساس بسرية التحقيق عند نشر الإجراءات القضائية والمتابعة، ومختلف مراحل المحاكمة. وتأسيسا على ما سبق ذكره، واعتبارا أن هذه المداخلة تنصب حول علاقة الصحافة بإحدى مراحل التقاضي، إلا وهي المحاكمة، فإننا نقترح تقسيم خطة البحث إلى محورين: الأول: حق الوصول إلى المعلومة من خلال تغطية أطوار المحاكمة الثاني: مسؤولية توظيف المعلومة المحصل عليها من خلال تتبع أطوار المحاكمة المحور الأول: حق الوصول إلى المعلومة من خلال تغطية أطوار المحاكمة مما لاشك فيه أن دستور المملكة المغربية لسنة 2011 وتكريسا منه لمضامين المواثيق والاتفاقيات الدولية التي تمت المصادقة عليها، نجده ينص في فصله 27 على انه: (للمواطنين و المواطنات حق الحصول على المعلومات الموجودة في حوزة الإدارة العمومية والمؤسسات المنتخبة والهيئات المكلفة بمهام المرفق العام. و لا يمكن تقييد الحق في المعلومة إلا بمقتضى القانون بهدف حماية كل ما يتعلق بالدفاع الوطني، وحماية أمن الدولة الداخلي والخارجي والحياة الخاصة للأفراد ، وكذا الوقاية من المس بالحريات والحقوق الأساسية المنصوص عليها في هذا الدستور، وحماية مصادر المعلومات والمجالات التي يحددها القانون بدقة.) ونص الفصل 165 من الدستور على انه: (تتولى الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري السهر على احترام التعبير التعددي لتيارات الرأي والفكر، والحق في المعلومة في الميدان السمعي البصري، وذلك في إطار احترام القيم الحضارية الأساسية وقوانين المملكة) وفي إطار تنزيل مقتضيات الدستور المشار إليها أعلاه، فان مشروع قانون رقم 13. 31 متعلق بالحق في الحصول على المعلومات، أشار في المادة 1 أن من الهيئات المعنية، مؤسسة القضاء ونص في المادة 2 انه: (لكل مواطن ومواطنة ولكل شخص معنوي خاضع للقانون المغربي الحق في الحصول على المعلومات والوثائق التي بحوزة الهيئات المعنية مع مراعاة مقتضيات هذا القانون) فيما نصت المادة 3 على انه: (يمكن دون الأضرار بالمصلحة العامة والمصالح الخاصة للأفراد، إعادة استعمال المعلومات التي تم نشرها أو تسليمها من طرف الهيئات المعنية). وللإشارة فان المشروع المذكور آنفا، عنون بابه الخامس باستثناءات الحق في الحصول على المعلومات ونص في المادة 19 انه: ( تستثنى من المعلومات المشمولة بالحق في الحصول عليها بموجب القانون أ- المعلومات المتعلقة: 1- الدفاع الوطني، 2_امن الدولة الداخلي والخارجي، 3- الحياة الخاصة للأفراد، 4-الحريات والحقوق الأساسية المنصوص عليها في الدستور، 5- مداولة المجلس الوزاري ومجلس الحكومة بشان الاستثناءات المشار إليها أعلاه، ب- المعلومات التي يؤدي الكشف عنها إلحاق ضرر ب: 1-العلاقات مع دولة أخرى أو منظمة دولية حكومية، في حالة الكشف عن المعلومات التي قدمتها هذه الدولة أو المنظمة على أساس الحفاظ على سريتها، 2-قدرة الدولة على تدبير السياسة النقدية والاقتصادية والمالية، 3-سياسة عمومية قيد الإعداد، والتي تتطلب استشارة المواطنين، شريطة إلا يمتد الاستثناء بعد اعتمادها بصفة رسمية، 4- تسيير المساطر القضائية والمساطر التمهيدية المتعلقة بها، 5-الأبحاث والتحريات الإدارية، 6-حقوق الملكية الصناعية، وحقوق المؤلف والحقوق المجاورة، 7-المنافسة المشروعة والنزيهة، 8-مصادر المعلومات اذن الحق في الحصول على المعلومة لا مراء أن له أصل دستوري منسجم والاتفاقيات والمواثيق الدولية، ومن المنتظر تفعيله على مستوى القانون. وانطلاقا من كون الإعلام يعتبر المرآة الحقيقية التي تعكس الواقع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والثقافي، ويلعب