لاتخلو الجرائد اليومية والمواقع والشبكات العنكبوتية وحتى مراكز الشرطة وقاعات المحاكم من قضايا جرائم الجن والسحر وغير ذلك من الأفعال الشيطانية المشينة التي تتستر -مع الأسف- تحت "الرقية الشرعية" لقد أثار انتباهي قبل أسبوعين خبر أوردته إحدى الصحف الهولندية الصادرة بمدينة "أوتريخت" وهو تعذيب طفل مسلم وضربه من أجل إخراج الجن الذي يسكن جسده !! مما دفع الشرطة والجهات المختصة بحماية الطفولة التدخل وانتزاع طفل عمره لا يتعدى 9 سنوات من أحضان أسرته بسبب تعرضه للتعذيب الناتج عن محاولة إخراج الجن من جسده من قبل أحد "الرقاة الشرعيين" وهو إمام في إحدى المساجد، وما زالت قضيته معروضة أمام المحاكم الهولندية لتقول كلمتها النهائية في هذا الإمام، فنوعية هذه الأخبار أصبحت تزكم أنوفنا يوميا لكثرتها وانتشارها في عالمنا العربي والإسلامي، وفي هذا الصدد ولعل أشهرها التي قرأتها في إحدى الجرائد الجزائرية هي تلك التي أودت بحياة شاب و أخته بعدما شربا 60 لترا من الماء خلال علاجهما من طرف مشعوذ ادعى انه "راق" و أن بهما مس شيطاني، و نفس الشيء حدث مع شاب يعاني من مرض تنفسي ما جعل "الراقي" يشبعه ضربا بحجة إخراج الجن الذي يسكنه، و هناك أمور خطيرة أصبحت ترتكب من قبل " الرقاة الشرعيين" عندنا في المغرب كذلك وصل حد استغلال بعض المشعوذين للحالات النفسية السيئة للمريضات و الاعتداء عليهن جسديا واستغلالهن جنسيا! ولهذا المتتبع لأحوال مجتمعات العالم الإسلامي نجد هذه الظواهر الإجتماعية الخطيرة أصبحت مترسخة في عقول الملايين من المسلمين الذين يعتقدون بأن سوء أحوالهم المادية أو فشلهم العائلي أو العاطفي أو بعض الأمراض المتفشية فيهم وغيرها من المشاكل والهموم تعود بالأ ساس إلى السحر والعين والجن والنحس والشيطان وغضب الله الله تعالى؛ لتبرير فشلهم وتخلفهم وعدم نجاحهم في مسيرة الحياة، فلا يعيدون حساباتهم على أساس من الواقع، مع التسلح بالعلم والعقل والإيمان ودراسة الأسباب والمسببات الكونية والنفسية والإجتماعية التي تكون قد تدخلت بشكل طبيعي في أحوالهم ومسيرة حياتهم ومنعتهم من تحقيق أهدافهم أوعرقلت نجاحاتهم؛ بل يبررون كل ما حدث ويحدث لهم من فشل في حياتهم بسوء الحظ ، أو العين، أو السحر، أو المس الشيطاني أو غير ذلك؛ لهذا كثرت الشعوذة والدجل والنصب والإحتيال والكذب والتدليس وأخذ أموال الناس بالباطل هذه الأيام باسم "الرقية الشرعية" إلى درجة الطعن في الأعراض والتقاتل والصراع ورفع دعاوى قضائية في المحاكم بين أولئك الذين يسمون أنفسهم ب "الرقاة " ، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على جهلهم بالسنة النبوية الشريفة وبطوابط الرقية الشرعية وبعدهم عن أخلاق القرآن الكريم، وياليت لو الجهات المختصة بوطننا العربي والإسلامي تعي خطورة هذه الظاهرة وتتحرك في معالجتها حفاظا على حرمات الناس وأموالهم وأعراضهم وسلامة أجسادهم وأرواحهم، يقول صلى الله عليه وسلم " كل المسلم على المسلم حرام، دمه، وماله، وعرضه" مع العلم أن هؤلاء أصبحت لهم مواقع عنكبوتية وفضائيات وقنوات تلفزيونية وعيادات طبية، تضاهي مستشفيات "جون هوبكنز" و"مايو كلينك" الأميركية الشهيرة؛ بل لهم شيوخ وجماعات ولوبيات داخل مؤسسات الدولة تدافع عنهم وتغطي عن جرائمهم وفضائحهم المنتشرة عبر ربوع الوطن العربي، والغريب في الأمر وهو أنهم يزعمون -بدون حياء- بأنهم يعالجون الكثير من الأمراض المستعصية والتي عجز عنها الطب الحديث، فتجد مثلا "راقي شرعي" علق على باب مكتبه أنواع الأمراض التي يقوم بمعالجتها منها: السحر والعين والمس الشيطاني والوسواس، وضيق التنفس وتأخر الحمل، والأمراض النفسية، ومرض السيدا والسرطان، والضعف الجنسي وسرعة القذف، وجلب الحليب والعقم والعنوسة، وغير ذلك مما لا يخطر على قلب بشر ! . والأخطر في هذه التخصصات الغريبة والبدعية الذي يمتهنها "الرقاة" ويزعمون معالجتها وهي إخراج الجن من جسم الإنسان، وأحسن طريقة -كما يتوهم هؤلاء- هي الحوار مع الجن وطلب الخروج بسلام، فإن امتنع عن الخروج يأتي الحل الأخير وهو الضرب، أي ضرب المريضة أو المريض الذي تلبس به الجني! فهذا العلاج بالضرب ذهب ضحيته الكثير من الناس، وخاصة النساء، وفي هذا السياق فقد شهدت إحدى قرى قضاء الزهراني في لبنان الجنوبي في سنة 2006 موت امرأة في العقد الثالث وأم لطفلتين جراء هذا الخبال حينما قرر "راقي" مشعوذ أن هذه المرأة مسكونة بالجن، وأن الطريقة الوحيدة لإخراج الجن منها هي ضربها ضرباً مبرحاً، وتعاون الزوج وشقيقيها على ضربها بقوة، فماتت بعدما تفنن أحد شقيقيها بضرب رأسها ببوابة من حديد، فأصيبت بنزيف حاد في الرأس، فعاش الجن وماتت المرأة ! . ختاما، فأنا شخصيا أقطن في البلاد الغربية منذ مايزيد 15 سنة، ولم أسمع هذه الخرافات بأن جني تلبس بإنسي أو جني تزوج بإنسية وركبها وفض بكارتها وولدت منه! ولهذا أتساءل مع نفسي دائما: لماذا الجن فقط يعشق ويتلبس ويركب النساء المسلمات ويترك النساء الشقراوات الكفارات في الغرب يعشن في أمن وسلام ؟!. *مدير الشؤون الإسلامية باتحاد المؤسسات الإسلامية بالبرازيل وكاتب عام المجلس الأعلى للأئمة والشؤون الإسلامية بالبرازيل.