قيل الكثير والكثير جدا عن حكاية «قسم اليوسفي على المصحف». اشتغلت أطراف عدة على هذه «الحكاية» للنيل من عبد الرحمان اليوسفي، زعيم حزب الاتحاد الاشتراكي، الذي ما فتئ يقدم نفسه على أنه حزب «حداثي ديمقراطي» وصوت «الاشتراكيين الديمقراطيين» بالمغرب. قسم اليوسفي عرف نقاشا كبيرا على المستوى الإعلامي، إلى درجة اقتران تجربة التناوب بالقسم على المصحف، فلا يكاد يذكر اسم اليوسفي أو حكومة التناوب، حتى يقحم موضوع «حكاية القسم على المصحف». استقبل الراحل الملك الحسن الثاني يوم 4 فبراير من سنة 1998 عبد الرحمان اليوسفي بالقصر الملكي وكلفه بتشكيل الحكومة. أثناء المناقشة، وبينما كان رجلا الدولة ينظران بعيون الأمل إلى مستقبل المملكة، وفي الوقت الذي جدد فيه الملك دعمه لوزيره الأول ومساندته له، وفي غمرة توطيد جسور الثقة بينهما، خاطب ملك البلاد اليوسفي قائلا: «هذا كتاب الله بيننا»، وهو يشير إلى المصحف الشريف الموجود في طاولة جانبية، حيث كانا يجلسان. لم يقسم عبد الرحمان اليوسفي على أي شيء، كما أن إشارة الملك بيده للمصحف لا ترقى إلى «قسم»، يفترض فيه (حسب ما يتبادر للأذهان) أن الحسن الثاني واليوسفي أقسما على المصحف الشريف، بقدر ما هو «تعهد» أكثر منه قسم، فقد جرت العادة أن يقسم الوزراء أمام الملك، لكن مع عبد الرحمان اليوسفي كان العكس. لم يقسم اليوسفي، قط، على المصحف، ورفض رفضا قاطعا الرد على «مهاجميه» حول هذه «الحكاية بالذات». جذور حكاية «القسم على المصحف» ارتبطت بالتصريح الحكومي الثاني، الذي أشرف على إعداده أحمد الحليمي علمي، وزير الشؤون العامة في حكومة التناوب، وهو التصريح الذي أعاد اليوسفي قراءته قراءة أولية قبل تلاوته أمام مجلس النواب، مفضلا عدم حذف الفقرة التي أضافها أحمد الحليمي، والمتعلقة بالقسم على المصحف. وتقول آخر فقرة في التصريح الحكومي، الذي قدمه اليوسفي أمام مجلس النواب يوم 13 يناير 2000: «اسمحوا لي قبل اختتام خطابي هذا أن أستحضر أمامكم بكل تأثر العهد الذي أعطيته لجلالة المغفور له الحسن الثاني طيب الله ثراه، عندما أولاني ثقته السامية وقبلت تشكيل حكومة التناوب. لقد كان عهدا على كتاب الله تعالى، إذ إن المصحف الكريم كان موضوعا على الطاولة بجانب جلالته، وأشار رحمة الله عليه قائلا: «هذا المصحف بيننا»». في الفقرة قول صريح بأن اليوسفي لم يقسم على شيء، وكان الميثاق بين الملك ووزيره الأول «عهدا أخلاقيا» بالدرجة الأولى. جملة في فقرة، استغلتها كل الأطراف المعارضة لحكومة التناوب لمهاجمة اليوسفي وللتغطية والتشويش على ما تم سرده في التصريح الحكومي، سواء ما تعلق منه بالمنجز أو المبرمج، وبالأخص مستقبل تجربة «التناوب». من يعرفون اليوسفي جيدا يدركون أنه يحرر كلماته وخطبه بخط يده، وأنه صارم جدا في استعمال المفردات والكلمات. وفي شهادته لهيئة الإنصاف والمصالحة، في إطار جلسات الاستماع، أكد المستشار الملكي، عبد الهادي بوطالب (الذي لم يكن