تجاوزت العشرين سنة بسنوات، أنتمي إلى أسرة متوسطة الحال، أفرادها كلهم طيبون. مشكلتي هي أنني كنت على علاقة بفتاة جميلة وعلى خلق، كما اعتقدت في البداية. فقد التقيت بها وأنا في طريقي إلى إحدى المدن، و كانت تقصد نفس الوجهة، المهم أننا تواعدنا على أن نكمل الحياة مع بعضنا، وتواعدنا على الزواج، حيث كل منا صادق في مشاعره تجاه الآخر. دام هذا الحب بيننا ستة أشهر، قبل أن تخدعني الحبيبة وتستعمل أساليب السحر، مما جعلني أهجر والدي وأسرتي. والحقيقة أنني في الآونة الأخيرة وبعدما أنهيت علاقتي بهاته الفتاة لم أعد قادرا على إنجاح أي علاقة أقيمها مع أي فتاة. فلا تكاد تمر إلا ثلاثة أيام، حتى تهجرني الفتاة بعد أن نتفق على الزواج وتتركني دون تقديم تفسيرات لما أقدمت عليه. إنني أعيش جحيما حقيقيا بسبب فشلي في إنجاح أي علاقة، والسبب، طبعا، هو الأعمال السحرية التي مارستها تلك الفتاة لتجعلني أعجز عن الزواج من أي فتاة أخرى. أصبحت أخاف من المستقبل وكل ما يحمله لي، حيث لم أعد أعرف إن كنت سأنجح يوما في ربط علاقة تكلل بالزواج، أم أنني سأبقى على هذه الحال. أرجو أن تعرضوا مشكلتي على مختص، فأنا لا أعرف كيف يمكنني أن أبطل هذاالسحر الذي تعرضت له، والذي إن استمر على هذا الشكل، سيحطم حياتي. يوسف الدكتور محسن بنيشواختصاصي في الأمراض النفسية والعصبية طبعا الملاحظ أنه في العديد من الحالات المشابهة، يرجع المريض الأمر إلى السحر أو الثقاف، أو غير ذلك من التفكير الخرافي. وقد وقفنا حقيقة من خلال التجارب التي خضناها مع بعض «الفقهاء» المشعوذين، على حقيقة الأمر، حيث ثلاث حالات هي محور تشخيصهم للحالات، إما أن الشخص مسحور، أو «مثقف« أو «مسكون» بالجن. إذن فالمشكل الكبير الذي يعاني منه أفراد مجتمعا ليس السحر أو الثقاف، وإنما هو الاعتقاد بوجود هذه الأشياء. والغريب أن بعض الأشخاص يتماثلون للشفاء، لكن يجب علينا أن نعرف أن ما يعالجهم ليس تخليصهم من هذه الأشياء، وإنما هو الفكرة التي يحملونها معهم والإيمان الراسخ بأن ذلك «الفقيه» قادر على مساعدتهم وتخليصهم. فهذا الاعتقاد هو الذي يكون أساس العلاج. فيما يخص مشكلتك، ذكرت أنك تفشل في كل علاقة تقيمها، لكن لم تذكر إن كان فشلا عاطفيا أم جنسيا أم ماذا، وقد أرجعت الأمر إلى «الفقيه»، وكلما فعلت أصبح العلاج أصعب، لأن الفكرة التي تحمل سلبية. يجب أن تعلم بأنه من الممكن أن تكون هناك عدة مشاكل نفسية التي يجب فحصها للتأكد من عدم وجود مرض نفسي ما. وبالتالي يجب زيارة مختص. ونحن عشنا هذه التجارب مع أشخاص فصاميين يعتقدون أنهم مسحورون وأن ذلك سبب معاناتهم، مما يجعل أغلبهم ينفر من الطبيب النفساني، ويهربون إلى أطباء آخرين في أمراض القلب مثلا إلخ. إذن أنصحك باستشارة طبيب مختص في الأمراض النفسية لتحليل شخصيتك والوقوف على حقيقة الوضع النفسي والأسباب التي تجعلك تفشل في إقامة علاقاتك العاطفية، وكذا معرفة مشاكلك الحقيقية. إذن فمعرفة السبب هي الخطوة الأولى في العلاج. يجب أن تبطل أي تفكير سلبي من قبيل ما تفكر فيه، لأنه لن يزيد إلا في تدهور حالتك وتأخير علاجك. كما قد يكون من المحتمل أنك بعد لم تدفن حبك الأول، كما يقال، ولم تتخلص بعد منه، مما جعلك تفكر بهاته الطريقة. الدكتور عبد الجبار شكريباحث في علم الاجتماع وعلم النفس في البداية أود أن أشير، إلى أن كل ظواهر الوجود المادية والمعنوية، نجدها قد خضعت لنوعين من التفسير، النوع الأول هو المعرفة العامية، والنوع الثاني هو المعرفة العلمية. فالبنسبة للمعرفة العامية، هي معرفة سطحية وساذجة، تنبني في تكونها على الانطباعات الحسية، وعلى المرجعية اللاهوتية