يتحدث محمد بوبكري في حواره مع "كود" عن لقاء حزبه الاتحاد الاشتراكي باللجنة المكلفة بالدستور، كما يتحدث عن التزامات بعض قادة حزبه السرية مع السلطة ويقر في الحوار نفسه بارتكابه لأخطاء ويدعو إلى جمع العائلة الاتحادية. كيف تلقيتم تصور اللجنة الحزبية حول الدستور؟ عرض المكتب السياسي مشروعه، أي تصوره، للدستور المقبل وكان هناك نقاش مستفيض حول هذه الورقة المقدمة لنا شفويا ولم تسلم لنا كتابة حتى نتمكن من التأمل فيها، وهذا التعامل الشفوي غير سليم. إذن الوثيقة لم تكن مكتوبة وتليت علينا فقط وناقشناها عن طريق السماع، مع انه عندما يتعلق الأمر بتنظيم السلطة وبوثيقة مصيرية للشعب المغربي تهم حاضره ومستقبله، يكون حريا بالمكتب السياسي أن يمدنا بهذه الوثيقة مكتوبة قبل الاجتماع حتى نتمكن من الاطلاع عليها وتقديم الملاحظات بشأنها، وكل المبررات التي قدمها المكتب السياسي غير مقبولة. يظهر لي أن المكتب السياسي يرفض تسليمنا الوثيقة بشكل مسبق. كيف كان النقاش العام بخصوص الوثيقة في اجتماع المجلس الوطني الأخير؟ أغلبية أعضاء المجلس الوطني كانوا ضد هذه الوثيقة، وأرى أنها لا تعكس روح مضامين البيان العام للحزب الذي أقره المؤتمر الوطني الأخير كما أن الإخوان الذين وضعوها لم يستغلوا الإمكانات التي يتيحها الخطاب الملكي الأخير لأن هذا الخطاب تضمن توجهات ايجابية وعامة ومفتوحة، ويتبين لنا من المشروع الذي قدم انه مشروع خجول لا يتميز بالجرأة وبالتالي فهو مشروع يساير النص المعمول به حاليا، ولي ملاحظة أخرى حول مسطرة إصلاح الدستور، والتي اعتبرها مسطرة غير واضحة أولا نحن أمام لجنتين ، واحدة تتضمن الأحزاب وغيرها والأخرى للتتبع، الملاحظة الثانية حول المدة، أي ثمانية أيام فقط، ولا افهم كيف يطلب من الأحزاب التقدم بتصورات بشان الدستور في ظرف أسبوع.
لكن هناك أحزاب سبق لها ان تقدمت بمطالب إصلاحات قبل هذا التاريخ، ومنها حزب الاتحاد الاشتراكي ؟ صحيح، لكن الوضع اليوم تغير، و يفرض علينا أن نناقش مع القواعد الحزبية ومع الفاعلين في المجتمع وفي نهاية المطاف نتقدم بتصور متكامل، أما أن توضع وثيقة هكذا في ظرف أسبوع، فاني اعتبر الأمر فيه نوع من السرعة التي لا تخدم الوثيقة . اقول أن علينا الدفاع على إشراك الجميع في وضع تصور للدستور عبر حوار وطني ويحس الجميع أن الدستور دستوره، وبالتالي يؤدي الدستور مفعوله، لأني اعتبر أن دمقرطة تعديل الدستور لا يمكن اختزالها في استدعاء كافة الأحزاب، ونحن نعرف أن جلها ليس له امتداد في الشارع، كما أن الدمقرطة لا تتجلى في التصويت ، بل يجب علينا فتح نقاش عام وحوار وطني مع كافة مكونات الشعب المغربي وتحسيس الجميع أن الوثيقة الدستورية هي وثيقة الجميع شكلا ومضمونا وليس فقط أمرا نخبويا، ولحد الساعة فالمنهجية المعتمدة منهجية غير واضحة وأخاف ألا يحس المغاربة أن هذه الوثيقة ليست هي وثيقتهم ويحجمو عن التصويت، وأنا لا أريد للناس ألا يشاركوا، ولهذا أشير لهذه المسالة. أقول بكل صراحة أن الخطاب الملكي مفتوح ويمنح إمكانية، غير أن المسطرة المعتمدة تضيق على الخطاب الملكي وتتعارض معه لهذا يجب اعتماد مسطرة تنسجم مع الخطاب الملكي وتكون منفتحة أكثر، واذا كانت المسطرة تتناقض مع الخطاب فقد تقضي على مفعوله. باختصار الإصلاح الدستوري في الوقت الراهن يجب أن يكون عمل شعب برمته وليس نخبة، وان لجنة الصياغة ستصوغ فقط ما تم التوافق عليه.
