بعد مرور أسابيع عن الزيارة، التي قام بها رئيس الحكومة سعد الدين العثماني إلى مدينة وجدة، رفقة وفد وزراي، عادت الاحتجاجات من جديد إلى مدينة جرادة، التي شهدت اندلاع احتجاجات مستمرة منذ وفاة عاملين نهاية العام الماضي في بئر غير قانونية لاستخراج الفحم. وحسب إفادات عدد من الحقوقيين بالمدينة الواقعة شرق البلاد، فقد قرر السكان العودة إلى الاحتجاج بعد رفضهم المقترحات التي قدمها العثماني، حيث رفعوا شعارات تنتقد الحكومة وتعتبر مقترحاتها غير كافية. وكانت الحكومة قد أعلنت عن عدد من القرارات، منها تخفيض كلفة الإنارة بالنسبة إلى الأسر المعوزة، وإلغاء غرامات التأخير، وجدولة التأخير في الأداء، إضافة إلى مساعدة مرضى "السيليكوز"، الذين أصيبوا به جراء العمل سنوات بشركة "مفاحم المغرب" قبل إغلاقها نهاية التسعينيات. كما أعلنت الحكومة عن تعبئة 2،5 ملايين درهم لفائدة صندوق التقاعد والتأمين من أجل تيسير ملفات المرضى المتقاعدين من شركة "مفاحم المغرب"، إضافة إلى عملية تفويت المساكن لفائدة المستغلين من العمال. كما تم سحب 7 رخص استغلال للآبار، وإلغاء 17 رخصة بحث عن الفحم بعد عملية تحقيق قامت بها السلطات المحلية على ضوء قانون المناجم، إضافة إلى فتح تحقيق حول عملية تصفية شركة "مفاحم المغرب" وعقاراتها. وقال محمد بونيف، رئيس فرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بجرادة، إن الساكنة عادت إلى الاحتجاج بعد توقف دام أياما، تمت خلالها دراسة مقترحات الحكومة، مشيرا إلى أن الفترة السابقة عرفت تبايناً في الآراء بين النشطاء أدى إلى انحساب بعضهم. وأضاف بونيف، في تصريح لهسبريس، أن مدينة جرادة عرفت، اليوم الجمعة، مسيرة احتجاجية حاشدة أمام مقر العمالة، سبقتها مسيرات أخرى في الأيام الماضية، رفع خلالها المحتجون شعارات ترفض مقترحات حكومة سعد الدين العثماني، واصفينها بغير الكافية. وأشار الناشط الحقوقي إلى أن "الساكنة اعتبرت الحوار الذي أجرته الحكومة مغشوشا، وتطالب بشكل واضح ببديل اقتصادي ومحاسبة المسؤولين وخفض فواتير الماء والكهرباء بشكل فوري". وقد أعلن النشطاء عبر فيديوهات على صفحات "الفيسبوك" أنهم سيستمرون في الاحتجاج. وترى الجمعية المغربية لحقوق الإنسان- فرع جرادة أن الحل يكمن في إيجاد حلول جذرية لمعالجة مظاهر الفقر، التي نتجت عن عقود من التهميش جراء إغلاق شركة "مفاحم المغرب"، وهو ما خلف نسبة بطالة مرتفعة في صفوف الشباب وهجرة مكثفة نحو مدن كبرى، تضيف الجمعية. وكان العثماني قد حل بداية الشهر الماضي بالجهة الشرقية، رفقة وفد حكومي، معلناً عن مجموعة من القرارات، أبرزها السحب الفوري لرخص استغلال المعادن المخالفة لمقتضيات القانون، وإتمام عملية تفويت المساكن الوظيفية لفائدة العمال القاطنين بها، إضافة إلى عدد من المشاريع التنموية، في إطار برنامج يهدف بالأساس إلى خلق آلاف مناصب الشغل لفئة الشباب. وكانت السلطات المحلية قد أكدت في فاتح فبراير مقتل شاب يبلغ من العمر 36 سنة بمنجم مهجور بنواحي جرادة، دون أن تحدد ظروف مقتله، لينضاف إلى اثنين توفيا نهاية دجنبر من العام الماضي، وهو ما كان سبباً في اندلاع تظاهرات حاشدة مطالبة برفع التهميش عن المنطقة، وإيجاد حلول اقتصادية لآلاف الشباب العاملين في آبار الفحم العشوائية معرضين أنفسهم للخطر. وكانت جرادة تستفيد سابقاً من مناجم الفحم، لكن بعد إغلاق شركة "مفاحم المغرب" أواخر التسعينيات، بسبب التكلفة المرتفعة لاستخراجه، واصل شباب المدينة العمل في آبار عشوائية لاستخراج الفحم يدوياً بغرض بيعه للتجار والشركات، وهو ما كان يعرضهم للموت أحيانا أو الإصابة بأمراض رئوية ناجمة عن استنشاق غبار الفحم.