والميتافيزيقية والأسطورية، بحيث نجد أن المعرفة العامية، لم تساهم على الإطلاق في نشأة العلم الكلاسيكي، وليست لها أي قيمة في الاستدلال العلمي كما يقول «الكسندر كويري»، بل نجدها كما يقول «غاستون باشلار» تشكل عائقا في طريق تطور المعرفة العلمية. أما المعرفة العلمية هي التي تقوم على أساس الاستدلال بنوعيه المنطقي والتجريبي. ومن هنا أقول إن الأمراض النفسية في المجتمع المغربي خضعت إلى نوعين من المعرفة، النوع الأول هو المعرفة العامية في الثقافة الشعبية، وهذه تدخل ضمن المعرفة العامية، النوع الثاني هو المعرفة العلمية، المتمثلة في الطب النفسي، بمختلف فروعه. وهذا التصنيف الإبستيمولوجي للمعرفة المتعلق بالأمراض النفسية، ليس من خصوصية المجتمع المغربي، بل نجد هذا التصنيف حاضرا في كل المجتمعات البشرية. حيث كان التعامل مع الأمراض النفسية يتم من خلال المعرفة العامية، الناتجة عن الانطباعات الحسية والتصورات الأسطورية واللاهوتية والميتافيزيقية. ففيما سبق وبالضبط في العصور الوسطي، كان الناس في أوروبا، يصنفون الأمراض النفسية، في إطار المس بالجن، وكانت الكنيسة تعتبر، أن الشخص المريض نفسيا، هو شخص مملوك من طرف الجن، ولهذا كانت تقوم بضربه لإخراج الشيطان من جسده، وأحيانا كان يؤدي هذا الضرب إلى الموت. وفي المجتمع المغربي، نجد المعرفة العامية في الثقافة الشعبية ترجع الأمراض النفسية، إلى المس بالجن. إن الذي يجعل المعرفة العامية في الثقافة الشعبية العامية في المجتمع المغربي، ترجع الكثير من الأمراض النفسية، إلى "المس"، كمرض الاكتئاب، أو مرض الهلوسة، أو مرض انفصام الشخصية، أو مرض الوسواس القهري، وغيرها من الأمراض النفسية والعقلية هو: أولا اختلاط المرض النفسي، بحالات المس الذي يتحدث عنها بعض فقهاء الإسلام في كثير من الكتب. بحيث يفسرون، بكون أن الأمراض النفسية، ما هي إلا أمراضا ناتجة، عن مس بالجن، الذي يعني دخول الجن إلى جسم الإنسان، والاستقرار فيه. ثانيا، عدم اعتراف المعرفة العامية في الثقافة الشعبية المغربية، بوجود أمراض نفسية، بسبب عدم الاعتراف أصلا بالطب النفسي في شقيه، الطب النفسي الكيميائي، والتحليل النفسي. ولهذا فإن هذه الأمراض، هي ناتجة عن مس الإنسان، بالجن التقليدي المعروف- عند الثقافة الشعبية المغربية - بالاشتغال بالمس، كالجني "الباشا حمو" والجني اليهودي " حمادي " والجني " ميمون لكناوي " والجنية "عيشة الحمدوشية" والجنية " لالة ميرة " والجنية " عيشة مولاة المرجة " والجنية " لالة مليكة " والجنية " عيشة البحراوية ". ثالثا، غياب التوعية و تحسيس الرأي العام المغربي، بكون أن هذه الأمراض النفسية، ليست ناتجة عن المس بالجن، بل هي ناتجة أصلا عن خلل وظيفي في الجهاز النفسي، أو خلل وظيفي في مركز الجهاز العصبي، الذي هو الدماغ، أو ناتجة عن حادثة أو تسمم في الدماغ . إن الجن والمس هو حقيقة دينية مذكورة في القرآن الكريم وفي الحديث الشريف. إلا أن المس بالجن لايشبه في أعراضه المرضية، أعراض الكثير من الأمراض النفسية و العقلية. رابعا، سيادة الجهل، والأمية في المجتمع المغربي، وانتشار الكتب التي تتاجر بالأمراض النفسية، باسم التفسيرات الدينية، التي تستغل معاناة المواطن من المرض النفسي، والجهل، وفي حالة الضعف والمرض، يؤمن الشخص بأي تفسير يقدم له. - هناك مجموعة من الطرق العلاجية التي تعترف بها المعرفة العامية في الثقافة الشعبة، وهي كالتالي: أولا، هناك العلاج بإخراج الجن من جسد الإنسان، عن طريق قراءة، ما يسمى عند الفقهاء بالرقية الشرعية، على جسد المسكون بالجن. ثانيا، العلاج الآخر بالنسبة لهذه المعرفة العامية، هو