ماهي مِؤخداتك على تصور المكتب السياسي ؟ قلت أن الوثيقة التي تقدم بها المكتب السياسي، شفويا وأكرر شفويا، لا ترقى إلى روح المؤتمر الوطني الثامن، وقلت كذلك أن الخطاب الملكي يمنح إمكانيات، لكن هذه الوثيقة لم تستغل هذه الإمكانيات إلى ابعد حد. اخبرك أن المجلس الوطني لم يصادق على ما تقدم به المكتب السياسي، وقال الكاتب الأول أن المقترحات ستدخل حرفيا أو تؤخد بعين الاعتبار، ولكن نحن لم نصادق على هذه الوثيقة، وإذا قدموه فهو لا يلزمني في شيء، لأنه غير مقبول أن تقدم أمور باسمي وأنا لم أصادق عليها. نحن طالبنا في مؤتمرنا الوطني الثامن بملكية برلمانية، وفي ديباجة هذه الوثيقة ليست هناك ملكية برلمانية، ثم في مستوى ترجمة اختيار الملكية البرلمانية غير موجود كما اعرفه و افهمه في حدوده الدنيا، وثيقة الحزب لازالت تتضمن الملكية التنفيذية، وعلى الأقل كان حريا آن تتضمن وثيقة الحزب مجموعة من الأفكار التي تضعنا على سكة الملكية البرلمانية. وللتوضيح فقط فالإخوان في المكتب السياسي لم يقدموا لنا في اجتماع المجلس الوطني الأخير صياغة دستورية بقدر ما قدمو لنا تصورا عاما. كان بودي أن يتقدم الحزب بإصلاحات واضحة وجريئةوقوية، لان المطالبة بإصلاح الدستور هي أيضا مطالبة بالاستقرار، أي الحق في استقرار بلدنا ومجتمعنا، والحق في هدا الاستقرار لا يمكن أن يترجم الا عبر الإصلاح، اذن حتى عندما نطالب بملكية برلمانية فنحن لا ندعو إلى اللاستقرار او نزعة رفضوية، بل غايتنا هي الاستقرار.
سبق للحزب ان تقدم للديوان الملكي بمذكرة مطالب دستورية، هل المذكرة الحالية اقوى أم اضعف من السابقة؟ المذكرة التي تقدم بها الحزب سابقا وقع نقاش كبير حولها في المكتب السياسي، وقيل انذاك ان تبقى بعيدة عن القيل والقال، وقدمت واغلب اعضاء المكتب الساسي لا يعرفون الى اليوم ما صيغ فيها، وقيل ان تبقى في طي الكتمان، وهذه المسطرة غير ديمقراطية، لانه لا يمكن ان تقترح كيفية تنظيم السلطة في المجتمع دون مناقشة ذلك مع اعضاء وقواعد الحزب، وبدون نقاش مع المجتمع. وهذا هو مأخدي الكبيرعلى القيادة، اي اقتراح امور دون الرجوع الى القواعد و الفئات التي يمثلها الحزب، ومهما كان مضمونها فان الحوار والاستماع للجميع امر ضروري وجوهري. وساذهب معك بعيدا، لاقول بان النص الذي اعدته اللجنة الحزبية والمقدم الى المكتب السياسي وصادق عليه المكتب السياسي، وقدم الى لجنة الدستور هو نص غير مكتمل، ولا يخرجنا من دائرة الملكية التنفيذية، وهو نص لا يسمح لنا بالدخول في مرحلة الملكية البرلمانية، انا اقول الدخول وليس الاكتمال. لا بد من اجراءات مصاحبة على مستوى محاربة الفساد والمفسدين فالكثير من القطاعات الحكومية ينخرها الفساد، واصلاح الاعلام، فكيف يعقل ان نقبل تعاطي وسائل الاعلم الرسمية مع تقزيم حجم المشاركة في مسيرة 20 فبراير، هذا تبخيس للعمل السياسي والحزبي، لا بد من اجراءت اجتماعية استعجالية على اكثر من صعيد لنعيد للشعب الثقة، لأننا اليوم نعيش أزمة ثقة حقيقية.