دورا تنويريا في دعم الثقافة الإنسانية ونشر الوعي وبسط مفاهيم المواطنة والوطنية والحث على احترام الرأي الآخر. فان هذه المهمة تستوجب توصله إلى المعلومة الصادقة، وقيامه بالتحليل الصائب والدقيق، والخبر الواضح البعيد عن التشويه والافتراء, وهذا القول يصدق على ما ينقله الإعلام عن القضاء فبالنظر إلى أن مهمة السلطة القضائية المنوط بها على حماية الحقوق والحريات وتتكفل بإضفاء الحماية على مصالح المجتمع، من خلال تطبيق النصوص القانونية تطبيقا مجردا، حياديا، أمينا وسليما، إضافة إلى السهر على تطبيق القانون. فان الدور الإعلامي الايجابي يكمن في تعميم ونشر هذه الثقافة، مع التقيد بالمبادئ والقيم التي تفرضها أخلاق المهنة ومعايير السلوك المهني. وإذا علمنا أن أطراف اغلب القضايا التي تعرض على القضاء لا يتجاوز ثلاثة هم: النيابة العامة، المشتكي أو الضحية والمتهم. فان القضاء بحيادته واستقلاله، يسعى الى تحقيق العدالة، دون تغليب أي طرف من هذه الأطراف على الآخر، ويلتزم في تكوين قناعته على ما توفر لديه من أدلة وحجج في القضية. ولا يمكنه أن يعتمد الأدلة التي يعرضها الإعلام أو يعتقدها صحيحة، كما لا يمكنه اعتماد وجهات النظر والآراء التي يقوم الإعلام بالتركيز عليها واعتمادها - لسبب بسيط – أنها تعتبر خارج نطاق القضية. كما أن الإعلام يدرك الاعتبارات والضمانات التي وفرها القانون للمتهم ابتداءا من قرينة البراءة، وسرية التحقيق، هذه السرية التي توفر الحماية للمتهم من كل تشهير يقع به، وهذا لا يعني أن إحالة المتهم على المحاكمة بمثابة إعطاء الحق للمس به، فهو يبقى دائما بريئا الى أن تثبت إدانته بمقرر مكتسب لقوة الشيء المقضي به، بناء على محاكمة عادلة تتوفر فيها كل الضمانات القانونية. وفسر الشك لفائدة المتهم ( المادة1 من ق م ج)، وان كان مبدأ العلانية -كأصل- الذي يشكل احد مرتكزات المحاكمة العادلة يعطي الحق للإعلام بتغطية كل ما يقع داخل قاعة المحاكمة من وقائع ومناقشات. غير أن السؤال الذي يثور هنا هل حق تغطية أطوار المحاكمة، والذي يعتبر ممارسة حق الحصول على المعلومة، غير مقيد أم أن الأمر خلاف ذلك؟ الجواب عن ذلك هو ما سنحاول بيانه من خلال المحور الثاني المحور الثاني: مسؤولية توظيف المعلومة المحصل عليها من خلال تتبع أطوار المحاكمة بداية يمكن القول بان اغلب التشريعات عاقبت الجهة التي تنشر أمورا من شانها التأثير على القضاة الذين أنيط بهم الفصل في الدعوى معروضة عليهم، كما عاقبت كل من نشر بإحدى طرق العلانية أخبارا بشان محاكمة قرر القانون سريتها، أو منعت المحكمة نشرها أو تحقيقا قائما في جناية أو جنحة أو وثيقة من وثائق التحقيق أو أخبارا بشان التحقيقات أو الإجراءات الجارية، وكذا ما يجري في الجلسات العلنية بسوء نية وبغير أمانة، وكذا مخالفة قرار المحكمة المعلن عن سرية ما يجري من تحقيقات في القضية المنظورة أمامها. وتقع على عاتق الإعلام الالتزام بالمهنية، وتجنب الخوض في تفاصيل القضايا المطروحة أمام القضاء لتجنب الإرباك والتأثير في مسار العملية القضائية، التي من شانها المساس بحقوق أطراف القضية، حتى انه يمكن الجزم بالقول، انه بعيدا عن التحليلات والاستنتاجات التي تطرحها الكتابات والتصريحات، يكون القرار القضائي محايدا ومنصفا ومحققا للعدالة، على الأقل في نظر من أصدره. وللتذكير فالمشرع المغربي أورد قيودا على حق الإعلام في الحصول على المعلومة، بحيث نجده وضع خطوطا حمراء لا يمكن تجاوزها، تحت طائلة المتابعة والعقاب، بحيث نجده في الفقرة 3 من