الذهاب بالمريض إلى المشعوذين، أو الذهاب به إلى محاكم الجن الموجودة بأضرحة الأولياء في مجموعة من مناطق المغرب، لمقاضاة هؤلاء المعتدين من هؤلاء الجن، من أجل الخروج من جسد الممسوس، وأقوى هذه المحاكم الجنية، هي محكمة " بويا عمر " . إن لجوء أغلبية المغاربة إلى هذه الطرق غير العلمية في معالجة أمراضهم النفسية، ترجع إلى مجموعة من الأسباب وهي: أولا، أن هذه النسبة من المغاربة، لا تعترف أصلا، بما يسمى بالأمراض النفسية، وتعتبر أن هذا النوع من الأمراض، هي من أفعال الجن، ولذا فالعلاج منها عن طريق الطب النفسي، لاينفع في هذا المجال، لأن العلاج الوحيد يجب أن يتم على يد المشعوذين، وعلى يد محاكم الجن في أضرحة الأولياء. ثانيا، حتى وإن اقتنع الشخص بأن المرض الذي أصابه يدخل في باب الأمراض النفسية، فالبر غم من ذلك فهو غير مقتنع بجدارة الطب النفسي في العلاج، لأنه يعتبره مجرد دردشة فارغة، حيث يسود في خطاب الناس " كاين شي علاج بالهدرة " .ثالثا، حتى وإن اقتنع الشخص بوجود الأمراض النفسية، وبجدارة العلاج عند طبيب نفسي،فضعف القدرة الشرائية لديه. تجعله عاجزا عن الاستمرار في العلاج، نظرا لارتفاع أسعاره، وفي هذه الحالة يبحث عن الطرق السهلة في العلاج، التي سبق أن ذكرتها فيما قبل. أريد أن أشير إلى وجود ثلاثة أنواع من الأمراض النفسية -العقلية: النوع الأول من الأمراض النفسية، هي الأمراض العصابية، و المرض النفسي العصابي، هو مرض يعيه صاحبه، ويتصرف بشكل طبيعي، في الواقع الذي يعيشه في مختلف مجالاته، لكنه يعاني من مرضه، فهو يوقعه أحيانا في تصرفات شاذة في مواقف معينة، تثير ملاحظات الآخرين وانتقاداتهم. وعلاج الأمراض العصابية يتم عن طريق التحليل النفسي، كما يتم أيضا بالعلاج السلوكي، وبالعلاج المعرفي، وهي تشمل كل الأمراض النفسية العصابية ، كعصاب القلق وعصاب الوسواس القهري، وعصاب الفوبيا، وعصاب الاكتئاب، وعصاب الهستيريا بنوعيه التحويلي والتفككي، وعصاب القلق، إلى آخره. إن الشيطان في كل الحالات متهم بأنه السبب الرئيسي وربما الوحيد وراء المرض النفسي على وجه الخصوص..ويدفع هذا الاعتقاد الكثير من المرضى إلى طلب العلاج لدى الدجالين والمشعوذين الذين يتعاملون مع الجن والشياطين دون التفكير في اللجوء إلى الطب النفسي إلا بعد مرور وقت طويل من المعاناة . ورغم أنه لا يوجد دليل واحد على علاقة الشيطان بالأمراض النفسية فإن بعضا من المتعلمين إلى جانب البسطاء لا يستطيع فهم الحقائق العلمية التي تؤكد أن غالبية الأمراض النفسية الرئيسية قد تم التوصل إلى معرفة أسبابها.هناك سوء فهم قضايا الدين والعلماء عليهم العمل على إعادة تغيير أسلوب بلورة الخطاب الديني، وبالتالي تقريبه للناس، فالفقيه نعرف أنه دارس للقرآن وللعلوم الشرعية وربما للألفية، لكن العالم عليه أن يطالع في علم الطب وعلم النفس وعلم الاجتماع والتواصل، وهكذا سيسهل عليه إعادة قراءة فهم القرآن والتعامل معه من خلال الآليات التي ذكرتها. يجب أن يتجند علماء الدين ويتخذوا مجموعة من الأساليب للتقرب من الناس الشعبيين بخطاب مفوم وبسيط لتغيير أفكارهم، لأننا لو اعتقدنا وآمنا بإمكانية الزواج بين الإنس والجن على سبيل المثال لا الحصر ستقبل علينا كل امرأة حملت سفاحا وتقول إنني حامل من جني تزوجته قبل فترة. يمكن ذلك باسترجاع الثقة فيه، فالعالم لا يعدو أن يطلب منه الدعاء في مناسبة من المناسبات، في حين أن دوره يجب أن يعدو ذلك بكثير، على العالم أن يكون دارسا لفقه الشريعة وفقه الواقع وفقه الدعوة وفقه الأولويات لكي تكون لديه القدرة على التخاطب والتواصل مع الأشخاص كيفما كانت معتقداتهم وأفكارهم