ترددون كثيرا شعارات عامة فضفاضة من قيبل محاربة الفساد، اصلاح الاعلام و تنقية الاجواء هل تقترحون إجراءت دقيقة؟ مثلا اطلاق سراح المعتقلين السياسيين، تقديم كل الفاسدين الى المحاكمة، وهناك ملفات كبيرة جدا، ومن ثيبت في حقه الفساد عليه مغادرة المسؤولية، ووضع حد للريع وهيمنة السلطة على الاعلام والاقتصاد وهيمنتها على الحقل السياسي، ومهما كان النص الدستوري، فهو في نهاية المطاف مجرد نص، ولكن بدون ارادة سياسية وقيم وعزيمة حيقيقة فلن يطبق أي شيء، لان الديمقراطية نمط حضاري، عليه اعود وأقول لا بد من اجراءت مصاحبة لاسترجاع الثقة و ان يحس المواطن ان هناك جو جديد، حتى نمهد للناس المشاركة في الاصلاح ، ولحد الساعة لم ار مقترحا جادا .
كيف هو الوضع التنظيمي داخل الاتحاد الاشتراكي اليوم ؟ لا أخفيك أننا نعيش معضلة كبيرة اسمها الديمقراطية الداخلية، فعندما تعلن و تطالب بتحول مؤسسات ونمط تدبير الدولة، يجب أيضا وبالموازاة أن تواكب المؤسسات الحزبية هذا التحول، فلا يعقل أن تدار المؤسسات الحزبية بنفس الطريقة، فعندما نطرح الإصلاح فإننا نطرحه داخل المجتمع وداخل الأحزاب، فالإصلاح الشمولي يهم الدولة والنخب والأحزاب، فالنخب يجب أن تتغير لبناء مؤسسات جديدة بعقليات أخرى. فاللذين خرجو مع شباب 20 فبراير لم يستشيروا قيادات حزبهم، واتحدث هنا عن المتحزبين منهم، لأنه بكل بساطة العالم تغير وطرق التواصل والتعبئة بدورها تغيرت، وخرجوا لانهم يحسون بانهم يتقاسمون هذه المطالب، وخرجوا ايضا لانهم مختنقون في احزابهم، والذين خرجو وهم دون انتماءات حزبية وهم الاكثرية، خرجوا وتحركوا وبادروا لانهم يرفضون العمل في مؤسسات حزبية متكلسة ومتحجرة. والاتحاد الاشتراكي موجود في متخيل الشعب المغربي، بمعنى انه موجود في كافة مؤسسات المجتمع، لكن المشكلة في الاتحاد هي مشكلة القيادة، وأقولها بكل صراحة، القيادة لا تساير التحولات التي تجري، وعدم اتخاذها للقرارات الجريئة والشجاعة، ومواكبة ما يحدث من حولنا وعدم استجابتها لما يحدث داخل المجتمع وداخل الحزب. القيادة الحالية خارج الشرعية السياسية لأنها لم تتخذ إي قرار، المشكل ليس في الاتحاد الاشتراكي بل في قيادته التي باتت تشكل عائقا في تطور الاتحاد، والمكتب السياسي لا يتخذ القرارات وهو يجتمع فقط لكي لا يتخذ أي قرار، والمكتب السياسي غير مرتبط بالمجتمع.
لكنك عضو مسؤول بالمكتب السياسي؟ صحيح انا عضو بالمكتب السياسي، لكني لست متفقا على طريقة تدبيره ولا قراراته، وكذا الجمود الذي يعرفه الحزب، وبالتالي فانا اعبر عن رفضي لهدا الوضع داخل الحزب وخارجه. وتأكد إن التنظيم الاتحادي موجود وسليم وقوي، إلا أن قيادة الحزب جمدت كل الطاقات، وهنا استحضر الذكرى الأربعين لوفاة المرحوم الجابري، وكيف كان الحضور الاتحادي ملفتا، يتقدمهم المثقفون. وأغلبية أعضاء المجلس الوطني ضد بقاء الحزب في حكومة وهمية شكلية لا تمارس شيئا، وتقدمنا بملتمس في الموضوع، كما طالبنا بهيكلة المجلس الوطني ليمارس سلطاته الحقيقة، أي فصل السلط داخل الحزب، لكن القيادة في كل مرة تجمد كل شيء، وثبت أن وجودنا في الحكومة لا يسمح بان يكون قرارنا الحزبي مستقلا.