حاضرا أثناء اجتماع الملك باليوسفي) أن الملك الحسن الثاني واليوسفي لم يقسما قط على المصحف وقال موضحا: «لم يقسموا على شيء.. أما ما قيل عن أنهما أمسكا معا المصحف بيديهما وأقسما عليه، فغير صحيح». (شهادة نشرت في جريدة «الجريدة الأولى» عدد 11 الموافق ليوم 30 ماي 2008. حكاية أخرى توازي في تضخيمها ما جرى لليوسفي مع «القسم على المصحف»، ألا وهي حكاية تقديم الملك الحسن الثاني اليوسفي لأفراد «أسرته» على كونه «أكبر مهرب للأسلحة وتاجر سلاح». في صيف سنة 1992، وبعد تقديم المعارضة، ممثلة في الكتلة، مذكرة مطالب إصلاحات سياسية ودستورية (المعروفة بمذكرة يونيو 92)، تلقى عبد الرحمان اليوسفي من الملك الراحل الحسن الثاني دعوة لمقابلته على غرار باقي قيادات الكتلة. انتقل اليوسفي إلى القصر الملكي، وهذه أول مرة سيلتقي فيها اليوسفي مع الحسن الثاني وجها لوجه بعد 27 سنة، ويزور فيها القصر الملكي، حيث كان آخر لقاء بينهما يعود إلى سنة 1965. وهي كذلك المرة الأولى التي سيتقابل فيها ولي العهد مع اليوسفي بشكل مباشر. ولج اليوسفي مع قيادات الكتلة مدخل القصر الملكي بالرباط. فجأة تقدم نحوه أحد خدام القصر، وطلب منه التوجه (دون غيره) إلى مصعد القصر، «قال ليك سميت سيدي أجي انت من هنايا». ما أن فتحت أبواب المصعد، حتى وجد اليوسفي أمامه قيادات الكتلة الديمقراطية في صالة الانتظار وإلى جوارها وزير الداخلية إدريس البصري وولي العهد «سيدي محمد»، بينما كان الملك الحسن الثاني في مكتبه. فجأة توجه ولي العهد لليوسفي بسؤال: هل علاقتك مع والدي هي نفس العلاقة التي كانت تجمعه بعبد الرحيم بوعبيد؟ رد اليوسفي مجيبا ولي العهد: لم تكن لي مع جلالة الملك نفس العلاقة التي كانت تربطه بعبد الرحيم بوعبيد. وبعد الالتفاتة الخاصة التي حظي بها اليوسفي من طرف الحسن الثاني، سيخص الملك قائد حزب الاتحاد الاشتراكي بالتفاتة ثانية، بعدما طلب منه مقابلته في مكتبه الخاص، (لقاء مجاملة) دام أكثر من نصف ساعة، وهو اللقاء الذي لم يتطرق فيه الحسن الثاني إلى أي موضوع من مواضيع السياسية أو الاقتصاد، بقدر ما خصصه الملك الراحل للسؤال عن أحوال اليوسفي الصحية ومقامه في فرنسا. بعد نهاية اللقاء، التحق الملك الراحل، مرفوقا باليوسفي، بمكان الاجتماع، وهي المناسبة التي استغلها الحسن الثاني ليقدم فيها لابنيه الأميرين سيدي محمد ومولاي رشيد عبد الرحمان اليوسفي (وليس لكافة أفراد أسرته)، بعدما طلب منهما السلام على «عمكم» اليوسفي. بهذه الصفة (عمكم)، قدم الحسن الثاني اليوسفي لابنيه. وبينما كان الملك الراحل يحاول تقديم «سي عبد الرحمان» للأميرين، ورسم بورتريه تعارف مقتضب، خاطبهما: «هذا هو عبد الرحمان اليوسفي زعيم الاشتراكيين والمعارضين المغاربة وأكبر مهرب للأسلحة في عهد الاستعمار». بعد ذلك، افتتح الملك اجتماعه مع قيادات الكتلة وبدأ الجميع في مناقشة مطالب الكتلة المرفوعة إلى القصر الملكي في يونيو من سنة 1992.