الوثيقة التي تتداولها الاتحاديون بعيد خروج اليوسفي من الحكومة عين على الأرشيف توصلت الأسبوع بنسخة من هذه الوثيقة التي وصلت أيضا على أيدي عدد من الاتحاديين الغاضبين، وأكد لنا مصدر اتحادي من الدارالبيضاء أن هذه الوثيقة، هي الممهد الأساسي للتحضير للمؤتمر الذي يتم التحضير لعقده، والذي يستهدف إعادة الروح إلى الاتحاد الاشتراكي، عبر تحديد قياداته انطلاقا من شبه نقد ذاتي وارد في هذه الوثيقة،وتحليل لأخطاء الكاتب الأول عبد الرحمان اليوسفي، الذي أوصل الحزب إلى الوضعية التي يوجد عليها الآن. الوثيقة إذن.. بدون إمضاء وقد حررها عدد من الاتحاديين الغاضبين ولكن لا يمكن أن تكون من تحرير غير اتحادي،لأنها مكتوبة بصيغة إجماع نخبة من اللذين يحضرون للإعلان عن أسمائهم. لقد صرح عبد الرحمان اليوسفي خلال أحد اجتماعات اللجنة المركزية لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية أنه أقسم على المصحف الكريم أمام الملك الحسن الثاني رحمه الله...على تنفيذ اتفاق نجهل مضامينه ومحتوياته . ولم يتردد في تأكيد ذلك مرة أخرى للرأي العام الوطني والدولي من منبر البرلمان. ولسنا في حاجة إلى قول بأن عبد الرحمان اليوسفي يدرك معاني التصريح ومقاصده كما يعرف أهمية التوقيت ومدلول المنابر التي اختارها للكشف عن وجود هذا الاتفاق. وهذا التصريح جاء في صيغة إخبارية ضمن خطاب موجه بشكل مدسوس مسبقا. لكن الأمر لم يستأثر باهتمام القواعد الاتحادية التي يعنيها الموضوع. ولم تعط الصحافة من جانبها الأهمية المطلوبة التي تناسب حجم الحدث وآثاره المباشرة وغير المباشرة على العمل السياسي في بلادنا. قد يقول البعض إن هذا الموضوع أصبح متجاوزا اليوم ولن يفيدنا في ذلك الإطلاع على مضمون الاتفاق. وبالتالي فلا جدوى من الرجوع إلى الماضي والنبش في خباياه خصوصا وأن تجربة التناوب التوافقي انتهت بالفشل الذي أقرت به حتى الأطراف التي شاركت في حكومة التناوب. إننا نخالف هذا الرأي الذي يريد دائما أن يجعلنا نفقد جزءا من ذاكرتنا ونكتفي بالاهتمام فقط بما هو ساري ومؤقت .لا،إن العمل السياسي الموضوعي المبني على القناعات الحقيقية والمحاسبة الفعلية وليس المراوغة والتبرير باسم النقد الذاتي... لهذه الأسباب، لقد حان الوقت أن نتكلم بصراحة في موضوع القسم الذي أخذه عبد الرحمان اليوسفي على نفسه على المصحف أمام المرحوم الحسن الثاني. فهذا حق كل مواطن مغربي على العموم يمارسه في أي وقت يريد ولا يسقط هذا الحق تحت طائلة التقادم، وهو حق كل مناضل اتحادي يمكن له ممارسته إما داخل الأجهزة (وهذا هو المعقول) أو خارجها (وهذا هو الممكن في غياب الديمقراطية الداخلية والاستفراد بالقرارات الحزبية والرسمية) . بل أكثر من ذلك، لا يمكن أن تفرض القيادة قواعد الانضباط و تطالب المناضلين بالامتثال لها في حين تعمل هي بدورها باسم الفويض على خرقها. فمن فوض لعبد الرحمان اليوسفي أن يبرم اتفاقا مع الملك وأن الملك وأن يقسم على المصحف الكريم دون أن يطلع المناضلون والمناصرون والمساندون الذين يتوجه إليهم الحزب لكسب دعمهم المادي والسياسي قبل الانتخابات؟ في هذه النازلة التي ليست بالبسيطة ولا التافهة والتي قد يبدو للبعض كذلك، وجود الحق في المطالبة بالكشف عن مضمون الاتفاق قد لا يضمن الوصول إلى معرفة ما التزم به عبد الرحمان مع الملك الراحل الحسن الثاني. ومن هنا تبدأ المشكلة المحيرة لفك لغز القسم الذي أداه وعمل على تنفيذه اليوسفي. طيف يمكن إذن، التعامل مع هذه المشكلة للكشف عن خباياها والوصول إلى حقيقة الأمور؟ إن الوصول إلى الحقيقة في هذا الأمر يستلزم إتباع طريقين : طريق التصريح عن محتويات الاتفاق من طرف أصحاب الاتفاق، والطريق الثاني إذا تعذر علينا إتباع الأول، هو اللجوء إلى دراسة الحصيلة السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تحققت على ضوء هذا الاتفاق اللغز. ومن نافلة القول إن الطريق الأول لم يعد سالكا ولا موصلا إلى الحقيقة وذلك للأسباب التالية: 1 إن وفاة الملك الحسن الثاني جعلت من عملية التصريح عملية باتت غير جدية ولن تفيد في استقصاء الحقيقة المطلوبة.فمع غياب الملك غابت مسألتان أساسيتان. الأولى هي أن الحقيقة ضاعت نهائيا ولم نعد نتوفر على عنصر مراقبة صحة التصريح والجهر بالحقيقة للمواطنين. لأن الاتفاق في الأصل ثنائي، فإذا غاب طرف واحد تضيع معه الحقيقة نهائيا. والثانية وهي نتيجة حتمية للمسألة الأولى وهي أن الطرف الثاني الذي لازال على قيد الحياة يمكن له أن يختلق ما شاء من سيناريوهات وأن يركب ما شاء من مضامين خيالية للاتفاق المذكور. 2 لأسباب سياسية وذاتية وكذلك نفسية لا نعتقد أن عبد الرحمان اليوسفي سيبادر في ظل الظروف السياسية والتنظيمية الحالية للكشف عن الحقيقة، ستبقى مرهونة بمدى إثبات أحقيتها أو نفيها من الطرف الثاني في الاتفاق والذي يوجد في دار البقاء. إذا كان على ما سلف ذكره معتذرا سلوك الطريق الأول، يبقى أمامنا طريق الأول يبقى أمامنا كريق لا بديل له وهو طريق إعمال العقل والمنطق وتحليل الحصيلة السياسية والاقتصادية والاجتماعية لاستنتاج ما يمكن استنتاجه بخصوص الاتفاق. قد يقول البعض أن هذه المنهجية ليست مجدية للكشف عن مضمون الاتفاق، نقول لا، بالعكس فهي الطريق الوحيد المنطقي والسالك والذي سيوصلنا إلى الحقيقة المغيبة. فعلى ماذا يكون قد التزم وأقسم عبد الرحمان اليوسفي أمام الملك الحسن الثاني فالموضوع الأساس الذي يكون قد تناوله المتحاوران هو الاقتصاد والسياسة والسلطة وضمان استقرار ال ع رش وانتقاله بعد موته إلى ابنه محمد السادس، كل ذلك في أفق إشراك المعارضة السابقة في الحكومة (بالطبع ليس في الحكم). فإذا تعذر علينا معرفة الاتفاق في المرحلة الأولى مرحلة التعاقد يمكن تركيب بنوده انطلاقا من نتائج هذا التعاقد نفسه. إذن فلنبدأ بمعاينة حصيلة عبد الرحمان اليوسفي على مختلف المستويات: على المستوى