قلت انكم اغلبية داخل المجلس الوطني، فلماذا لم تتخدوا قرارا واحد منذ المؤتمر الى اليوم؟ لم نفعل ذلك، لان المكتب السياسي انسحب من الاجتماع، فحينما يتعلق الأمر بمثل هذه القرارات، لا يطرحها المكتب السياسي للتصويت، بل يرفع الجلسة وينسحب. وهذا طبعا سلوك غير ديمقراطي، طبعا بإمكاننا اتخاد قرارات في غياب المكتب السياسي، غير أن هذا يعني تفجير الحزب ، وهذا ما لا نرغب فيه، وفي جميع الحالات فالمؤتمر الوطني سينعقد في غضون 2011، رغم إني ادرك ان القيادة الحالية ترفض وتناور كي لا ينعقد المؤتمر في هده السنة، وفي حالة عدم انعقاده في بحر هذه السنة انذاك سنكون خارج الشرعية، السياسية والقانونية.
وبما تفسر عدم تجاوب القيادة الحزبية مع أعضاء المجلس الوطني ؟ لان القيادة الحزبية لها التزامات سرية مع السلطة، وهذا ما اعتقد، لان مكتبا سياسيا يرى أمامه قواعد الحزب وبالأغلبية تدافع عن توجه، ثم يقرر المكتب السياسي الهروب، في مثل هذه الحالة لا يمكن للمرء أن يفترض إن كون قيادة الحزب لها التزامات سرية.
طرحت قبل قليل الذكرى الاربعينية، للراحل عابد الجابري، وقلت انها دليل على عافية الاتحاد الاشتراكي، لكن الا ترى ان الذين حضورا وتقاطروا الى مسرح محمد الخامس، جزء كبير منهم جاء احتراما طبعا لعابد الجابري وكذا عبد الرحمان اليوسفي الذي أخد على عاتقه الاشراف على الذكرى الاربعين؟ نعم كان الحضور وازنا كما ونوعا، والذين حضروا فعلوا ذلك احتراما للاتحاد الاشتراكي وعابد الجابري، ولا انفي سي عبد الرحمان اليوسفي ( الله يطول عمرو)، وهو المناضل الشريف والنظيف الذي يرى فيه الاتحاديون أيام العز وأمجاد الاتحاد. طبعا لقد صفق الحاضرون بقوة لعبد الرحمان اليوسفي ولم يصفقوا للقيادة الحالية وهذا تعبير واضح وجواب كافي لما وصلت اليه القيادة الحالية. هذه القيادة أساءت الى الاتحاد الاشتراكي.
لما قدم اليوسفي استقالته من قيادة الحزب واعتزاله للسياسة ، كنت عضوا في المكتب السياسي ولا زلت، وعرف عنك قربك الشديد لادريس لشكر ومحمد اليازغي، ومنذ تلك الفترة الى اليوم عرف الاتحاد الكثير من التراجعات التي تنتفذها اليوم، اليس صوتك نشازا داخل الاتحاد؟ انا لست نشازا، انا مؤمن بان الحزب هو ملك للشعب المغربي وليس لاشخاص، وانا مؤمن بافكاري وسادافع عنها، وطبعا ادر ك ان الامر يحتاج الى وقت. واقول لك بكل صراحة في سنة 1978 كنا نقول أن الدولة طرف في الصراع، واليوم يجب ان نقول ان الدولة اصبحت طرفا داخل الاحزاب، بعدما استولت على أغلبية الاحزاب وجزء من قياداتها، وبالتالي فالامر اصبح جد معقد. وبما اني متفائل بطبعي، فاني ادعو الى توحيد العائلة الاتحادية اولا، واصبحت ضرورة ملحة، لاني اعترف اليوم بكل موضوعية اني اخطأت، ومن انسحب اخطأ ومن دفعهم للانسحاب اخطأ، لسنا في لحظة محاسبة ولكن اللحظة تتطلب ان نقول اننا جميعا مخطئون، لان من غادر الاتحاد لم يحقق شيئا كبيرا، والحزب ضاع في أطره ونخبه ومناضليه، الاتحاد الاشتراكي ضاع في ابناءه، وعلينا العمل لاسترجاع ما ضاع منا اولا، والاتحاد ليس في مجموعة او اشخاص، وصدقني ان قلت لك كان المغرب في حاجة ماسة الى حزب من حجم الاتحاد الاشتراكي.