رفض السيد مصطفى الخلفي، الناطق الرسمي باسم الحكومة المغربية، الجواب على سؤال يتعلق بعدم احترام قنوات القطب العمومي لقرينة البراءة، في تغطيتها لمحاكمة الصحافي توفيق بوعشرين مدير نشر " أخبار اليوم" وموقعي " اليوم 24″، و" سلطانة" حيث كانت وسائل الإعلام الحكومية تَذْكر الصحافي بالاسم والصفة، وتُغطي المحاكمة بما يوحي بأن المعني بالأمر، مرتكب، حقا، للأفعال الجنائية المتهم بها، وتَهرَّب الخلفي من تقديم الجواب على السؤال بالقول: " لا يمكنني أن أعلق على موضوع بيد القضاء"، رغم أن الموضوع لم يكن له أي صلة بالقضاء، وإنما بالإعلام. وجرى ذلك في الوقت الذي صدر فيه، قرار، للهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، في الجريدة الرسمية، قبل 24 ساعة عن اقتحام مقر " أخبار اليوم"، واعتقال مديرها، ونصَّ القرار على ضرورة عدم إعلان القنوات العمومية، عن اسم الظنين، أو المشتبه فيه، أو المتهم، أو تقديم أي إشارة تمكن من التعرف على هويته دون موافقته، قبل إصدار الحكم في حقه، وتعتبر " الهاكا"، أن قرارها المشار إليه، جاء بناءا على مقتضيات دستور 2011، وخاصة بمبادئه المتعلقة بالحريات، والحقوق الأساسية المرتبطة بقرينة البراءة، واحترام الحياة الخاصة للمواطنين. وفي الواقع، فإن الصحافة تظلم الحكومة المغربية حين توجه إليها الأسئلة المرتبطة بواقع الإعلام العمومي الوطني، والناطق الرسمي باسم الحكومة " معذور" في الحقيقة على عدم تقديم جواب على السؤال الذي طرحه عليه الصحافيون، لأنه محرجٌ في موقعه، ولعل هذا هو الإحساس الذي ينتاب الكثيرين من المهتمين بالشأن الإعلامي، حين يشاهدون في الحصة المخصصة للأسئلة البرلمانية، وزيرا يتلعثم وهو يحاول مُحرجا الاجتهاد من عندياته لتقديم جواب عن سؤال لنائب برلماني حول أداء واحدة من القنوات التلفزيونية المغربية. فعجز أعضاء الحكومة عن تقديم الأجوبة المطلوبة عن الإعلام العمومي واضح، ومفهوم، ومبرر، بشكل من الأشكال. فالحكومة المغربية ليست لديها السلطة الفعلية الحقيقية على الإعلام العمومي المغربي، فلقد شاهدنا السيد عبد الإله بنكيران عندما كان رئيسا للحكومة يشتكي مرارا، مُرَّ الشكوى، من أداء القنوات التلفزيونية العمومية، ومن عدم تغطيتها، التغطية المهنية المطلوبة والمقبولة لأنشطة الحكومة، وقرأنا مرارا تصريحات لمسئولين إداريين عن القطاع العمومي يتحرشون فيها بالوزراء وينتقدونهم، ولا يعترفون لهم بأي سلطة عليهم. وللحقيقة والتاريخ فإن الأمر لا يتعلق بالحكومة الحالية لوحدها، أو التي سبقتها فقط، فكما قال السلطان المولى عبد الحفيظ فإن داء العطب قديم، إذ في التناوب التوافقي الأول مع حكومة الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي، قال السيد العربي المساري رحمه الله بعد إعفائه من منصبه الوزاري على قطاع الاتصال، إنه وقف، من خلال الممارسة الوزارية على قطاع الاتصال، على حقيقة أن هذه الوزارة تعتبر هي أيضا وزارة سيادة، حتى إن تم تعيين وزير حزبي عليها، فإن تعليماته للمسئولين الكبار فيها تبقى دون تنفيذ، ولا يهتمون بها.. فالإعلام العمومي بين أيدي الدولة العميقة في المغرب، فهي التي تتصرف وتتحكم فيه، وما نشاهده أو لا نشاهده على شاشات قنواتنا، يعود الأمر فيه إلى المشرفين والموجهين الحقيقيين من الدولة العميقة لإعلامنا العمومي. فمصطفى الخلفي الناطق الرسمي باسم الحكومة، أو وزير الاتصال الحالي، وحتى رئيس الحكومة، لا يمكن، لأي منهم، الظهور في برنامج تلفزيوني حواري مثلا دون الاستئذان من الجهات النافذة في الدولة العميقة، فإن وافقت لهم على المرور في الشاشة الصغيرة فإنهم يمرون، وإذا لم تقبل ذلك، فلن يسمح لأي منهم بالظهور في أي قناة من قنواتنا العمومية. وحين يعبر مصطفى الخلفي عن عدم قدرته على الجواب على سؤال مرتبط بعدم احترام الإعلام العمومي لقرينة البراءة في ملف الصحافي توفيق بوعشرين، فإن الناطق الرسمي باسم الحكومة يقوم بذلك من موقع المدرك بأن عليه الابتعاد هو والحكومة عن هذا القطاع، وعدم الخوض فيه، خصوصا في هذه النازلة، لأنه ليس من مجال اختصاصه واختصاصها، فهذا قطاع تحت إشراف وتوجيه الذين يوظفونه بالطريقة التي تبدو لهم مناسبة، بصرف النظر عن رأي الحكومة، أو الهاكا، أو النقابة الوطنية للصحافة، أو أي جهة كانت. فإذا كان القرار المتخذ يقضي بأن توفيق بوعشرين مدان إلى أن تثبت براءته، فإن الإعلام العمومي يقوم بتصريف هذا القرار ويروج له، ولا يحترم ولن يحترم قرينة البراءة، ولا حول ولا قوة للحكومة في الأمر، ولا يمكن للناطق الرسمي باسمها إلا أن يظل صامتا حين يُطرح عليه السؤال في هذا الشأن، ويتهرب من تقديم الجواب عنه، لأنه لا يملكه أصلا.