الحزبي لقد عاش الاتحاد تصدعات على مستوى كل الهياكل التنظيمية التي تفكتت وتقوقعت وأصبحت هياكل شكلية موضوعة تحت طلب القيادة الحزبية لخوض المعارك الانتخابية يدون أفق سياسي فمباشرة بعد الانتخابات بدأت بشكل سريع الحركة الحزبية ويبدأ التطاحن بين المناضلين الأمر الذي غذى التقاطبات ونشط العصبية الإقليمية في الخريطة الحزبية . فماذا كان دور عبد الرحمان كمسؤول أول للاتحاد أقسم على قبر عبد الرحيم بوعبيد أنه على عهده لمحافظ وعلى درب نضاله لسائر.. كان من المفروض على عبد الرحمان عملا بالقسم السالف الذكر أن يلعب أولا دور الموحد وأن يأخذ العصا من الوسط لتدبير التوازن الحزبي الذي احتل نهائيا قبيل وبعد انتهاء أشغال المؤتمر السادس. لكنه مع الأسف الشديد كان طرفا أساسيا فيما حصل ولم يتحمل مسؤوليته تجاه حزبه. وهنا تتبادر إلى الذهن أسئلة مقلقة مثل لماذا ترك عبد الرحمان الأمور تمشي في اتجاه الأسوأ؟ لقد انشطر الحزب وأفرغ من كل قواه الحية، بحيث طردت الشبيبة الاتحادية، وعزل مناضلون كان لهم رأي مخالف لرأي القيادة، واستدرج النقابيون والمتعاطفون معهم إلى موقف الانسحاب من المؤتمر. فماذا كان يستدعي هذا الأمر الخطير من طرف القيادة السياسية عموما وعبد الرحمان خصوصا ليبقى وفيا لروح القسم الذي أخذه على نفسه أثناء تأبين عبد الرحيم بوعبيد؟ الجواب نستشفه من تجارب القيادات السياسية التي تتوفر على حس بالمسؤولية التي تتنحى عن قيادة الحركة كلما تعذر عليها حل مشاكلها التنظيمية والسياسية، وبالأحرى أن تكون في وضع يؤدي إلى تفكك حركتها وانشطارها كما جرى للاتحاد الاشتراكي. فبماذا يمكن إذن تفسير تشبث القيادة وعلى رأسها عبد الرحمان بالبقاء في موقع المسؤولية؟ ما هي المبررات التي تفسر هذا الموقف؟ والكل يعلم أن التمادي في موقف متشدد من هذا النوع لن يحل قطعا مشاكل الاتحاد لكن بالعكس سيؤجج التناقضات ويدفعها إلى الانفجار. على المستوى السياسي لقد دفع عبد الرحمان بمواقف الحزب إلى درجة من التفسخ السياسي لم يكن ممكنا تصورها من قبل، فمن معارض للسياسة العامة للنظام حول عبد الرحمان حزبه إلى حزب قابل لكل المواقف، كتزوير الانتخابات والتوقيع مع الأحزاب المدعوة بالإدارية وغير ذلك... فليس المهم هنا حصر كل المواقف. والجدير بالإشارة هنا هو أن الهوة بين الخطاب الذي يمارسه الكاتب الأول للاتحاد وبين ممارسته الفعلية للعمل السياسي اتسعت بشكل ملفت للنظر. وهذا كذلك أمر غير مفهوم في المجال السياسي . فلم نعد اليوم في المغرب نحتاج إلى المراوغة والدوران للتعبير عن المواقف الحقيقية، إلا إذا كانت هناك أشياء مسكوت عنها. على المستوى الاجتماعي تعثرت المفاوضات مع النقابات وتمت تصريحات توحي بأن حكومة التناوب استجابت لمطالب فئات اجتماعية متنوعة. لكم فوجئ الكل بضعف مردود المفاوضات على المستوى المادي. على المستوى الاقتصادي، يمكن القول بأن حكومة التناوب التي كان يقودها