المادة 303 من قانون المسطرة الجنائية يمنع نشر تحقيق أو تعليق أو استطلاع للرأي شخص تجري في حقه مسطرة قضائية بصفته متهما أو ضحية، دون موافقة منه سواء كان معينا باسمه أو بصورته أو يمكن التعرف عليه من إشارات أو رموز استعملت في النشر. كذلك نجد الفقرة 1 من الفصل 54 من قانون الصحافة تمنع نشر وثائق الاتهام وغيرها من الوثائق المتعلقة بالمسطرة الجنائية أو الجنحية قبل مناقشتها في جلسة عمومية. ونفس الفصل في فقرته 2 يمنع نشر صورة شمسية ومنقوشات ورسوم وصور الأشخاص تكون الغاية منه التشهير والتشخيص الكلي أو الجزئي لظروف جناية أو جنحة في بعض الأحوال الخاصة كقتل الأصول والفروع أو التسميم أو المس بالأخلاق والآداب العامة، وكذلك منع النشر بغير أمانة وعن سوء نية لكل ما جرى في الجلسات العلنية للمحاكم منع التصوير والتسجيل والتقاط جميع الأبحاث والمناقشات التي تعرفها أطوار المحاكمة الجنائية، إلا بإذن رئيس الجلسة بعد اخذ رأي النيابة العامة، وفي حالة الحصول على الإذن المذكور يمنع تصوير المتهم المعتقل أو المصفد أو المقيد ما لم يقبل ذلك، كما أنه وتقيدا بمبدأ السرية الذي يحكم عقد جلسات الأحداث، فانه يمنع على الصحافي نشر بيانات تلك الجلسات. الخلاصة: خلاصة القول، أن هذه المداخلة الجد مختصرة، التي حاولنا من خلالها الإشارة إلى الخطوط العريضة لعلاقة القضاء والإعلام بمناسبة عقد جلسات المحاكمة، فانه يمكن القول أن التمسك بترسيخ هيبة السلطة القضائية واحترام استقلالها، لا يمكن أن يتصور بانغلاق القضاء كليا على الإعلام، إذا ما نظرنا إلى الجانب الايجابي لدور الإعلام. ونجد من الضروري والمهم وجود تنسيق بين المؤسسة القضائية والإعلامية، والذي يدخل لقاؤنا هذا في إطاره. *********** مداخلة الصحافية كريمة مصلي حول موضوع : «الخبر الصحافي ... ما بين الحرية والمسؤولية» ضرورة تعيين قضاة لهم دراية بالمجال الإعلامي مكلفين بالتواصل مع الصحافيين يصعب الحديث عن حدود «الحرية» في صياغة الخبر بالنسبة للصحافي، وأضع كلمة حرية بين قوسين بالنظر إلى الاختلاف في تحديد معناها من شخص إلى آخر، فبالأحرى في جهاز يعتبر مرآة المجتمع على كل مكوناته، وعينه التي لا تنام، صاحبة الجلالة أو السلطة الرابعة. كيفما كانت التسميات التي تطلق عليها لإظهار أهميتها داخل المجتمع، تبقى علاقتها بباقي مكونات المجتمع علاقة شد وجدب تختلف من جهة إلى أخرى ومن خبر إلى آخر، وتتطلب تحديدا دقيقا لتلك العلاقة وفق ضوابط محددة. خلال هذه المداخلة، سأحاول تسليط الضوء الخبر الصحافي بين الحرية والمسؤولية، وبشكل أدق حول الخبر في القضائي إن كان ممكنا تسميته كذلك أو بصيغة أوضح الخبر الذي يتعلق بالعدالة. تجربة عمل من خلال التجربة البسيطة التي راكمتها في عشر سنوات في العمل الصحافي المتخصص نوعا ما في كل ما هو قانوني، بدءا بالاتحاد الاشتراكي وصولا إلى الصباح ، لم تكن سهلة، فالتخصص في هذا الميدان يتطلب من الصحافي ضرورة الإلمام بالمصطلحات القانونية وكيفية توظيفها، ولكم أن تتصوروا حجم ما يمكن أن تلاقيه من متاعب وصعاب في البحث عن الخبر خاصة أمام انعدام مخاطب محدد، أو جهة يمكن اللجوء إليها للتأكد من صحة الخبر، فمجال العدالة أو القضاء بصفة أدق مجال محاط بكثير من السرية والتوجس، وأي اقتراب يعني الاقتراب من الغموض، غموض يمكن تفسيره بحساسية الجهاز الذي تؤول إليه مسألة إحقاق العدالة، رغم أنه بدأ يلاحظ أنه في السنوات الأخيرة هناك انفتاح حذر على وسائل الإعلام. الخبر القضائي كغيره من الأخبار، يبدأ الخبر الصحافي بمعلومة تصل إلى