"لكنَّه هُوَ وحده الشخصُ الذي لم يَبْكِ في هذا المساء''.. مع الاعتذار الكبير للشاعر الفلسطيني محمود درويش على هذا الإسقاط السريع؛ فعبد الرحمان اليوسفي، يشبه درويش في قدرته الهائلة على جمع الجمهور، فكلاهما لم يحتاجا إلا إلى ثلاثين دقيقة لتصير جنبات مسرح محمد الخامس بقلب العاصمة الرباط مكتظة بالناس، دفعت المنظمين إلى فتح الطابق العلوي لاستقبال الحشود الغفيرة، في حدث استثنائي نادرا ما يحدث في المشهد السياسي المغربي. بالرغم من إحالته على التقاعد السياسي سنة 2003، بعدما أسهم في هندسة الانتقال الديمقراطي في مغرب التسعينيات؛ فما زال اسم عبد الرحمان اليوسفي حاضرا بقوة في النسق السياسي، إلى جانب عدد من الزعامات الوطنية الأخرى كعبد الرحيم بوعبيد وعبد الله إبراهيم والفقيه محمد البصري، فكلما تعلق الأمر بلقاء يحتفي بزعيم وطني إلا ووجدت من ورائه المئات من الحاضرين يأتون من كل فج عميق لرؤية "خطبة الزعيم". فما الذي يجذب المغاربة إلى الزعامات الوطنية؟ الباحث السوسيولوجي محمد الناجي قال، في تصريح لجريدة هسبريس، إن "المغاربة يستحضرون الزعماء الوطنيين نظرا للبؤس الثقافي والسياسي الذي يعرفه المغرب في المرحلة الراهنة، وللأداء الباهت للأحزاب سواء المشاركة في النسق الأغلبي أو المتموقعة في المعارضة"، مشيرا إلى أن "المغاربة يحنّون إلى زمن المعارضة لما كان الاتحاد الاشتراكي يصارع على السلطة". وأبرز الأنثروبولوجي صاحب كتاب "العبد والرعية"، في حديثه، أن "اليوسفي وبوعبيد وإبراهيم كانوا يمثلون في مراحل تاريخية رموزا للنزاهة والشفافية والاستقامة والتضحية في سبيل الوطن؛ فمن ثمّ، طبيعي أن يكون لهم هذا الحضور الرمزي في وجدان المغاربة"، قبل أن يتوقف عند تجربة اليوسفي في عملية الانتقال الديمقراطي حيث قال إن "اليوسفي ضمن انتقال السلطة من الملك الراحل الحسن الثاني إلى ولي العهد محمد السادس، وهذا جعله يحظى باحترام المغاربة". عتيق السعيد، الباحث والمحلل السياسي، قال، في تصريح لجريدة هسبريس، إن "الرموز التاريخية والزعامات الوطنية ما زالت تشكل محفزا على العمل السياسي؛ وهو الأمر الذي نرى تداعياته من خلال الإقبال الكبير على تتبع حياة المناضلين الذين راكموا سنوات طويلة في خدمة الوطن". واعتبر المحلل السياسي، في تصريحه، أن "الشباب المغربي مهتم بالحقل السياسي، سواء صوّت في الانتخابات أو لم يصوّت، كونه يتابع وينتقد؛ إلا أن المشكل يكمن في غياب الولوجيات الكفيلة بفتح نقاشات يعبر من خلالها الشاب المغربي على أن المشكل لا يكمن في السياسة، إنما في بعض رجالات السياسة الذين يتعاملون بمنطق النرجسية وغياب الحس الوطني، وهو ما تطرقت له العديد من خطب جلالة الملك الرامية للإصلاح وتمكين الشباب". في الوقت الحاضر، عكست تصرفات بعض الساسة نفور وعدم رضا الشباب عن مخرجات بعض الأحزاب السياسية، كما أن بروز بعض مناضلي العصر الحديث بخطابات شعبوية لا ترقى إلى طموحات هاته الفئة"، يقول السعيد. واستطردَ المحلل السياسي، في حديثه، بالقول إن "التحولات السياسية التي عرفها المغرب منذ التعديل الدستوري لسنة 2011 وما أفرزته من وعي بالحياة السياسية؛ غير أنها لم تفلح في بروز قادة حزبية ملهمة للشباب، وبالتالي بقي الحنين متجذرا في نفوس الشباب إلى أمجاد النضال السياسي". *صحافي متدرب