اشتراكي وشاركت فيها أحزاب مختلفة الاتجاهات إلى حد التعارض لم يكن لها أي لون يذكر. بحيث كانت تدبر إن صح التعبير الشأن السياسي بعيدة كل البعد عن التوجهات الاشتراكية وحتى عن الممارسة الرأسمالية. لقد كان الأمل معقودا على حكومة التناوب بأن تخلق الشروط الملائمة لانطلاقة اقتصادية مستمرة قادرة على خلق الثورة وتشغيل الراغبين في الشغل وتشجيع الاستثمار . لكن خاب أمل الشعب فيها وتجرع الرأسمال مرارة الروتين الإداري وقاسي من ضراوة الرشوة التي أصبحت وسيلة من وسائل الحصول على امتياز يضمن حقا أو يرفع حيفا في ظل غياب نزاهة العدالة. فما هي الحصيلة الاقتصادية لحكومة التناوب التي أجمع الكل على أنها لم تقدم شيئا يذكر في مجال خلق الثروة ومحاربة البطالة وفتح آفاق الاستثمار والتشغيل. فإذا وضعنا أمام أعيننا كل عناصر الحصيلة، وأضفنا إليها الحالة التي أصبح يعيشها الاتحاد الاشتراكي والمسألتان مترابطتان ، يجوز لنا القول بأن القسم الذي أداه عبد الرحمان بين يدي الملك الحسن الثاني ولم يفصح على فحواه لحد الآن أحد ولن يصدق أحد ما سيقوله عبد الرحمان بخصوص مضمونه قسم مهام. المهام انطلقت ولازالت متواصلة ولن تقف لأن المسألة مرتبطة بخيارات إستراتيجية خططها النظام منذ عقود، تعذر عليه تحقيقها بسبب وجود مقاومة لذلك. فحدثت مواجهات عنيفة بين النظام والمعارضين له على امتداد عقود. لقد حقق النظام انتصارا سياسيا بالغ الأهمية لأنه توصل إلى احتواء بعض المعارضين له الذين كانوا يعتقدون أن مشاكل المغرب لن تعرف طريقها إلى الحد إلا بزوال النظام، فكان على رأس هؤلاء عبد الرحمان اليوسفي الذي حمل السلاح فعلا ضد المستعمر، وناضل ضد النظام، وهاجر مضطرا إلى الخارج قبل ن يعود إلى المغرب ليتحمل مسؤولية الحزب والحكومة بعد ذلك، فكيف يمكن لمناضل شب على مناهضة النظام منذ سنتين ورفع شعار الثورة وناضل بجانب الشهيد المهدي بن بركة والشهيد عمر بن جلون وغيرهم من المناضلين الشرفاء أن يتغير؟ كيف حصل فعلا ذلك. فلا يكفي أن نقول إن المؤتمر الاستثنائي قد حسم الموضوع نهائيا. لقد استمر الاتحاد بعد هذا المؤتمر يشكل حزبا يناضل فعلا من أجل التغييرالحقيقي الذي من أجله دفع المناضلون الشرفاء ثمنا لا يعوض لكنهم لم يكونوا يعتقدون أنه سيأتي يوم يصبح فيه القط يداعب الفأر. لقد ظلت القواعد الاتحادية بعيدة عن اتخاذ القرارات الحاسمة في حزبهم وانتزعت منهم المواقف بالتهديد بالاستقبالات من المهام ومررت مقررات باسم التفويض. إنها المشكلة الحقيقة في الاتحاد وفي غيره من الأحزاب السياسية في بلادنا. فحينما يكون فعل شيء غامضا ملتبسا بصبح من حق كل من يهمه الأمر بل من واجبه أن يشك ويحلل ويدرس ويخمن الوقائع ليصل إلى الحقيقة المهربة. تلك الحقيقة التي.. لا تكون في مصلحة الشعب. تبقى إذن حقيقة الواقع الملموس وحقيقة الممارسات وحقيقة السلوكيات هي الناطقة بالجهر أمام سكون من تبوؤوا المسؤولية السياسية.