هي صورة معبرة عن كل شيء، تلك التي ظهر فيها الملك محمد السادس يقبل رأس عبد الرحمان اليوسفي، بمستشفى الشيخ خليفة بن زايد بالدار البيضاء. صورة طافت مواقع الأنترنيت وستطوف كل وسائط التواصل والإعلام، وستخلد لحظة زمنية من تاريخ المغرب. هي أول مرة يقبل فيها ملك رأس زعيم سياسي... دعونا من التخمين حول الإشارات وغيرها، مما تروج له صحافة التخمين، ونبقى عند البعد الإنساني للصورة واللحظة والموقف. هي صورة ستبقى للتاريخ. ستكون عنوانا لإنسانية ملك واستحقاق زعيم سياسي. إنها قبلة ينوب فيها ملك البلاد عن الشعب المغربي، ليضعها على جبين رجل يجمع الناس على الاعتراف بنزاهته وصدقه وحبه لوطنه ونضاليته الكبيرة. قد يجد عبد الرحمان اليوسفي من يختلف معه على الطريقة التي أدار بها حكومة التناوب، وعن قيادته لحزب الاتحاد الاشتراكي في مرحلة عصيبة، لكن لن تجد واحدا يشكك في ذمته ودماثة خلقه وصدقه وحبه لوطنه وتضحياته الجسام في سبيل هذا الوطن. عبد الرحمان اليوسفي، أطال الله في عمره، هو رمز القيادي والزعيم والمناضل الذي أنتجه هذا الوطن، والذي تستحقه هذه البلاد، وللأسف، بدأت تفتقد لأمثاله، وتنتج أشياء لا يستحق هذا البلد أن يبتلي بها. لقد بلغ عبد الرحمان اليوسفي ما بلغه باستحقاق نضالي وبأخلاق عالية... لهذا كان له الفضل الكبير في لعب دور أساسي في مرحلة مفصلية من تاريخ المغرب. لقد كان اليوسفي القنطرة التي عبر بها المغرب من ملك إلى ملك. وكان وزيرا أول دشن لمرحلة جديدة في المغرب. ثقل حجمه وحكمته، جعلته يتقاسم لحظة حاسمة في ذاك القسم على المصحف مع الراحل الحسن الثاني، ذاك القسم الذي لم يفصح للمغاربة عن فحواه، وهو الخبير في كتم الأسرار. عبد الرحمان اليوسفي الذي كان الراحل الحسن الثاني ينظر إليه بعين الإكبار، وقد عبر عن ذلك في لقاء مع والدة اليوسفي رحمها الله في لقاء بطنجة، قبل سنوات من حكومة التناوب، وطلب منها بأن تقنع ابنها السي عبد الرحمان، بالعودة إلى وطنه، وكان حينها في المنفى الاختياري بفرنسا... ونذكر رد الوالدة الشهير الذي يقترب من معنى وجود أناس في محيط الملك لا يرغبون في عودة اليوسفي إلى بلده، ولا يرغبون في أن يكون له دور سياسي... عبد الرحمان اليوسفي الذي قدمه الراحل الحسن الثاني للملك محمد السادس، وكان ولي العهد آنذاك، بكونه «زعيم الاشتراكيين والمعارضين المغاربة وأكبر مهرب للأسلحة في عهد الاستعمار». عبد الرحمان اليوسفي الذي يعتبر رمز الحركة الاتحادية، وما تبقى منها، بكاريزميته المستحقة بنضاله من أجل مغرب ديموقراطي حداثي، ومن أجل نظام حكم يصون كرامة المواطنين ويحترم حقوقهم. هذا هو الرجل الذي استحق قبلة من ملك. اليوسفي الذي كان أحد رجالات المقاومة، ورمزا لرجالات الكفاح ضد الاستعمار، ورمزا للحركات التحررية عبر العالم ومناضلا معارضا في مغرب ما يعرف بسنوات الرصاص، ومناضلا حقوقيا فاعلا في منظمات وطنية وعربية ودولية... عبد الرحمان اليوسفي رمز رجال يفتقدهم المغرب اليوم... لهذا استحق قبلة الملك، قبلة تزيد من عظمة صاحبها ويستحقها السي عبد الرحمان...