حكايات واقعية عاشتها، أو عايشتها، قارئات «المساء» ممن اخترن إخراجها من الذاكرة إلى الحاضر، ومن الكتمان إلى العلن علها تفيد أخريات. حلقات ننشرها هذا الصيف، لنساء يرغبن في اقتسام فرحهن كما حزنهن، نجاحهن كما فشلهن مع القراء. «كنزة» امرأة خفيفة الظل حادة الذكاء، صاحبة كاريزما وحضور آسر، تجبرك على الاستماع إليها. حين التقيتها لم تكن بخيلة في التحدث عن نفسها، كانت تتحدث بصدق عن مشاعرها ومعاناتها، وتحكي كم كانت الحياة قاسية معها، وكم قضت أياما وليال حزينة هي وابنتها «غيثة» الجميلة ذات العيون الآسرة والتي تستحق كل سعادة الدنيا. ابتدأت حكايتها قائلة: أصررت أن أترك زوجي بعدما استحالت العشرة بيننا، فقد كان رجلا مريضا، عصيا، أنانيا، بخيلا، كذابا... والكثير الكثير من الصفات السلبية والسيئة التي اجتمعت في شخصه مرة واحدة، حيث أصبح إنسانا لا يطاق. عرفته منذ ما يقارب الست سنوات، ابتدأت الحياة بلقاء رتبته الصدف في حفل عائلي، تكلمنا ليلتها طويلا وتبادلنا أرقام الهاتف، التقينا بعد ذلك وتحدثنا أكثر، كان عمري حينها 21 سنة وكان عمره 26 سنة، كان عائدا لتوه من فرنسا التي درس بها، كان يحمل فكرا واعيا متفتحا، أعجبنا ببعضنا ولا أدري لماذا أحسست منذ الوهلة الأولى أن هذا الرجل هو من سيكون زوجي، صدقت إحساسي وفي غضون أربعة أشهر شرعنا في التخطيط للزواج، كنت في السنة الأولى في الجامعة، ولم تكن الدراسة تعني لي الشيء الكثير، فآثرت أن ألتحق بقطار الزواج في أسرع وقت لذا توقفت عن الدراسة لأشق طريقي معه في مسيرة الألف ميل. شجعني على قراري كون زوجي ابن عائلة ميسورة، يعمل مهندسا كما أخبرني بداية حياتنا المشتركة، براتب محترم جدا لذا اطمأننت للغد رفقته وتزوجنا. كانت تحسدني على زواجي كل نساء العائلة والأهل والصديقات، فقد أقمنا حفلة عرس فخمة وأقمت معهم في فيلا فاخرة رفقة أسرته، أتذكر الآن بأسف كيف يمكن للإنسان أن يعيش في الوهم ظانا أن ما يعيشه حقيقة، كنت على يقين في أول ليلة أقضيها بين ذراعيه بعد زفافنا أنني حظيت بكنز وليس برجل. لكن بعد أيام من زواجنا بدأ زوجي وأهله يظهرون وجههم الحقيقي لي تباعا، والدته كانت قاسية معي وهو كان مريضا بعدة أمراض: الربو والحساسية والسكري يأخذ حقن الأنسولين، اكتشفت ذلك صدفة لكنني لم أنطق بحرف ولم يتحرك لساني احتجاجا، ظللت صامتة، لم أعرف كيف سأتصرف، أحسست بداية بمشاعر الشفقة تجاهه، أردت أن أساعده وأحميه، فهو في النهاية زوجي، لكنني مع الوقت لم أطق مزيدا من الحيرة فكلمته عن حالته وسألته لماذا أخفى عني مرضه؟ جن جنونه وأخذ يصرخ في وجهي، انتفض في وجهي حين أحس أن رجولته محل رهان، كان مرضه بل أمراضه نقطة ضعفه حيث دخلت أسرته على الخط وثاروا جميعهم في وجهي، والدته أشبعتني بدورها سبا وشتما، كان ذلك اليوم قاسيا علي، أحسست لحظتها أنني فقدت كلما حلمت به، حياتي، مستقبلي... ومع ذلك استمريت معه رغم تفكك العلاقة بيننا واتساع الفرقة، تراصت بيننا الحواجز تباعا وخابت الآمال وقضت الحقيقة على أحلام الحب والمستقبل الرائع الذي تواعدنا على تحقيقها. بتباعد المسافة بيننا تباعدت اللقاءات الحميمية أيضا، أخذ يتعمد هجراني وحرماني من حقوقي الطبيعية كأنثى، كبريائي جعلني لا أطالب بها، كتمت رغباتي لكن مع ذلك أنجبت «غيثة» بمشيئة من الله بعد أن أصبح للعلاقة مع زوجي اسم واحد هو الميكانيكية لتلبية حاجته. كم كنت أشفق على حالي حين كان يدير لي ظهره بسرعة ويتركني للوحدة ولضياع حقوقي. بدأت الحياة معه تستحيل، استفحلت المشاكل بيننا، أصبح كثير المشاكل، لم يعد ذلك الهامس الهادئ بكلمات الحب، أحيانا أعود للماضي وأرى نفسي بين يديه وفي أحضانه، فأغيب للحظات وأنا أفترش الذكريات، لكنني سرعان ما أستفيق على واقع مر، زوج أناني قاس متسلط بخيل، لم يعد يهتم بي، أصبح يحرمني ويحرم ابنته من أبسط الحقوق، أصبح أهلي هم الذين يهتمون بأمر كسوتنا نحن الاثنتان، كنت عندما أمرض يرفض أخذي إلى الطبيب، أتحمل الألم والوجع وأشرب بعض المستحضرات البدائية التي أحضرها في المطبخ حتى يزول الألم، صبرت وصبرت على هذا الحال، لكن بعد خمس سنوات من المعاناة خرجت بقراري الذي لا رجعة فيه، وهو أن أتركه بعد استحالة العشرة بيننا، فلم يعد هناك مجال لأكمل المشوار معه، حين ساءت الأمور بيننا بهذا الشكل، سافر إلى فرنسا دون أن يعلمني، طالت مدة سفره شهورا وأنا أنتظره لنضع حدا لعلاقتنا، كنت أقيم مع والدته التي جعلت مني خادمتها، أقضي النهار بطوله في المطبخ أطبخ ما تشتهيه، كانت قبل أن تنام تطلب مني تحضير أطباق مختلفة وتريدها جاهزة عند الاستيقاظ، أصبحت حياتي بلا طعم ولا لون أو هدف، فزوجي ليس هنا ولا أدري متى سيعود وربما لن يعود، فقررت أن أترك البيت وأعود إلى بيت أهلي، لكن المصيبة أن والداي لم يستسيغا أمر رجوعي، لأنهما يظنان أن الأعراف الأخلاقية والاجتماعية تمنع ترك امرأة لبيت زوجها، حتى لو تصدعت وانهارت جدران علاقتها الزوجية عليها أن تصبر مادام ليس هناك طلاق. استضافني أهلي بينهم لشهرين وبعد ذلك طلبوا مني أن أعود لبيت زوجي وأنتظر عودته من سفره. تركتهم واضطررت لأن أكتري غرفة ضيقة في حي شعبي ب700 مائة درهم تؤويني أنا وابنتي. أصبح والد زوجي يعطيني كل شهر 500 درهم كنفقة لابنتي، لم أطلب الطلاق لازلت معلقة. زوجي يعود إلى المغرب ومن ثم يسافر من جديد إلى فرنسا دون أن يأتي ليراني ولم يطلب يوما رؤية ابنته ولم يطالبني بحقوقه الأبوية عليها، الوضع هكذا يروق له، أتحمل اليوم كل شيء في سبيل تربية «غيثة» لوحدي وهي تبلغ الآن خمس سنوات، أدخلتها إلى مدرسة خاصة حتى تنعم كغيرها من أطفال جيلها بتعليم راقٍ، أعمل في كل شيء، في البيوت، أغسل الأواني في المقاهي والمطاعم، لم يعد يهمني الاعتناء بنفسي كل ما يهمني اليوم هو الإبقاء على حياتنا، أما زوجي فتركته لضميره ولله الذي سيتكلف بعقابه.