الصحافي لينطلق البحث عن مدى صحتها، وهنا يجب أن يأخذ بعين الاعتبار الحيز الزمني المسموح الاشتغال فيه، والذي يمكن أن يكون سيف ذو حدين بالنسبة للصحافي. فعليه التأكد من صحته وتحقيق ما يسمى بالسبق الصحافي، ومع قلة المصادر، وبتعبير أصح شحها، تكون مهمة الصحافي صعبة، بل في حالات عدة مستحلية. فالمصادر في عالم الصحافة بشكل عام غير متوفرة بشكل واضح وإما تعتمد في غالبيتها على العلاقات التي ينسجها الصحافي، خلال مساره المهني والتي تطلب جهدا مضاعفا للحصول على ثقة المصدر، تلك الثقة التي غالبا ما تكون مرتبطة بخطوط حمراء لا يسمح بتجاوزها، وخلال التجربة العملية الميدانية غالبا ما يكون هناك تقاطع بين عمل الصحافي في نشر الخبر وتقديم المادة الإعلامية للقراء وبين ما يعتبره الجهاز القضائي في بعض المحاكمات أو القضايا التي تخص الشأن العام تدخلا ومسا بل في حالات معينة توصف بأنها تشكل تأثيرا في العمل القضائي، ولا أدل على ذلك من المنشور الوزاري لوزارة العدل والحريات إلى الوكلاء العامين، أخيرا، بشأن إجراء المتابعة في حق أي صحافي كتب خلال مرحلة البحث التمهيدي وعدم التساهل مع سرية التحقيقات ما اعتبره الوزير في المنشور تجاوزا خطيرا في حق الحريات وتضرب في الصميم قرينة البراءة، وعلى النيابة العامة تحمل مسؤوليتها. هذا المنشور وضع الصحافي في «حيص بيص» مع كيفية التعامل مع القضايا وحدود السرية خاصة حينما يتعلق الأمر بالقضايا العامة والتي غالبا منا تصدر فيها النيابة العامة بيانات تشير من خلالها إلى تفكيك عصابة اجرامية أو خلية ارهابية او إحالة مجموعة من المتهمين في قضايا المال العام وغيرها من البلاغات التي تكون مادة دسمة لصحافي وتفتح شهيته للبحث والتحري، هل عليه التقيد بمنشور الوزير ليبتعد عن المساءلة أم عليه المغامرة والبحث وتحمل تبعات ذلك؟. الازدواجية في التعامل مع ما ينشر، ومع الحق في الخبر الذي تكفله المواثيق الدولية والدستور المغربي في الفصل 27 منه، تولد حالة من الخلاف الدائم مع الصحافة واتهامات جاهزة بالتحامل أو خدمة أجندات معينة، أو محاربة إصلاح، وهو ما يؤكد أن المجتمع مازال لم يع الدور المهم للصحافة، ولا يتوفر على رؤية واضحة المعالم في التعامل معها. ومثل باقي مكونات المجتمع، فجهاز العدالة أو القضاء بصفة عامة لا توجد بينه وبين الصحافة علاقة ود بالنظر إلى الاتهامات الموجهة إلى السلطة الرابعة، ما يتطلب وضوحا في الرؤية في التعامل بين جهازين عملهما مشترك، على اعتبار أن النشر الإعلامي يعكس جانبا إيجابيا من خلال فرضه نوعا من الرقابة الشعبية على العمل القضائي، وإضفاء مزيد من الشفافية على الممارسة القضائية، وليس ما يتحجج به رافضو النشر من أنه يكشف جوانب سلبية كثيرة تتجسد بشكل صريح في التأثير على استقلال القضاء وانتهاك مبدأ البراءة والمس بمبدأ احترام الحياة الخاصة للأشخاص وخرق سرية البحث والتحقيق.» الخطأ الصحافي كأي مجال من مجالات العمل، هناك هامش للخطأ متوقع، وبالنسبة إلى الصحافي مجال الخطأ مرتبط بشكل كبير بعسر أو قلة المصادر والمخاطب، والخطأ الصحافي غالبا ما يكون ب»حسن النية» المفروض إلى حين أن يثبت العكس، في حين أن ما يجري به العمل هو العكس، إذ غالبا ما يفترض سوء النية في النشر ويتطلب من الصحافي اثباث العكس ما يزيد من تعقيد مهمته التي يتعامل معها مع الخبر الذي بين يديه والتي يتحكم فيها عامل الوقت بصفة أكبر والذي يكون في غالب الأحيان سببا من أسباب الخطأ المبررة في الكثير من الحالات، دون أن ننسى بعض الاستثناءات التي يمكن أن يتجاوز فيها الصحافي وأقولها بصراحة حدود المسؤولية في نقل الخبر، أو التي تكون نتيجة الثقة الزائدة في بعض المصادر أو حتى في النفس، والتي قد تناب الصحافي في امتلاك الحقيقة، سرعان ما يكتشف حجم الخطأ المرتكب عن غير قصد وأسطر على كلمة غير قصد، لأن الصحافي مفروض فيه أنه يتعامل بمسؤولية في نقل الخبر والحياد، ويستحضر النزاهة والمهنية في العمل ولا يخدم أي جهة كيفما كانت ، حتى وإن انتصر الخبر لجهة معينه، فهو بذلك يقاسم القاضي في نظرة المجتمع إليهما. فالصحافي عندما ينقل خبر غالبا ما يزعج جهة معينه تعتبره متحاملا عليها والشيء نفسه بالنسبة للقاضي الذي بأحكامه لا يروق أحد الأطراف. فالقاضي هو خصم نصف المجتمع وإن عدل. قانون حماية المعلومة يعد الحصول على المعلومة وتداولها حقًا أساسيًا من حقوق الإنسان، وهو ما أكدت عليه المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، نظرًا لأهمية توفر المعلومات بالنسبة إلى أفراد المجتمع للمشاركة في الحياة العامة وعلى الرغم من الصلة الوثيقة بين ضمان هذا الحق وبين الديمقراطية كقيم ومبادئ وممارسة، إلا أن الصحافيين في المغرب ما زالوا يصطدمون بآلاف العقبات التي تحول دون حصولهم على ما يبحثون عنه، إما لأسباب قد يكشف عنها، وفي بعض الحالات لا يكلفون أنفسهم حتى عناء الرد عليها بالرفض، أمام الضبابية في الحصول على المعلومة، وانعدام مخاطب محدد، جاء دستور 2011 ليؤكد الحق الدستوري في الحصول عليها والذي يعتبر حقا من الحقوق والحريات في الفصل 27 منه، هذا الحق في المعلومة توج أخيرا بمشروع قانون موضوع في الأمانة العامة للحكومة ينص على حق كل مواطن ومواطنة، ولكل شخص معنوي خاضع للقانون المغربي في الحق في الحصول على المعلومات والوثائق التي بحوزة الهيآت المعنية مع مراعاة مقتضيات هذا القانون، وأنه يمكن دون الإضرار بالمصلحة العامة والمصالح الخاصة للأفراد، وإعادة استعمال المعلومات التي تم نشرها أو تسليمها من طرف الهيآت المعنية، وغيرها من المكتسبات التي يعتبر التراجع عنها مخالفة تستوجب العقاب، يجعلنا نساءل بشأن المعلومة المتاحة لوسائل الإعلام وحدودها خاصة ضمن هذا القانون الذي يضع ضوابط بشأن السر المهني أنه لن يكون لصاحبة الجلالة اسثتناء؟ وفي ختام الكلمة استرجع هناك مقولة مصطفى فارس الرئيس الأول لمحكمة النقض، حول علاقة القضاء بالإعلام من خلال أوجه التلاقي والاختلاف، خلال الندوة التي نظمتها الودادية الحسنية للقضاة بشراكة مع جمعية القضاة والنواب الهولنديين قبل سنتين أو أكثر ،قال «إن بلورة فكرة إعلام قضائي متخصص في بلادنا يعتبر اليوم حاجة ملحة وضرورة، حتى تكون الرسالة الإعلامية ضمن القواعد والضوابط القانونية، ولن يتأتى هذا إلا من خلال إحداث فروع قانونية متخصصة لدى المؤسسات الإعلامية، لتعزيز دور الثقافة القانونية الحقوقية داخلها، الشيء الذي يفترض على رجل الإعلام إعمال نوع من الرقابة الذاتية على نفسه، وعلى كتاباته، خاصة عند تناوله لبعض القضايا الحساسة التي تؤثر على تشكيل وجدان المواطنين، ودون التدخل في عمل القضاء أو التأثير عليه، مما يوجب على الإعلامي المعرفة الجيدة بالقانون من أجل استكمال أدواته المهنية حتى يكون في المستوى اللازم من الوعي للتعامل مع الرأي العام. وفي المقابل، على المحاكم أن تعين قاضيا مكلفا بالتواصل مع الإعلام، وشرح الإشكاليات المطروحة وتنوير الرأي العام، دون المساس بالسرية التي تقتضيها القضايا في بعض مراحلها، وعلى القاضي المكلف بالتواصل أن يكون كذلك على دراية بالمجال الإعلامي حتى يؤدي مهمته على الوجه الأكمل.